المجند محمد رفعت.. قطع إجازته لتأمين "المرقسية" وغاب التمثيل الأمني عن عزائه
كتب- إشراق أحمد:
أعد حقيبته، وملبسه "الميري"، ثم ودع والدته، قبل أن يهم باستقلال السيارة، لينطلق إلى الإسكندرية، وبينما يعلو صوت المحرك، نزل محمد رفعت شريف مرة أخرى إلى المنزل، احتضن أمه، عانقها بشدة، ثم قال لزوجة أخيه الأكبر "خلي بالك من أمي"، تعجب أهل المجند من فعله غير المعتاد، لكنهم لم يبالوا، حتى مع سماع أنباء تفجير يقع في الإسكندرية، فقط مع اتصال هاتفي من زميل له في العمل أدركوا أن عبارته تلك كانت الأخيرة.
سقط "رفعت" بين ضحايا تفجير الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، ليتمم المجند العسكري العدد 6 لضحايا الشرطة في الحادث الإرهابي الذي نال من أرواح 17 شخص، وأعيا نحو 49 بالإصابة.
منذ عام وثلاثة أشهر، يؤدي ابن محافظة الشرقية خدمته العسكرية بصحبة العميد نجوى عبد العليم "كان السواق معاها وبيرافقها على طول في الخدمة" يقول شقيقه "شريف"، فيما يُعدد طباع أخيه الراحل، التي أهلته لكسب الثقة والمودة، لدرجة أن رئيسته لم تكن تذهب لخدمة تأمين الأماكن الحيوية دونه حسب قول الأخ الأكبر لـ"محمد".
لهذا السبب قطع المجند إجازته، المنقضية منها 5 أيام حتى ذلك الحين، وقرر السفر إلى الإسكندرية؛ اتصلت العميد "نجوى" بـ"رفعت" مساء الجمعة، أخبرته أن يحضر ليستعد مع القوة الأمنية لتأمين الكنيسة المرقسية، مع احتفالات عيد السعف، لم يكذب الشاب العشريني الخبر، واستجاب للأمر، رغم أن إجازته كانت ستنتهي يوم الأحد، ليأتي الحادث وينهيها بالفعل لكن للأبد حسبما يقول شقيقه مستعيدً أخر حديث جمعهما قبل مغادرته المنزل.
كان ذلك مساء الجمعة، بمنزل الوالدين، مَن كانا يأنسان بوجود الابن الأصغر "آخر العنقود واللي فاضل متجوزش بعد 4 أخوات ولدين وبنتين". جلس "شريف" يتحدث مع أخيه، يسأله عن موعد عودته للعمل فإذا به يجيب "مش رايح لهم تاني ويبقوا يدوروا عليا يجيبوني"، غرق الشقيقان حينها في الضحك، ظن "شريف" أنها إحدى نكات أخيه الدائمة الحضور أينما تواجد، لكن معناها تغير عنده بعدما جاءهم خبر وفاته "محدش بيعرف هيموت أمتى لكن زي ميكون حاسس أنه مش هيرجع تاني".
في الواحدة ظهر يوم الأحد المنصرف، وصل الخبر إلى أسرة المجند، انطلق الأخ الكبير كالمجنون "مكنتش شايف قدامي"، هرع الجميع بعدما كانت السكينة تحل بالصدور "سمعنا أن في تفجير في إسكندرية لكن متخيلناش أن يكون فيه محمد". باتصال هاتفي قطع المجند إجازته، وبأخر تأكدت نهاية حياته حتى عمر الواحد والعشرين ربيعًا.
11 شهرًا كانت تفصل المجند "رفعت" عن انقضاء خدمته العسكرية، كان يخطط بعدها للبحث عن عروس للزواج، إذ لم يكن يحمل عبء التجهيز "كنا لسه مشطبين له الشقة لكن خلاص محدش هيمسها"، يقول شقيق الراحل بشيء من الثبات رغم وجع الفراق.
بالمساء استلمت العائلة جثمان الفقيد، نحو 30 سيارة حسبما يقول شقيقه صحبته إلى مثواه الأخير بالشرقية، هناك انتظر أهل "العكل" مركز ديرب نجم، قدوم الابن، من العاشرة مساءً إلى الثانية بعد منتصف الليل، حتى جاء "رفعت"، يصف "شريف" المشهد بالحافل "البلد كلها كانت مستنياه"، الهتاف "للشهيد" والدعاء على الظالم صاحب البكاء، ودحض ظن قائد شرطي قال لشقيقه "مش هتلاقي حد يدفنه دلوقت".
رحل "رفعت" هو ورئيسته بالعمل "كان بيحبها جدا وبيقول لها يا ماما وهي معتبراه زي ابنها"، وودعت الأسرة فقيدها بمدفن العائلة، الذي يُفتح لأول مرة لاستقبال ما يحتسبوه عند الله "شهيدًا"، ونعت الصفحة الرسمية لوزارة الداخلية "شهداء الشرطة"، بالمقابل فُتحت عائلة "رفعت" الأبواب للعزاء لكنه خلا من أي تمثيل رسمي للشرطة كما يقول "شريف".
لم ينتظر أهل الفقيد شيئًا بحسب شقيق الراحل "بس كان المفروض يبقى في تقدير للناس.. ده ابنهم والمجند الوحيد اللي مات في حادث كبير زي ده"، طالب البعض الأهل بتأجيل الدفن والعزاء من أجل جنازة عسكرية لكنهم رفضوا، أجابهم "شريف" بأن أكرام الميت دفنه.
ينتظر شقيق المجند العزاء الجماعي، الذي أخبره عنه مدير أمن الإسكندرية في اتصال أجراه معه أمس، لكن غصة بالقلب تسكنه "كان المفروض هم اللي يجوا مش أحنا اللي نروح"، غير أن عزاء الشقيق والأسرة في سيرة طيبة أحاطت بـ"رفعت"، وتلقوا شيئًا منها، في بكاء أحد عمداء الشرطة بحرقة قائلاً "اللي توفى ده ابني"، فيما أحتضنه أخر، بينما يشد على يده مخبرًا "محمد نعم ما ربيتوا".
فيديو قد يعجبك: