إعلان

نجل مروان البرغوثي: لم ألمس والدي منذ 15 عامًا وتعليق الإضراب نصر للأسرى (حوار)

12:48 م الأحد 28 مايو 2017

مروان البرغوثي

حوار- رنا أسامة وإشراق أحمد:

بعد 41 يومًا علق الأسرى الفلسطينيون إضرابهم عن الطعام، واستهلوا فجر أمس بصيام جديد مُطّعَم بالانتصار مع شهر رمضان، بـعدما رضخت سلطات الاحتلال الإسرائيلي لـمعركة الأمعاء الخاوية، التي عكف نحو 1600 أسير في سجون الاحتلال على خوضها منذ 17 أبريل المنصرم، مولين لواء التفاوض، لقائدهم مروان البرغوثي، فمّن كان بالسابق نائب الشعب الفلسطيني بالمجلس التشريعي منذ عام 1996 وحتى 2002 قبل اعتقاله بالأخير، ينوب اليوم عن "حرية وكرامة" الفلسطينيين كما قال نجله "عرب".

مصراوي حاور هاتفيًا أصغر أبناء "البرغوثي"، تحدث "عرب" الذي تزامن ولادته مع حرب الخليج الثانية، فأسماه والده بذلك أملاً في توحدّ العرب، مناشدًا باصطفاف الحكومات العربية للوقوف مع الأسرى ضد الاحتلال، حتى لا "تستفرد" إسرائيل بهم.

حكي "عرب" عن راحة والدته بعد خبر انتهاء الإضراب، انتظارهم زيارة المحامي لـ"البرغوثي" لمعرفة تفاصيل المفاوضات، استرجع الزيارة الأخيرة لوالده، الحراك الشعبي الفلسطيني والدولي، رد الفعل إزاء حملة "ماي وملح" التي أطلقها لأجل أبيه ورفاقه، وتذكر الشاب العشريني يوم اعتقال والده، وانتهاكات الاحتلال ضد أسرة قائد حركة فتح المحكوم عليه بخمسة مؤبدات وأربعين عامًا، ويقينه الشخصي بالانتصار الحتمي للفلسطينيين في معركتهم الأخيرة.

1

بداية.. كيف وصل إليكم خبر تعليق الأسرى لإضرابهم؟

أنا شخصيًا وصلني الخبر من أخي الكبير "القسام"، قال لي إن الإضراب انتهي وهناك نصر قادم، لكن نحن لم نرغب في أن نعلم أي شيء حتى يتمكن المحامي من زيارة الوالد والاطمئنان عليه، ويتأكد 100% من كل التفاصيل.

إذَا لم يصل إليكم أنباء عما حدث في المفاوضات؟

ما وصلنا أنهم حققوا الكثير من المطالب وشكلوا لجنة لتحقيق باقي المطالب التي تحتاج لوقت، ولكن بشكل عام ذلك بالطبعً نصر لوالدي وكل أسرانا الباسلين الذين بقوا في الإضراب حتى هذه اللحظة. 41 يومًا من الحرية والكرامة، السيد المسيح صام 40 يومًا في أرض فلسطين، وأسرانا صاموا 40 ليلة ويوم على أرضنا الطاهرة.

وما وقع الخبر على أسرتكم؟

الحمد لله الوالدة شعرت بارتياح كبير لأن الحِمل كان ثقيل، فقد كنا خائفين على حياة الوالد، وحياة كل الأسرى المضربين، وهي الآن تنتظر في شوق زيارة المحامي لوالدي.

وما الذي وصل إليكم عن الحالة الصحية للسيد مروان طيلة الأيام الماضية؟

ما نعرفه أن القائد مروان البرغوثي تم عزله منذ اليوم الأول للإضراب، ولم تتم زيارته إلا مرة واحدة عن طريق المحامي في اليوم الـ28 للإضراب، ونحن كعائلة لا نعرف شيئًا عن صحته خلاف ما أخبر به المحامي في تلك المرة.

وماذا أخبركم المحامي عن تلك الزيارة الوحيدة؟

أخبرنا أن صحة الوالد سيئة، فقد نحو 12 كيلوجرام من وزنه، وأول 4 أيام وُضع في زنزانة تحت الأرض، ضيقة جدًا ومتسخة، واضطر للتوقف عن شرب الماء ليومين حتى نُقل إلى زنزانة أخرى، كما تم توجيه أبشع أساليب التعذيب ضده، وحكى الوالد للمحامي إنهم يتعمدون إحداث الضجيج، وإبقاء الأضواء موجهة في عينيه، حتى يحاولوا منعه من النوم، وإرغامه على التوقف عن الإضراب.

ومتى زرتم الوالد آخر مرة؟

قبل شهر من الإضراب قامت والدتي وشقيقتي بزيارة الوالد، كان يخطط حينها للأمر.

وما آخر رسالة له حينها؟ 

لما رأته شقيقتي سألته عن الإضراب، حكت له إننا كعائلة لا نقدر أن نتحمل استعمال أساليب التعذيب ضده أو تعريض حياته للخطر، لكنه قال لها "لم أكن موجود في عرسك ولا في زواج أخوتك، ولا أعرف بناتك لم أرهم لذلك علىّ أن أطالب بكرامتي، أقتلع كرامتي منهم"، وقرر الذهاب ولم يكن لشقيقتي أو والدتي أي رد لأن الحق معه، فأنا شخصيًا لم أر والدي منذ عامين ولم ألمسه منذ 15 عامًا.

1

حدثنا عن شعورك بقرار والدك لقيادة إضراب الحرية والكرامة؟

كعائلة كان القرار صعب جدًا، العالم ينظر لوالدي كأنه مانديلا فلسطين، وقائد وطني ودكتور فهو يحمل شهادة دكتوراه في العلوم السياسية، إلى أخر هذه الصفات الرائعة التي يلقبه بها الشعب الفلسطيني والعربي والعالمي أيضًا، لكننا ننظر للموضوع من منطلق آخر، أنا أشعر بالذنب لتناول حتى لقمة واحدة وأنا أعلم أن والدي توقف عن الطعام ليدافع عن كرامة الشعب الفلسطيني.

والدي و1500 أسير يدافعون عن كرامتنا بأمعائهم الخاوية بأكثر الطرق سلمية وهذا يؤلمني كثيرًا، ويؤلمني أكثر أن الاحتلال مُجرم، يبقيهم على هذا الحال 41 يومًا حتى تلبية المطالب، فهذا شيء رخيص.

هل شارك أحد من عائلة البرغوثي في الإضراب عن الطعام؟

بالنسبة لنا والله لا ننام ولا نأكل ولا نشرب ونحن نعلم أن الوالد في هذه المعركة التي يقف معه فيها كل الشعب الفلسطيني، واتوقع الشعب العربي أيضًا، ووالدتي يوم 23 مايو الجاري اعتصمت عند قبر الراحل الشهيد ياسر عرفات، جلست بجانب القبر أكثر من 20 ساعة، اضربت عن الطعام طيلة ذلك الوقت، فليس هينًا علينا بعد كل هذه المعاناة، بعد 15 عامًا في السجون الإسرائيلية، يضطر الوالد أن يضرب من أجل رؤيتنا، وأن يضحى لخاطر الأسرى الأخرين لتحسين الوضع الصحي وكل هذه الأسباب.

2

كيف وجدت الحراك الشعبي لدعم إضراب الحرية والكرامة؟

الحراك قوي جدًا، الشعب الفلسطيني أثبت أنه لازال لديه الطاقة لتلبية نداء الأسرى الأبطال في سجون الاحتلال، كل الشوارع وخيمات الاعتصام امتلأت بالحشود، الشعب الفلسطيني يقف لرجاله رغم أن الجميع شكك فيه وبقدرته على النضال لكنه كل مرة يثبت أن لديه مخزون لا ينضب لأنه يعلم ويُقِدر هؤلاء الأبطال.

وماذا عن الحراك الدولي؟

هناك تحركات دولية هنا وهناك سمعنا عن إضرابات جماعية في دول مثل بريطانيا التي أضرب فيها "طلاب" في مدينة مانشستر عن الطعام لبضعة أيام، لكن الإعلام الإسرائيلي وبعض الإعلام الأمريكي يحاول التغطية عليها بالطبع.

وأنا شخصيًا أطلقت حملة على مواقع التواصل الاجتماعي تحدي "ماي_وملح"، والذي شارك فيه عدد من الشخصيات العامة مثل السيد علي جابر حين أعلن مشاركته على الهواء مباشرةً في برنامج المواهب "Arab got talent"، وغيره ممن قاموا بتصوير أنفسهم بينما يشربون الماء والملح تضامنًا مع الأسرى. ووصلتنا فيديوهات ليس من الوطن العربي فقط، لكن من أمريكا، أوروبا، ودول شتى.

3

توجهتم بدعوة شخصيات عامة لمساندة الأسرى، فكيف كان رد الفعل؟

الأسرة توجهت لأكثر من شخصية، مثل بابا الفاتيكان، وأنا شخصيًا توجهت لشخصيات مشهورة لتحدي "ماي وملح" لمحاولة إيصال الصورة بأي طريقة ممكنة، وكلما توجهنا لأحد كان هناك تجاوب. ففي جنوب إفريقيا نائب الرئيس قام بالإضراب عن الطعام نصرة لأسرانا، ورئيس الوزراء اللبناني السابق وكذلك الحائز على جائزة نوبل للسلام، الأرجنتيني أدولفو بريز إيسكيبل.

هل وصل إليكم نبأ عن محاولات التغذية القسرية للأسرى؟

لم يحدث، لكن الحكومة الإسرائيلية هددت بالقيام بهذه الطرق البشعة والأليمة، والتي يمكن أن تتسبب في استشهاد بعض الأسرى، غير أن الأطباء الإسرائيليين رفضوا وهددت الحكومة الإسرائيلية بأن تجلب أطباء من أنحاء العالم ليقوموا بهذا الأمر، لكنهم لا يعلمون أن أمعاء الأسرى أشرف من هذا الاحتلال، وأن إضراب الحرية والكرامة سينتصر، وسننتصر في هذه المعركة لا محالة.

كيف رأيت "الفيديو المضلل" للاحتلال عن كسر السيد مروان لإضرابه؟

والدي قضى أكثر من 3 أعوام في زنازين الحبس الانفرادي، وبالتالي من الممكن أنه تم تصوير هذا الفيديو في أي وقت، خاصة أنه لا يحتوي على تاريخ، وكذلك حين وصف والدي الزنزانة للمحامي لم يكن بها أي قرآن ولا أي بطانية وكل الذي شاهدناه.

بالنسبة لي هذه عمليات "فبركة" حقيرة ودنيئة من حكومة الاحتلال، وتعودنا على ذلك، وسبق أن حذر والدي الأسرى من الفبركة الإسرائيلية وقال لهم إنهم "ممكن أن يستعملوا ضدي وضدكم أشياء وفيديوهات لديهم من قبل فلا تخشوا شيئا وأبقوا على قدر المسؤولية".

تزامنت جولة الرئيس الأمريكي والحديث عن السلام ثانية مع الإضراب، فما وقع ذلك عليكم كأسرة أسير؟

تمنيت أن تسفر زيارة دونالد ترامب عن أي شيء، وإن كنت أشك في ذلك. فهو يقول إنه سيعيد محادثات السلام، ونحن نسأله "عن أي سلام تتحدث؟". عن المستوطنات التي ملأت الضفة الغربية، أم الحواجز، أم الأراضي التي تُصادر والبيوت التي تُهدم، أم تهويد القدس المستمر، أم العنصرية ضد الفلسطينيين داخل أراضي 48، وتحويل قطاع غزة لأكبر سجن في العالم، أم عن الأسرى الذين يُزج بهم في السجون؟ عن أي سلام يتحدثون؟".

اعتقد أن الحكومة الإسرائيلية هي الحكومة العنيدة والمجرمة، وإذا كانت جدية عليها أن تحل كل هذه القضايا، وبعدها يمكن أن نتحدث عن السلام.

كنت في الـ11 من العمر حين اعتُقِل والدك، هل تتذكر ذلك اليوم؟

لا تزال تفاصيل هذا اليوم الأليم عالقة في ذاكرتي، أتذكر أن جنود الاحتلال داهموا منزلنا، بحثًا عن والدي الذي كان مطاردا، ومكثوا فيه على مدى 4 أيام، وضعوني وأختي وأخي "شرف" وأمي في غرفة واحدة، ووضعوا على نافذتها العلم الإسرائيلي، فقامت أختي بإلقائه على الأرض، ولولا وجود عمي لهجموا علينا.

وبعد بضعة أسابيع كنت أشاهد التلفاز مع عمي وأفراد العائلة ورأيت أبشع وأكثر منظر أحزنني في حياتي؛ أبي مُحاط بجنود إسرائيليين يعتقلونه، بكيت في هذا اليوم، كنت طفلًا صغيرًا ولم أكن أعلم لماذا أخذوا مني والدي، ولم أكن أتوقع أن المدة ستطول إلى الآن، ولا زلت أحلم بذلك اليوم الذي سألتقي فيه مع والدي.

ما الأحداث التي وددت أن يتواجد بها الوالد إلى جانبك خلال الـ15 عامًا الماضية؟

مرّت الكثير من الأحداث في حياتي، أكثر من نصف عمري دون حضور والدي، فأنهيت أعوام المدرسة وحصلت على رخصة القيادة وتخرجت من الجامعة، والآن أنا على بُعد أسبوع واحد من الحصول على رسالة الماجستير، من دون والدي وهذا شيء مؤلم.

والأسوأ من هذا أنني لا أستطيع حتى أن أراه، فلا يمنحوني تصريحًا لزيارته غير مرة واحدة تقريبًا كل عامين، مدتها 45 دقيقة. وحتى خلال الزيارة لا أتمّكن من لمس يديه فدائمًا ما يحول بيننا الزجاج، وبالكاد أسمع صوته عند التحدّث إليه عبر التليفون، إذ يكون الصوت "مشوّشًا".

وابنة شقيقتي تاليا، عمرها 4 سنوات، لم تتعرّف إلى جدها حتى الآن، فحينما كانت رضيعة في شهرها الثامن لم يُسمح لها بالدخول خلال الزيارة وقتئذٍ، وطلبوا من أختي أن تتخلّص منها وتعود للزيارة. "شوف لوين هدول ما عندهم رحمة، ما عندهم قلب.. ولما نيجي نحكي ليش الإضراب عشان هاي الأشياء".

2

هل تلقيتم تهديدات شخصية طوال فترة اعتقال الوالد؟

الظلم الذي يتعرّض له أي أسير لا يقف عنده وحسب بل يطول عائلته أيضًا، وكعائلة نتعرّض للكثير من المُضايقات، وأتذكّر أنه حينما ذهبت إلى المحكمة لرؤية والدي، بينما كنت في الـ12 من عُمري، صفعني إسرائيلي على وجهي فور علمه بأنني ابن مروان البرغوثي.

كما اعتُقِل شقيقي الأكبر "القسّام" لثلاثة أعوام ونصف-2007:2003- استنادًا إلى أكاذيب وتلفيقات دون أسباب حقيقية. فضلًا على المُضايقات التي تتعرّض لها الوالدة أثناء سفرها، لكننا في النهاية نعلم أننا أمام احتلال مُجرم، لذا علينا أن نصمد، وسنقف في ظهر والدي ما حيينا لأنه صاحب راية رائعة؛ هي راية الحرية والإنسانية.

وكيف مرت أيام تواجد شقيقك ووالدك في السجن معاً؟

لا أعلم كيف يمكن وصف هذه اللحظات، فقد كانت رائعة وصعبة في آنٍ واحد؛ "رائعة" لأن القسّام تمكّن من رؤية الوالد بعد نحو خمسة أعوام، فوالدي لم يشهد ولادته، بينما كان شقيقي في عامه الـ 18 وقت اعتقال الوالد بالمرة الأخيرة، و"صعبة" لأنهما اجتمعا معًا في سجن الاحتلال الظالم، وهو شيء مؤسف أن يجده معه في ذات الزنزانة.

وبشكل عام. في رأيك ماذا افتقد دعم الأسرى في إضراب أبريل 2017؟ 

افتقد دعم الحكومات العربية، لم نر أي تحرك بأي شكل من الأشكال، ففي زيارة ترامب لم يتحدث أي رئيس أو زعيم عربي عن الإضراب، نتمنى كذلك من أخواتنا العرب أن يرفعوا صوتهم ضد هذا الظلم الذي يحدث، لمسنا تضامن لكن ليس كما كنا ننتظر من الوطن العربي، في الوقت الذي رأينا دعم كبير من أوروبا، أمريكا، والجاليات العربية بالخارج، لذلك نناشد كل الحكومات العربية، وكل وطني حر أن يلتف حول أسرانا للضغط على الحكومة الإسرائيلية، لأن سلطات الاحتلال "ستستفرد" بهم إذا تركناهم وحدهم.

ما الخطوات القادمة المنتظرة من الأسرى وأسرهم بعد انتهاء الإضراب 41 يومًا؟

كما قلت ننتظر رسالة الوالد حتى نعلم بالضبط ما حدث وما الخطوات القادمة. لكن بالنسبة لنا نحن لن نتوقف عن رفع صوتنا والعمل حتى تحرير آخر أسير فلسطيني في سجون الاحتلال.

فيديو قد يعجبك: