"بعيد عن البيت".. كيف يقضي 4 أشخاص اليوم العالمي للأسرة؟
كتبت- شروق غنيم ورنا الجميعي:
تصوير- مصطفى الشيمي:
في عام 1993؛ أقرت هيئة الأمم المتحدة الخامس عشر من مايو، يومًا عالميًا للأسرة، لكن هذا اليوم يمر بشكل مختلف على بعض الأسر المصرية، فظروف الحياة والضغط الاقتصادي قد دفع أربابها للجمع بين أكثر من عمل في ذات الوقت لتوفير احتياجات أفراد عائلته، وبينما يحل الاحتفال به اليوم الأحد، فهناك أربعة أشخاص تبعدهم ظروف العمل عن قضاء وقت مع أسرهم.
يعمل مصطفى محمود في ثلاثة أماكن مختلفة على مدار 6 أيام، منذ الثامنة صباحًا، وحتى الواحدة من صباح اليوم التالي، فيما يقضي ساعات النوم فقط في منزله "مبيكملوش 8 ساعات"، ويستعد يوميًا لنفس تلك الدائرة، فحياته باتت تدور في فلك العمل الذي يلتهم وقته بعيدًا عن مكوثه مع أسرته.
كان لقرار الحكومة في نوفمبر من العام الماضي، بتحرير سعر صرف الجنيه، أثرًا على حياة محمود، إذ ارتفعت أسعار السلع بشكل كبير، وبمرور ستة أشهر على هذا القرار، التحق الشاب الثلاثيني بعمل ثالث لتغطية مصروفات الأسرة "ورغم إني قبل التعويم كنت في شغلانتين بس، إلا إن مستوى إنفاقي كان أفضل من دلوقتي".
كل ذلك أثّر على الجو الأسري في منزل محمود، والتي تتألّف من زوجة وطفلين. تطلب منه ابنته قضاء وقت أكبر معهم "بتقول لي مش عاوزين فلوس، بس أقعد معانا"، لكن الأب يخبر نفسه بإن "كل خمسة جنيه زيادة لأسرتي هيوفر لهم حياة أفضل".
وفي بعض الأحيان تطلب الزوجة منه ترك إحدى الأماكن الثلاثة، من أجل الحفاظ على صحته ووقته، لكنه يعلم أنه إذا نفذ ذلك، فسيتعيّن عليه التخلي عن إحدى مظاهر حياتهم "مش هقدر أودي بنتي تمرين مثلًا، والوضع هيبقى ضاغط عليا أكتر".
تغيب تفاصيل مهمة في حياة الأسرة عن محمود، مثل الذهاب بأحد ابنائه إلى الطبيب "دوري بيختصر في إني أوفر الفلوس وأجيب لهم الدوا"، أو في زيارات الأسرة للعائلة بدونه، أو حتى الذهاب مع ابنته للتمرين، و"إني مش معاهم 90% من الوقت، الموضوع مش سهل".
تعاني الدائرة المُحيطة بالشاب الثلاثيني، نفس الظروف تقريبًا أو أسوأ، فمثلًا التجمع الذي اعتادت عائلته على ممارسته أسبوعيا لقضاء يوم سويًا، خفّت بشكل كبير هذا العام "الموضوع بقى مُكلف، وحتى أنا تخليت عن عزومات كنت بعملها لنفس السبب".
كان السفر إلى مكان مختلف منفذ محمود وأسرته للتنزه، لكنه بات أمرًا صعبًا "دلوقتي عشان نسافر ده هيستهلك مني تقريبًا نص مرتب شغلانة من التلاتة"، رغم ذلك يعلم أن حاله أفضل كثيرًا من دائرة بعض أصدقائه أو أقاربه "من حيث الدخل وتفاصيل أكتر ليها علاقة بشكل الحياة".
يقضي الموظف المصري نحو 53 ساعة أسبوعيًا بعيدًا عن البيت، وفقًا لمنظمة العمل الدولية، وهي النسبة الأكبر بين الدول، لا يفوقها سوى نيبال بنحو ساعة زائدة.
لمحمود صالح قصة أخرى، حيث يعمل كفرد أمن لمدة 24 ساعة، وذلك على مدار 10 أيام في الشهر الواحد، حيث تبلغ عدد ساعات عمله شهريًا حوالي 240 ساعة في هذا المكان وحده، فيما يسافر بعد ذاك اليوم الشاق إلى بلدته في القليوبية للعمل في مكان ثاني.
بدأ صالح (23 عامًا) العمل منذ عام 2013، وهو العام الذي شهد وفاة والدته، وأصبح مسئولًا مع والده للإنفاق على أسرة مكوّنة من شقيقتين أصغر منه، ومنذ ذاك العام أصبحت ساعات مكوثه مع أسرته "تتعّد على الصوابع"، فضلًا عن دراسته التي تأكل وقته أيضًا.
يرى دكتور "طه أبو الحسن"، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية، أن الظروف الاقتصادية ليست البُعد الأساسي في عامل الترابط الأسري "لو العيلة متعودة إنها تقضي وقت مع بعض، أو يزوروا بعض مش هتفرق معاهم الظروف دي".
غير أن العامل الاقتصادي يؤثر بشكل أكبر وسط الأسرة الواحدة، يوضح أبو الحسن أن الأب لديه مسئوليات عديدة، وعليه تحمل تلك الظروف "طول ما هو بيوفر أكل لأسرته، لكن إذا بيوفر رفاهيات عليه إنه يقلل من الوقت برة البيت ويقضي وقت معاهم"، حيث يرى أن تربية الأطفال بين طرفين.
من جانب آخر "تُعافر" ايمان سلام وسط الظروف الاقتصادية الصعبة، فهي أم لفتاة لديها ثمان سنوات، وحاصلة على بطولة الجمهورية في الجمباز، لا تتفرغ ايمان لبيتها وتربية جودي فقط، بل تشغل عدة مناصب منها؛ دكتورة في المعهد القومي لعلوم البحار، ورئيس مجلس إدارة لإحدى الجمعيات، تقول ايمان "الشغل ضرورة عشان تكفي المصاريف".
لكن إيمان تُحاول ألا يؤثر عملها على تربية جودي، تؤمن أن وجودها معها واجب "عشان نفسيتها"، وتوضح كيف تنظم يومها "لما ببقى في الشغل جودي بتكون في المدرسة"، بعد ذلك تخصص وقتًا لمرافقتها إلى التمرين الذي يستغرق 4 ساعات يوميًا، لمدة ستة أيام في الأسبوع "تقريبا دا بيكون الوقت اللي بقضيه معاها، لو مقضيتوش كدا هشوفها وقت النوم بس".
يُضاف إلى ذلك دروس القرآن، التي تلتزم بها الأم والابنة "دا بيساعد إننا نكون مع بعض كمان"، توضح ايمان أن غياب الزوج نتيجة عمله في الخارج ساعدها على التفرغ فقط لتربية جودي والعمل "بنتي بتكون معايا في كل مكان حتى في المؤتمرات".
إجراءات التعويم أثّرت أيضًا على ايمان، لكن بشكل مختلف، حيث ساعدها على تواجدها مع جودي بنسبة أكبر، "درس الإنجليزي مثلا بدل ما أخلي حد يديها، بقيت أدرسهولها أنا".
سمة الترابط أساس تربّى عليه أسامة حسن "أمي عودتنا إننا نسأل على بعض"، لدى الشاب العشريني شقيقتين وأخ، "عارفين تفاصيل بعض"، لكن الاغتراب عن مدينته طنطا أثّر على وجوده بينهم. يعمل حسن في القاهرة، اضطرته ظروف الدراسة للإقامة بعيدًا عن أهله "أنا بقعد شهر مثلًا وبروّح يومين أو تلاتة بالكتير".
ازدادت حدة البُعد مع عمل حسن، وضاقت الأيام برحابتها مع إجراءات التعويم، "بقيت بشتغل في أكتر من مكان"، وقلّ معدل العودة للأهل "بقيت بروّح كل شهرين أو أكتر".
يستاء حسن من عيوب الاغتراب، من بينها معرفته بشؤون أهله متأخرًا "في ظل السفر بعرف الحاجات متأخر زي جواز أخويا"، تغيّر الشاب مع الوقت، رغم شغفه بعمله إلا أنه ملّ من الحياة بالقاهرة "بقيت بزهق من دوشة التفاصيل الكتير وبحب أسافر البلد"، يُحب حسن "لمة الأهل"، يؤنسه الصغار واللعب معه، حتى الآن مازالت الأسرة تحرص على التجمع طيلة تواجده معهم "تقريبًا مش بيتجمعوا من غيري"، لكنه يُصبح ضيفًا عابرًا خلال المناسبات "مش بفطر معاهم في رمضان غير 5 أيام، وأوقات كتير بشتغل في الأعياد".
فيديو قد يعجبك: