قصة شاهد على "كارثتين" في عزبة الشيخ.. أولها طلاب مدرسة وثانيها "قطاري الإسكندرية"
كتب-شروق غنيم وإشراق أحمد:
مضي اليوم العصيب لحادث تصادم قطاري الإسكندرية، هدأت الأوضاع في عزبة الشيخ، الشاهدة على الحادث، لوجودها على جانب شريط السكة الحديدية، لكن الواقعة ظلت فارضة نفسها على دائرة حديث الأهالي، البعض يعيد تفاصيل ما حدث، فيما عادت ذاكرة البعض لما قبل 20 عامًا "حصل كارثة كبيرة زي القطر في نفس المكان مات فيها عيال كتير بس على الطريق" يقول صابر أحمد اللاشي. تخضبت يد الرجل بدماء الضحايا وقتها، قبل أن يعيد الكرّة مع حادث القطار.
العام 1996، في إحدى الأيام التي تعج بالدراسة، الساعة تشير إلى السابعة صباحًا، يعود صابر من وردية عمل ليلية، خطوات تفصله عن منزله، بعزبة الشيخ، مدخل طريق الإسكندرية الزراعي، لكن الرجل الثلاثيني توقف فجأة، صوت ارتطام قوى يأتي من الطريق السريع الذي يفصله عنه شريط السكة الحديدية، وبراح زراعي؛ سيارة دهست عدد من الطلبة بالمرحلة الابتدائية عابرين لمدرستهم، وأمين شرطة كان يوقف الطريق لهم.
هرع صابر إلى مكان الحادث، كان في العقد الثالث من عمره وقتها، يتذكر المشهد جيدًا "كنا بنشيل عيال صغيرة من على الطريق"، مات الكثير، يُقدرهم الرجل الخمسيني بأكثر من 8 أطفال، فيما نال أخرين الإصابة، جميعهم كانوا في طريقهم إلى المدرسة الابتدائية الموجودة في الجانب الآخر من الطريق، يصف شكل المكان حينها "كان متعين أمين شرطة هو اللي وقف للولاد الطريق يا دوب عدى كام عربية لكن من وراه جت نقل وشالتهم"، يقول المزارع –حالياً- إن سيارة لنقل الجاز جاءت مسرعة هي ما تسببت في الحادث.
عاد ابن عزبة الشيخ إلى منزله، غطت الدماء ملابسه "وقتها كنت لابس قميص أسود وبنطلون نبيتي معرفتش افرق ما بينهم في أخر اليوم"، نال الحادث اهتمام كبير، كثف الأمن تواجده على طول الطريق، شاهد صابر مدير أمن الإسكندرية وقتها حسب قوله، يرجع الرجل الأمر إلى توقف الطريق الزراعي لساعات، مما سبب أزمة دفعت لتسليط الضوء على المشكلة التي يعاني منها المكان المطل على الطريق السريع.
رغم المأساة التي أطلت على أهالي عزبة الشيخ، غير أن المنحة طالتهم معها؛ تم اتخاذ الخطوات لعمل كوبري مشاة، يشير صابر إلى سلالم وممر يربط بين جانبي الطريق، بدا أنه تم تجديدها مؤخرًا، يؤكد أن ذلك الكوبري الذي تم بنائه قبل 20 عامًا بعد حادث الأطفال "مخدش وقت كتير واتعمل"، ومنذ ذلك الوقت وانخفضت نسبة حوادث الطرق التي تحدث بالمكان، لم تعدد حادثة فردية حسب قول ابن عزبة الشيخ.
مرت الأعوام على أول "كارثة" تشهدها منطقة عزبة الشيخ حسب قول صابر، لم ينس الرجل الخمسيني الأمر، لكن بعد وقوع حادثة القطار، أدرك أنها لم تكن بـ"فظاعة" ما حدث يوم الجمعة الماضية.
يطل منزل صابر على شريط السكة الحديدية، تمر من أمامه القطارات بشكل دوري "تقريبًا كل ربع ساعة قطر جديد بيعدي"، وبينما يمر اليوم بشكل اعتيادي سمع الرجل الخمسيني "خبطة" ضخمة الصوت، انتقل سريعًا إلى المكان "كنت من الناس الأولى اللي توصل هناك" فوجد اصطدام قطاري رقم 13، 571 المتوجهان إلى الإسكندرية "أول مرة أشوف حادثة زي دي".
حاول الأهالي المساعدة بما استطاعوا إليه سبيلا، من حمل المصابين وإيداعهم في عربات حتى تصل الإسعاف، تحضير زجاجات مياه بسكر، إلى جلب "عتلة" للمساعدة في فصل الحديد الملتصق بأجساد الضحايا" كنا بنساعد لحد ما المسئولين المتخصصين يجيوا يكملوا".
وفدت عربات الإسعاف وقوات الدفاع المدني، لكن ذلك لم يُزحزح صابر من مكان الحادث حتى الواحدة بعد منتصف الليل "عشان لو حد محتاج مساعدة نكون موجودين برضو". مر الوقت بمشقّة على الرجل الخمسيني "أخري كنت اسمع عن حوادث القطر في التلفزيون لكن عمري ما شوفت المنظر ده قدام عيني".
"مصر كلها بتتكلم عن الحادث، لكن إحنا بنقول عن شوف" ظل صابر متجنبًا الحديث، لا يريد ترديد ما رآه "المنظر كان صعب ومحدش يتحمله وفي ناس أغمى عليها لما شافته ومقدرتش تقف"، يذكر كيف غمرت الدماء ملابسه حال ما حدث عام 1996 "كأني مغطسهم في شربات".
تلاحقت المشاهد على صابر، بفعل الفاجعة لم يتسنَ له التحدث مع أحد من المصابين أو الناجين "الناس كانت مذهولة اللي بيدور على ابنه ولا مراته، والناس اللي كانت على رجليها كانت بتجري من المكان مش مصدقة إنها لسه عايشة".
عادت حركة القطارات إلى خط "خورشيد"، ينطلق إنذار المزلقان بين الحين والأخر، بينما تمر الواقعتين أمام عينا صابر، يأسف على ما يسقط من ضحايا، يشعر بالأمل في وضع حلول كما حدث مع كوبري المشاة في التسعينات، يتمنى أن يتكرر الأمر مع حادث قطاري الإسكندرية، فيما يرى أن ذلك لن يحدث إلا "إذا كل واحد يراعي ربنا في عمله ويعمل اللي عليه.. أكيد الدنيا هتبقى أفضل".
فيديو قد يعجبك: