بعد 10 سنوات من ركوب قطار 571.. "النجار" بين مصابين "تصادم الإسكندرية"
كتبت-شروق غنيم وإشراق أحمد:
لم يخطر بباله أن يطول القطار حادث، وهو الذي اعتاد استقلاله منذ عشر سنوات حتى أصبح "صحاب قطر" كما تصفه زوجته". طيلة تلك الفترة لم يمسسه سوء لكن يوم الجمعة الماضية كانت هناك أمارات، فالقطار رقم 571 المتوجه من بورسعيد إلى الإسكندرية قد تأخر عن موعده. اتخذ عماد النجار مقعده في آخر عربة مع اثنين من رفاق ورديته في العمل بوزارة الإسكان والتعمير، لكن قبل وصولهم بنصف ساعة تبّدل كل شيء.
كان آخر مشهد قد علق بذاكرة النجار وهو يلعب مع أصدقائه "الكوتشينة" داخل القطار، ومع حلول قرابة الثانية ظهرًا شعر باهتزاز عنيف يضرب العربة دفعه لـ"الطيران" من مكانه، ثم غاب عن الوعي وما أن أفاق وجد نفسه مستقرًا بمستشفى سموحة بالإسكندرية، مع إصابات عميقة لحقت برأسه ويده.
تبعثرت أوراق اللعب، تخضبت بدماء الثلاثة، لكن عماد وحده هو من نجا فيما فارق زميليه الحياة، حينما استيقظ من غفوته، لملم آلامه وأخبر المستشفى عن بياناته "أنا اسمي عماد محمد حسنين النجار، عندي 47 سنة". كل تلك التفاصيل رواها النجار لزوجته نجوى إبراهيم بعدما عثرت عليه مساء ذلك اليوم.
لم تكن تعلم السيدة الأربعينية شيئًا عن الحادث، كأي يوم اعتيادي ذهب النجار من محافظته البحيرة إلى العمل وانهمكت هي في مشاغل منزلها، لكن في غضون الرابعة عصرًا هاتفها أحد زملائه يخبرها أنه لم يصل حتى الآن، فيما المفترض أن يتواجد في عمله الساعة الثانية والنصف ظهرًا؛ أكل القلق قلبها فاتصلت على رقم زوجها فرد آخر ليخبرها بأن هذا الهاتف مُلقى على شريط القطر وصاحبه بين ضحايا حادث تصادم قطاري الإسكندرية.
كادت نجوى أن تجن، القلب يعتصره الألم، والدموع تزيد الموقف حرقة "كنت فاكراه توفى"، وقوي التفكير في الاحتمال الأسوأ بعد اتصالها بالإسعاف بينما هي في طريقها إلى الإسكندرية، فجاء الرد "اسمه مش موجود في كشوف الحادثة".
طيلة أكثر من أربع ساعات منذ علمت بالخبر ظلت الزوجة على توجسها، حتى جاءها اتصال أزاح عنها الهم "ولاد عمنا قالوا لنا لاقوه في مستشفى سموحة"، فبينما كانت نجوى بالطريق، كان الأقارب المقيمين في الإسكندرية، يجوبون المكان بحثًا عن موظف وزارة الإسكان.
بعد غياب شمس يوم الجمعة وصلت نجوى إلى "سموحة"، في الطابق الخامس للمستشفى الحكومي، أقبلت بلهفة على الغرفة المتواجد فيها الزوج، تسمرت قدماها أمام السرير، أحدهم يرقد عليه بلا حراك، أوشك الشاش الطبي أن يخفي وجهه، فيما بدا الجزء المكشوف منه مسودًا، أمعنت النظر إلى وجه الراقد لكنها لم تتعرف عليه، ظنت أنها أخطأت الغرفة، لولا وجود قريبهم داخل الغرفة ليؤكد لها أن المصاب هو عماد.
سهلت البيانات التي أدلى بها عماد للمستشفى في الوصول إليه. أجرى "النجار" عملية في المخ، بعدما تسبب الحادث في نزع سطح رأسه كما تقول الزوجة، فيما خُيطت يداه مرتين لكن لازالت ساكنة دون حركة.
في ذلك الوقت كان عبد الله الابن الأوسط لـ"النجار" يفتش عن أي وسيلة تقله من العين السخنة إلى الإسكندرية، هرع الابن بمجرد إخبار الأم له بما حدث "لكن معرفتش أنزل يومها جيت تاني يوم"، غاب النوم عن عين الشاب، لم ينشغل بترتيبات العمل، كيف يتركه، أراد لو تمكن من الطيران للاطمئنان على أبيه.
أمام غرفة المصاب، بادلت أمل، شقيقة الزوج أطراف الحديث وتهوين الأمر، مازحتها بأنها نزيلة دائمة للمستشفيات، لتوضح نجوى أنها منذ عامين مرت بتجربة مشابهة مع ابنها عبد الله بعد إصابته في حادث كبير.
تزدحم غرفة موظف الإسكان منذ الحادث، الوافدون يدخلون ويخرجون للاطمئنان عليه، بدت الزوجة أكثر ارتياحًا مع اليوم الثالث، تكسر بالمزاح والابتسامة توتر من حولها لانتظارهم إجراء الرجل لعمليتين جراحيتين، فوجوده بين المصابين أهون على نفسها من ظنها الأول بوفاته.
لازال عماد في المستشفى، ينتظر إجراء العمليتين الجراحيتين، تقيم معه زوجته نجوى، تأمل اقتراب اليوم الذي يعودا فيه معًا إلى منزلهما في البحيرة، ولأولادهما الثلاثة الباقين، فيما تعتزم الاحتفاظ بالبنطال الممزق الذي كان يرتديه زوجها وقت الحادث، كما فعلت مع ملابس ابنها من قبل حين إصابته، مبررة ذلك بقول "دول أغلى حاجة عندي وكل اللي ليهم يبقى غالي حتى لو هدمة".
فيديو قد يعجبك: