إعلان

"مصراوي" يخوض رحلة البحث عن "الأوراق" في دولاب الحكومة

12:52 م الإثنين 14 أغسطس 2017

دار المحفوظات العمومية

كتبت- مي محمد:
مكاتب قديمة، دفاتر متآكلة تتراص إلى جوار بعضها، وأوراق متهالكة بعضها يعود إلى أكثر من 60 عامًا، تلك هي حالة معظم الجهات الحكومية في التعامل مع الأوراق والمستندات والوثائق والعقود، سواء التي تخص الدولة أو المواطنين. ففي ظل غياب الميكنة الإلكترونية التي تسهل الحصول على الأوراق والمستندات سريعا، يضطر المواطن للذهاب إلى الجهة الحكومية أكثر من مرة للحصول علي الوثائق التي يريدها، إن كان حسن الحظ، وإن لم يكن فإن مصير هذه المستندات الضياع أو التلف!.

محررة "مصراوي" خاضت تجربةً للحصول على أوراق ومستندات من جهات حكومية مختلفة، على رأسها دار الوثائق المصرية المعنية بالأساس بحفظ وثائق الأمة المصرية، ليكشف سوء الأوضاع في تلك الجهات من خلال رصد معاناة الموظفين والمواطنين، على حد السواء.

1

في دار المحفوظات مستحيل توصل لمعلومة

البداية كانت من دار الوثائق المصرية التي أنشئت بعد ثورة 23 يوليو 1952 وسقوط الملكية وقيام الجمهورية، حينما فكر رجال الثورة فى إنشاء أرشيف وطني لمصر على غرار الأرشيفات الوطنية الأوربية لتحفظ أقدم وأهم الوثائق المصرية التي مر عليها مئات السنين، لذا كانت "الدار" أولى وجهاتنا في رحلة البحث عن تطبيق الميكنة بالجهات الحكومية، باعتبارها الأحق بإدخال آليات تسمح بالحفاظ على تاريخ مصر المكتوب، وهو ما لم نجده متوفرًا!

أرشيف مصر في مهب الريح.. مئات الوثائق المهمة "ضاعت"

توجهتُ إلى "الدار" لأيام متتالية باعتبارى باحثةً تاريخيةً في شئون "المهاجرين إلى مصر، الذين تزوجوا مصريات، أو العكس، وعاشوا وماتوا فيها"، وواجهتُ صعوبات كبيرة جعلتْ من المستحيل إنجاز مهمتى، حيث لم أجد من الموظفين من يساعد في الحصول على معلومات تخص البحث، على الرغم من تحديدى معظم المعلومات التي يستخدمونها.

"البحث هنا بيتم يدوياً وفي ملايين الدفاتر" هذه هي الرسالة "اليائسة" التي وجهها أحد الموظفين لى، مُعقبًا: "صعب جداً نوصل لحاجة محتاجين وقت كبير جداً".

وحتى عندما توصلتُ مع أحد موظفى الدار، الذي عمل بها لـ15 سنة، وقرر مساعدتي وتصوير بعض المستندات المهمة، تبين أنها كانت ملقاة في مكان لتجميع الأوراق المهملة وغير ذات الجدوى. الموظف نفسه انتقد الأوضاع بالدار، وأكد أهمية الوثائق التي طلبتُ الاطلاع عليها، وقال: "هم سايبينها لحد ما يتم فرزها وبقالها كتير جدا بالشكل ده"!!.

وتابع الموظف مستنكرا: "هناك العديد من الأوراق المهمة فقدت"، مشددًا على أهمية ميكنة الدار لحفظ التراث المصري وتسهيل مهمة الباحثين والمواطنين في قضاء مصالحهم، وتوفير الجهد عليهم.

في مجمع التحرير: ما يصح كده في أم الدنيا

باعتباره أحد أكبر المجمعات الحكومية في العالم! بالطبع كان مجمع التحرير، الوجهة الثانية في رحلة البحث عن "الأوراق في غياب الميكنة"، فبمجرد دخولى استقبلني المئات من الباحثين عن أوراقهم والمضطرين للانتظار في "طرقة" لا تتعدى مساحتها بضعة أمتار، حتى كان من المستحيل المرور إلا بصعوبة بالغة. هنا تتجمع جميع الجنسيات للحصول علي تأشيرات أو تصاريح سفر.

مستندات وعقود الموطنين ملقاة على الأرض وفي غياهب المكاتب القديمة

في آخر "الطرقة"، وقفت سيدة خليجية في العقد الخامس من العمر تتحدث بحدة مع أحد الضباط المختصين، شاكية انتظارها الطويل للحصول على إحدى الأوراق تتعلق بسفرها، قائلة: "هو مفيش وسيلة تانية يعني إيه استني كل ده عشان أخد ورقة.. أنا بقالي ساعتين واقفة علي رجلي والله كثير ما يصح يحصل ده في أم الدنيا"!

في الشهر العقاري: فوت علينا بكره

لم يختلف الوضع كثيراً في الشهر العقاري، الذي يعتبر من أهم الجهات التي تتعامل مع الجمهور يومياً، فلم أجد ماكينة واحدة تسهل على المواطن الحصول علي المستند الذي يريده، ليكون الرد المتكرر من الموظف المختص على طوابير الانتظار الطويلة الغاضبة التى لا تنتهي حتى بحلول انتهاء مواعيد العمل الرسمية: "فوت علينا بكره نكون دورنا على الورقة إلى انت عايزها"، وذلك بسبب اعتماد الجهة على الأرشفة وعدم ميكنة الخدمات لتسهيل البحث عن المستند المطلوب.

2

في المحليات: لو فيه كومبيوتر الأوراق هتطلع بضغطة

ومع المعاناة التي واجهتها للحصول على "ورقة" من حى العجوزة، بات من الضروري إنجاز البرلمان مشروع قانون الإدارة المحلية الجديد الذي انتهت منه لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب، برئاسة المهندس احمد السجيني، والذى يحوى مادة تلزم الحكومة بتقديم جميع الخدمات بصورة مميكنة بجميع وحدات الإدارة المحلية على مستوي الجمهورية، حيث تنص المادة 30 على: "تلتزم الحكومة بتقديم الخدمات بأنواعها بصورة مميكنة بجميع وحدات الإدارة المحلية بما يسمح بالفصل بين مقدم الخدمة وطالبها، وذلك خلال ثلاثة أعوام من تاريخ العمل بهذا القانون، ويجوز إسناد تقديم هذه الخدمات إلي الجهات غير الحكومية."

ومن المتوقع أن يحدث إقرار المشروع في مطلع العالم الجاري، نقلة مهمة وضرورية للمصالح الحكومية المنوط بها تقديم الخدمات للمواطنين، خاصة بالمحليات التي تعج جميع إدارتها في فوضى عارمة، وبات حال حفظ المستندات والأوراق الحكومية بها شديد البؤس، وهو ما ظهر في حي العجوزة، أحد أهم الأحياء التابعة لمحافظة الجيزة، حيث تقدمتُ بطلب للحصول على شهادة مخالفات لأحد العقارات التابعة للحي.

الدفاتر أكلها الزمن.. وسلم لى على "الميكنة"

وبعدما طلب المسئولون الانتظار 72 ساعة للحصول عليها، وبالضغط على رئيسة الوحدة، قرر موظفٌ مساعدتي، لتبدأ رحلة البحث في الدفاتر المهترئة، والتي يصعب الحفاظ عليها لمدة أطول بعد مضى 25 عاما عليها!

gual

ليس هذا فقط، ولكن بسبب غياب الميكنة، اضطر الموظف المسئول للبحث عن مخالفات العقار المطلوب، في كل سنة على حدة، حيث يُخصص دفتر منفصل لكل عام، ولهذا عملت رئيسة الوحدة على تسطير وتنظيم تلك الأوراق يدوياً، حتى إنها تضطر أحياناً لأخذ الدفاتر إلى المنزل.



"الكمبيوتر بيسهل علينا وعلي المواطن وبيوفر في الوقت، وكمان بيحد من التلاعب" هذه كانت شكوى مديرة الوحدة، وهى تبحث بين أكوام الورق عن المستند المطلوب، فرغم وجود جهاز كمبيوتر بإحدى غرف الوحدة إلا أنه مُعطل تمامًا، لتواصل مديرة الوحدة شكواها: "مش محتاجين أكتر من جهاز وطابعة والمخالفات هتطلع بضغطة"، مُعبرة بذلك عن معاناة الموظفين من عدم توفير الإمكانيات اللازمة لأداء عملهم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان