بعد حادثة الأزاريطة.. مصراوي" يرصد أبراج مخالفة تهدد حياة السكان
كتبت- نانيس البيلي وعلياء رفعت:
"عقار الأزاريطة المائل بالإسكندرية" واحد من ضمن 4٫9 مليون مبني مخالف في مصر وفق إحصائيات وزارة الإسكان، بنسبة بلغت حوالي 90% من إجمالي العقارات الموجودة بحسب إحصائيات الهيئة العامة لتعاونيات البناء والإسكان، ليجعل مصر أشبه بـ"جمهورية المباني المخالفة".
"مصراوي" عايش يومًا من أيام الخوف والترقب في حياة سكان 6 شوارع بمنطقتي بولاق الدكرور والمرج، والتي تصنف ضمن المناطق التي تحتوي على أكثر العقارات المخالفة، ورصد الأضرار التي أحدثتها الأبراج المخالفة على المنازل المجاورة والمرافق الأساسية.
وتحتل محافظة القاهرة بكافة أحيائها المرتبة الأولي في عدد مخالفات البناء. حيث رصدت المحافظة 3 آلاف مخالفة في حي المرج، بينما تحتل الجيزة المرتبة الثانية في مخالفات البناء، ورصدت المحافظة 6051 مخالفة في حي "بولاق الدكرور"، والذي كان وجهتنا الأولى.
بأطراف شارع سعيد أبو عيطة الذي لا يتجاوز عرضه 6 أمتار ارتفع برج سكني من 13 طابق، شيد صاحبه مسجد بالطابق الأرضي، يقول الأهالي إنه بعد الانتهاء من بنائه منذ قرابة العام فوجئوا بتضرر 3 عمارات مجاورة وحدوث شروخ وتصدعات بها "البيوت اللي جنبوا ريحت يعني تقريبًا الشارع كله".
داخل المنززل الملاصق للبرج، بالطابق الثالث، ما إن تحدثنا إليها حتى انفجرت "شروق" صاحبة الـ17 عامًا بالشكوى من الحال الذي آلت إليه شقتهم الضيقة التي ضربتها الشقوق والتصدعات، "بقى عندنا فتحة في الحيطة بتدخلنا نور الشارع" بطريقة ساخرة تقول "شروق" وهي تزيح ستارة كشفت عن شرخ واسع يتسلل منه ضوء الظهيرة بوضوح.
"البيت كله باظ وبقى مشرخ" تلتقط أطراف الحديث منها والدتها "أم عمرو"، وتشير إلى دهانات البيت التي تهاوت من الحوائط، "البيت كان سليم وزي الفل قبل ما يطلعوا بالبرج" قالتها السيدة الخمسينية بمرارة.
بالطابق الرابع بذات المنزل، لم يختلف حال "أم رنا" عن باقي سكان العقار المضار، وزاد من معانتها اعتزامها القيام ببعض التجديدات بشقتها قبيل بناء البرج وقيامها بتفكيك عفشها وتجميعه، ولكن منعها صاحب العمارة من أي إصلاحات خوفًا من حدوث أي انهيارات.
"أول ما البرج طلع ريحت على الـ3 بيوت" قالتها الحاجة فاطمة أحد سكان المنزل الثاني المجاور وهي تتحسس الشقوق والشروخ التي ملأت جدران شقتها الضيقة، وتضيف أن تلك الشقوق تزداد مع استكمال أعمال البناء في البرج " كل ما بيشطب فيها كل ما بتريح".
حسرة كبيرة انتابت "الحاجة فاطمة" وأسرتها جراء ما أصاب مسكنها اعتزموا معه تقديم شكوى إلى الحي غير أنهم تراجعوا بعدما وعدهم صاحب البرج بترميمه على نفقته الخاصة "قال هيوضبلنا البيت بعد تسكين البرج كله" يقول نجلها "هشام".
بمنتصف شارع محمد بخيت ببولاق الدكرور والذي لا تتجاوز مساحته 6 أمتار، يرتفع برج سكني من 13 طابق بمساحة 120 متر، يظهر أثار طفح بالوعات الصرف الصحي بغير استحياء.
جلس "جابر هريدي" أمام محل الحدادة الذي يستأجره بالطابق الأرضي لمنزل من 3 طوابق يجاور البرج الذي لم يتم تسكينه بعد، ما إن تحدثنا إليه حتى انتفض ليفرغ ما بداخله من شكوى "البرج لما اتبنى البيت ريح" يقول "هريدي" وهو يشير إلى آثار شروخ رممت لتوها.
شقوق طولية يغطيها الأسمنت وأجزاء من الحوائط استبدلت بغيرها من الطوب الأحمر ظهرت بوضوح على واجهة المنزل الذي يقطنه 8 أسر، يقول الرجل الستيني إن مالكا البرج قاما بترميمه على نفقتهم الخاصة بعدما هددوا بتقديم شكاوى ضدهم.
"الصرف الصحي والكهرباء" مخاوف آخرى يبديها "هريدي" بعد تسكين البرج "المجاري كل يوم بتطفح في الشارع ما بالك لما البرج يتسكن"، ويشير إلى صندوق الكهرباء الخاص بالمنزل حيث قام أصحاب البرج بتوصيل كابل به لإنارته "لو سكنت الكهرباء هتضرب كل شوية وهتبهدل الدنيا".
"7 أبراج ما بين 12 إلى 14 طابق داخل شارع واحد جانبي".. هذا هو حال شارع أحمد إبراهيم أحد الشوارع الضيقة ببولاق الدكرور الذي يبلغ عرضه 6 أمتار، بدا تأثيرها واضحًا على الصرف الصحي بالشارع "المجاري على طول طافحة" يقول "ممدوح" مستأجر لمحل بويات بأطراف الشارع.
ازدادت أزمة الصرف الصحي مع بناء البرج السادس الواقع بأطراف الشارع والذي بدأ بنائه منذ 2006 وانتهى منذ عام، إلى حد وصولها إلى داخل المحلات والمنازل "بعد ما اتبنى حدث ضغط كبير وضرب مجاري جوه الدكان" يقول "ممدوح" وهو يشير إلى برك سطحية من المجاري داخل محله.
يشكو الرجل الأربعيني من الروائح الكريهة الناتجة عن الطفح الدائم للصرف الصحي وعمله في أجواء مزرية حال امتدادها لدكانه بجانب تأثر مواد الطلاء التي يستخدمها، بينما يقول بأسى إنه غير قادر على فعل شيء "موظفين الحي والمهندسين بياخدوا رشوة، هشتكيهم لنفسهم".
ووصل إجمالي العقارات المقامة بدون تراخيص 317 ألفا و948 عقارا. وصدر لها 356 ألفا و507 قرارات إزالة من المحافظين، ولم يتم تنفيذ أي منها، كما كشفت النيابة الإدراية في تقريرها السنوي بشأن قضايا الفساد، ارتفاع عدد القضايا المتعلقة بمخالفات البناء إلي 4695 قضية، كما بلغ عدد قضايا التعديات علي الاراضي الزراعية 2685 حالة تعد.
كما أكدت دراسة بجامعة القاهرة أن 90% من عقارات مصر مخالفة، ويبلغ عدد العقارات الآيلة للسقوط مليون عقار في محافظات الجمهورية، صدر بشأنها 132 ألف قرار إزالة لم ينفذ منها شيء.
ما إن تطأ قدماك محطة مترو "المرج" ستُبصر عيناك مشهدًا مُتكررًا في كل أنحاء المنطقة والمناطق المجاورة. بيوتٌ مكونة من ثلاثة طوابق أو أربعة على الأكثر، تجاورها على مسافات متقاربة أبراج شاهقة الارتفاع تتكون من اثني عشر طابقًا ويصل ارتفاع بعضها إلى خمسة عشر طابقًا بالتوغل إلى الداخل في الشوارع الجانبية بعيدًا عن شريط المترو.
إلى جوار محطة المترو، وعلى الناحية اليسرى من شارعٍ ضيق لا يتجاوز عرضه السِتة أمتار؛ وقف "أحمد" في محلٍ لاستنساخ المفاتيح. محل الشاب الثلاثيني هو واحد ضمن محلات عديدة تقع أسفل طابقين على الأكثر من البيوت القديمة المهدمة التي استقرت منذ زمنٍ بعيد بالقرب من شريط السكة الحديد والذي ألغي في بداية التسعينات ليتحول فيما بعد إلى مترو الأنفاق.
"معظم البيوت دي ملهاش رخصة تجديد، هتتهد واصحابها هيدفعوا للحى عشان يبنوا أبراج زي اللي جمبها" قالها الشاب الثلاثيتي موضحًا أن معظم الأبراج المنتشرة بمنطقتي المرج والخصوص لا يتم ترخيصها على أنها أبراج شاهقة الارتفاع وإنما بيوت يفترض ألا يتجاوز ارتفاعها أربعة طوابق، وعقب إدخال المرافق إليها من مياه وكهرباء يقوم أصحابها بـ"التراضي مع الحي" لتعليتها، ثم تسكين الأدوار العُليا منها على وجه السرعة حتى إذا صدر قرار بالإزالة لا يُمكن تنفيذه على الفور.
على مسافة خمسة دقائق تقطعها الأقدام سيرًا، يقع على الشارع الرئيسي لمحطة المتر إحدى الأبراج والتي يؤكد مالكها "حسين محمد" رغم أنها تتكون من إحدى عشر طابقًا إلا أنها مرخصة من الحي حيث أنها تقع في الشارع الرئيسي لمحطة المترو والذي من المفترض أن يشهد توسعة بإزالة كافة العقارات المخالفة لارتفاعها عن المعدل المسموح به. "مشكلة المرج مش بس الابراج اللي ارتفاعها مخالف، لكن تعدي الأبراج دي على المرافق الحكومية ومنها مساحات الشوارع" قالها حسين شارحًا أن رخصة عدد الأدوار التي يمنحها الحي لمالك أى عقار يمكن حسابها بعملية بسيطة وهى حاصل ضرب مساحة الشارع الأساسية في نصف هذة المساحة مقسومًا على 2.70 وهو ارتفاع الطابق الواحد، ليعطيك عدد الأدوار المسموح بنائها. ولكن الإخلال بتلك الحسبة على مرآى من الحي سيؤدي لكارثة كما يؤكد حسين "الأبراج دي لو مالت ولا اتشققت ووقعت الدنيا هتخرب لأنها هتقع على المترو وعلى البيوت الصغيرة".
في شارعٍ ضيق مساحته لا تتجاوز7 أمتار، ارتفع أحد الأبراج الشاهقة، والذي يتكون من 12 طابقًا. يشتهر ذلك البرج بين أهالي المنطقة بكونه مُخالفًا. فحسبما يقول " سيد على" أحد العاملين بمقهى مجاور للبرج أنه قبل أن يرتفع هكذا كان عبارة عن منزلٍ ملىء بالشروخ يتكون من طابقين ولكن عقب الثورة ومع تلك "الهوجة" التي ركبها المواطنون فقاموا بتعليه أدوار البيوت، هُدم البيت وتم بناء هذا البرج بين ليلة وضُحاها.
"الحى لازم ياكل، وكل شيء بيتم بعمله" تلك هى الحقيقة المؤكدة بالنسبة لسيد وباقي أهالي المنطقة الذين يستفيقون كل يوم على بناء أحد الأبراج بعد هدم البيوت القديمة ليتطاول أصحابها في البُنيان بعلم الجهات المسؤولة، والتى عادةً ما تنفي مسؤوليتها مع ظهور الشروخ أو حدوث انهيارات.
داخل العقار ذاته استقبلتنا "هيام" الأربعينية وهى تلتقط أنفاسها متوجهة لشقتها بالدور التاسع. "صاحب البيت كان عاوز يعلي ويبني الدور الـ13 والـ14 بس السُكان وقفوله عشان البيت مييستحملش.. هيتدك على نفوخنا" تقولها هيام وهى تكابد مشقة الصعود على قدميها بعد أن فشل صاحب العقار في تركيب "الأسانسير" لكون عقاره مخالفًا. لتختتم حديثها "بيمشيها بالحب مع الحي بيقبضوا منه عشان مبينفذوش قرار إزالة الأدوار المخالفة".
ثلاثة شوارع فقط هى الفاصل بين العقار السابق ونظيره الذي يتكون من عشرة طوابق ويقع بشارع لا تتعدى مساحته الأربعة أمتار. مياة الصرف تكسو أرض الشارع دائمًا كما يوضح الأهالي حتى أنهم لجأوا إلى وضع بعض الحجارة على مسافات متقاربة لكي يستطيعوا أن يعبروا عليها وصولًا إلى بيوتهم على جانبي العقار.
البيوت المجاورة للعقار قديمة كعادة البيوت في منطقة المرج فلا يتجاوز ارتفاعها طابقين، ولكن منذ ارتفاع ذلك البُرج وسطها -بعد أن هُدِم البيت الذي كان يقبع مكانه قبلًا- والرعب يدب في نفوس أهالي المنطقة نظرًا لكون الطفح الدائم لمياة الصرف تؤثر على أساسات البرج والبيوت المجاورة، ورغم أن الأهالي قاموا بالإبلاغ عن مشكلة الصرف أكثر من مرة لكن دون جدوى حتى أنهم صاروا يصرخون "بُنا البرج تم بعلم الحي ولما هيقع على بيوتنا ويقضي علينا محدش هينفعنا".
فيديو قد يعجبك: