كيف أنقذت 15 مترا حياة أحد أفراد أمن "مرقسية" الإسكندرية؟
كتبت- دعاء الفولي:
عقب تفجير الكنيسة المرقسية بساعات، استعاد الأمين محمد حسن، وعيه داخل مستشفى الشرطة بالإسكندرية؛ استشرى التخدير بجسده، عقله مُشتت، وعيناه زائغتان، لا يصدق أنه نجا من الموت، وفيما تسترجع ذاكرته تفاصيل ما جرى، دلفت ابنته ريتاج الحجرة، ركضت في اتجاهه، احتضنته، قالت: "الحتة دي متروحهاش تاني"، قبل أن تعطيه ورقة مكتوب فيها "انا بحبك يا بابا.. حمد الله على السلامة.. وحشتني".
كان انفجار ضرب مدخل الكنيسة المرقسية في قسم العطارين بالإسكندرية، الأحد الماضي، مؤديا إلى مقتل 17 مواطنا وإصابة 48 آخرين، بحسب بيانات وزارة الصحة، فيما أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن الحادث الانتحاري.
في العاشرة مساء السبت، تحرك حسن من منزله في منطقة برج العرب، متجها لحي العطّارين "كان لازم أروح بدري عشان نشوف مكان الخدمة". بعد منتصف الليل بقليل كان أمين الشرطة ذو الأربعين عاما متواجدا في محيط الكنيسة، هُناك قابل لأول مرة زملاءه من أفراد الأمن؛ العميد نجوى، الأمين عصام، العريف أمنية، الرائد عماد، المجند محمد، العريف أسماء والأمين محمد.
"اليوم كان ماشي كويس جدا.. لحد ما سمعنا عن انفجار طنطا".. ارتباك اجتاح الموجودين من قوات الأمن "احنا عارفين إن فيه خطر بس متخيلناش إنه يحصل حاجة"، وصلت اليقظة لأقصى درجاتها، تضاعف تمشيط المنطقة "خاصة إن البابا تواضروس كان موجود داخل الكنيسة عندنا"، إلا أن ذلك لم يمنع القدر.
صوت مُفزع، يعقبه ارتجاج شديد، سحابة خانقة من الدخان، ثم ألم يجتاح الجسد؛ اختبر حسن تلك الأحاسيس في أجزاء من الثانية وقت الانفجار، كان موقعه يبعد عن الكنيسة بحوالي 15 مترا "مش عارف لحد دلوقتي إزاي مموتّش".. يقولها متعجبا، بصوت متذبذب.
بينما هو مُلقى على الأرض، لم يسمع حسن سوى الصراخ. أوّل ما وقعت عليه عيناه كان طفلة ترتدي ملابس وردية، مُلقاة على وجهها، تنزف دما "قلبي اتخلع لما شفتها"، وقتها انتبه أمين الشرطة لنفسه "لقيت قطع لحم بشري مغطيّاني"، ظنّ أنه أُصيب، لم يستطع الوقوف، ظل يتحسس جسده بحثا عن الجروح، قبل أن تنتشله أيادي من المكان إلى سيارة الإسعاف ثم مستشفى الشرطة.
يعمل حسن في الخدمة الشرطية منذ عشرين عاما "أنا موجود في تأمين مطار برج العرب أصلا لكن بنروح الكنائس انتداب وقت الأعياد"، تلك المرة ليست الأولى التي يخرج فيها لدور العبادة "بيحصل كل سنة واتعودنا"، حتى أن ذلك النوع من العمل ليس أصعب ما مر به "روحنا رفح شوية قبل الثورة"، يتذكر أياما عصيبة مر بها في شبه جزيرة سيناء "لكن الوضع عند الكنيسة كان مُقبِض ومختلف.. كأن كلنا كنا بنتأهل للموت".
مشاهد قصيرة مرّت بخيال حسن، أبرزها للعميد نجوى عبد العليم "كان ليها ابن شهيد شرطة من كام شهر ورغم ذلك كانت مبتسمة وبتهزر معانا"، لم تتخلف السيدة الراحلة عن الخدمة "يعني من الساعة 3 الفجر جات لحد لحظة التفجير"، ورغم معرفتها بامتداد الخدمة حتى منتصف ليل الإثنين، غير أنها أبت الحصول على راحة ولو مؤقتة.
ما أن وقع الانفجار حتى اتصل أحد أصدقاء حسن بأخيه يُخبره "لما فوقت في المستشفى كلمت أمي أول حد"، ما يزال دعاءها المختلط بالبكاء حاضرا في ذهنه "صوتها هو الطمأنينة اللي باخدها كل خدمة بنزلها"، أما زوجته فتمنّت لو أنه لم يخرج لتلك المهمة أو غيرها، لكنه حاول تهدئتها، فيما سرد لأطفال الثلاثة، هادي، يوسف وريتاج طبيعة عمله.
لا يفكر حسن في الابتعاد عن الشرطة "أنا بقالي سنين في الخدمة.. دة واجبي ومينفعش أتقاعد"، استسلم للتعامل مع الخطر المُحدق به، غير أن عائلته هي من يتلقى الصدمات أحيانا عنه "يعني فيه قناة نزّلت اسمي ضمن الشهداء ودة عمل بلبلة شديدة"، فوجئ الأمين باتصالات لا تنقطع، اضطر معها للرد رغم التعب، قائلا للجميع إن حياته ما زال فيها بقية.
فيديو قد يعجبك: