حكايات ليلى ونادية.. "هي كل أم تحكي لبنتها قصة تلاقيها في المكتبة؟"
كتبت- رنا الجميعي:
كلما يحين موعد النوم، تحكي سمر طاهر كل ليلة لابنتها قصة جديدة، ليست كالحكايات القديمة، تستلهم من تفاصيل حياة ابنتها الصغيرة قصصًا تُحيكها لها، ثُم تنسجها في صورة خيالية، لتُلقيها عليها قبل اغماض عينيها، تنتبه ليلى لصوت أمها، تقصص عليها حكاية البنت المسماة باسمها، وكيف كانت ترتب غرفتها، وما إن تبدأ في النوم على نغمة الصوت الدافئ، حتى تتخيل نفسها داخل حجرتها المشعثة، تفكر من أين تبدأ في تنظيفها، وماذا ستستفيد من ذلك.
تحوّلت تلك القصص التي تحكيها سمر لابنتها، إلى "حكايات ليلى"، صارت ليلى -الابنة الأولى لسمر- شخصية مرسومة، وموجودة على أرفف المكتبات، لم يكن على بال خريجة كلية الإعلام الكتابة للأطفال، فصادفت اليوم الذي بدأت تحكي فيه القصص لفتاتها الصغيرة "كنت باخد تصرف ليلى وبوجهها من خلاله"، تنطلق من سلوك للابنة يحتاج لتعديل، وتنسج حوله الخيال مُعلّمة إياها، عرضت تلك الحكايات ذات يوم على مجموعة من الأصدقاء، فوجدت قبولًا "فكرت وقتها أكتبها على الورق"، ساعدها في الكتابة عملها كمترجمة ومحررة للأخبار السياسية، بإذاعة البرنامج العام.
حوّلت سمر القصص إلى "سطور قصيرة لها سجع"، حرصت من خلالها على ألا تشير إلى مشكلة لدى ليلى، بل تُحاول تقويمها من خلال "التجربة والخطأ مش النصيحة"، وبدأت في البحث على شبكة الانترنت عن الكتابة للأطفال، بعدها عرضت سمر الحكايات على دار نهضة مصر، وافقت دار النشر، وأصبحت سلسلة "حكايات ليلى"، مكونة من أربع قصص، مصاحب لها رسومات الفنان "هشام رحمة"، فيما تعلو ملامح الفرح والاستغراب مُحيّا ليلى، وتسأل والدتها "هي كل قصة أم تحكيها لبنتها تلاقيها في المكتبة؟".
كتبت سمر قبلًا حكايات خيالية، تحت مدونتين "فن الحياة" و"جوابات حلاوة"، الأولى تضمنت نقد فني واجتماعي، أما الثانية فعبارة عن خطابات تخيلية تٌرسلها زوجة لزوجها، تشرح حجم معاناتها، وتم جمعه داخل كتاب "نساء لا يأكلن الشاورما"، لكن قصص الأطفال مُختلفة عما اعتادت كتابته بمدونتها أو على المواقع الإلكترونية.
ومن خلال "حكايات ليلى" دخلت سمر مجال الكتابة للأطفال "بقيت أشتري كتب أطفال أجنبي وأعرف الصناعة ماشية ازاي"، جذبها ذلك المجال، رغبت في تحدي نفسها فيه، كما وجدت أن تلك الصناعة عند الغرب أفضل مما هي عليه بالوطن العربي "هو أبعد من مجرد حدوتة بتتقال"، والقصة الجيدة تُناسب الصغار والكبار أيضًا، فيما نتج عن مشاركتها بمهرجان الحكاوي بالقاهرة، هو مهرجان جمع كتاب أطفال من حول أنحاء العالم، شعور أن فنون الحكي بمصر ليست بنفس القوة كما الخارج، كذلك استفادت من مشاركتها في ورشة كتابة لذوي الاحتياجات الخاصة، في لبنان، لذا عادت الكاتبة الثلاثينية لقصص الأطفال أخرى، ولكن في هذه المرة كانت باسم ابنتها الثانية "نادية".
قامت سمر بعمل العديد من ورش للأطفال، في مكتبات عدة؛ ألف، بلسم وديوان، وكان ياما كان بدبي، تحكي القصة على مرأى ومسمع الصغار، تراقب أعينهم التي تتفاعل معها، يلتقط نظرها أحدهم يلعب، شاذ عن المجموعة، فتُغيّر مسرعة "تون" صوتها لتشد انتباهه مجددًا، توجه لهم أسئلة من خلال الحكاية، وتُنصت لإجاباتهم، تلحظ ملامحهم المندهشة بتفاصيل القصة، فما تحكي عنه فعلوه أيضًا مع أمهاتهم "اللي بيفرحني لما يحكوا بطلاقة إنهم عملوا المشاكل دي"، كما في قصة "ليلى ترتب غرفتها"، ينتبهوا حين تقصص سمر حكاية الفتاة "يتبسطوا لما ليلى تلاقي الكتاب بتاعها بعد ما نضفت أوضتها، كأن دا بيحصل معاهم"، كما تُساعداها ليلى ونادية على إتمام القصة إذا نسيت شئ.
مع السلسلة الجديدة الخاصة بنادية، ابتعدت سمر عن اشكالية سلوكيات الأطفال، أرادت التعبير عن أحلام الطفل وطموحاته"بدأت بوظيفة الرسم، كنت عاوزة أبعد عن الوظايف التقليدية زي الدكتور والمهندس"، "أنا نادية.. أتمنى أن أكون رسامة" تلك هي الحكاية الأولى بالسلسلة، يصاحبها رسومات الفنان "محمد طه".
ظهرت فكرة السلسلة ببال الكاتبة خلال العام الأول لثورة 25 يناير "كان السوق المصري بالوقت دا مقفول شوية"، بعدها وجدت شركة تقوم بعمل محتوى إلكتروني عربي للمغتربين، تسمى "اديو كيتن"، فتحوّلت حكاية نادية الأولى إلى تطبيق إلكتروني، قبل طبعها ورقيًا، بالنسبة لسمر كانت تجربة جديدة وناجحة، حققت "أنا نادية" انتشار جيد بالدول الغربية خاصة أمريكا، لم تعد الحكاية مُجرد قصة مُصْمتة لكنها تحولت للعبة تتحدث "فيه فويس أوفر بصوت الأم والطفلة بالعربي"، وهو ما يجذب الأطفال بشكل أكبر، كما تتيح استخدام الخيال "اللعبة فيها صفحة فاضية بيرسم الطفل فيها يحب شكله يكون ايه".
نُشر لسمر قصص أخرى للأطفال عن دار لبنانية، بعيدين عن السلسلتين، هما "شطيرة سارة"، و"فستان جديد"، ومع انتعاش السوق المصري مرة أخرى، عرضت سمر قصة "أتمنى أن أكون رسامة" على دار الفكر العربي، ونشرتها خلال عام 2014، تُحاول الكاتبة الثلاثينية من خلال تلك السلسلة مُخاطبة أحلام الصغار "أنا عاوزة أخاطب البنات بشكل فيه تمكين أكتر، احلمي كمان"، أصبحت نادية الصغيرة تقرأ القصة بسرعة، وتمكنت من حفظها مع اتاحة الحكاية كلعبة الكترونية "عشان كلماتها قليلة بقت تعرف تقراها".
تنوي سمر اتمام سلسلة "نادية" المكونة من ست قصص "باقي الحكايات مكتوبة، على النشر بس"، كما تعتبر ما أنتجته بمجال الكتابة للأطفال حتى الآن محض تجارب، ولم تصل بعد إلى نتيجة مُرضية لها، غير أن لديها فتاتين بعُمر السادسة والاثنى عشر فخورين بقصصها، ورغم أن سلسلتي ليلى ونادية لا تحكي حكاياتهم هُم فقط، لكن تعتبراها الطفلتان ملك لهما "هما حاسين بالانتماء للقصص دي".
فيديو قد يعجبك: