كيف نجحت خصخصة السكة الحديد في اليابان وبريطانيا والأردن؟
خبراء : الخصخصة كلمة سيئة السمعة في مصر بسبب فزاعة تصفية العاملين
تقرير - مها صلاح الدين:
بين عامي 2006 و2017، أوشك مشهدان على التطابق، ففي مستهل العام الأول اصطدم قطاران بالقرب من مدينة الإسكندرية ما أسفر عن إصابة نحو 20 شخصا، بينما كان الحادث في 2017 أكثر ترويعا، فأسفر عما يزيد عن 40 قتيلا، وأكثر من مئة مصاب.
وبعد عشرات الحوادث بالسكك الحديدية، منذ عام 2006، وحتى الآن، طرح البنك الدولي على مصر قرض بقيمة 500 مليون دولار لتطوير وإعادة هيكلة السكك الحديدية، من هنا تجددت فكرة "الخصخصة"، التي يشجعها البنك الدولي، ويحصي ايجابياتها في تجارب 16 دولة على مستوى العالم، إلا أنها مازالت في مصر سيئة السمعة بحسب خبراء مالين.
وفي هذا التقرير، يستعرض مصراوي تفاصيل تجارب أبرز 3 دول في خصخصة السكك الحديدية، وأسباب تخوف المصريين منها.
التجربة البريطانية .. خصخصة على مراحل
لم تكن بريطانيا أول دولة تعرف السكك الحديدية في العالم فقط، بل أنشأت السكك الحديدية المصرية تحت رعاية الاحتلال البريطاني أيضا، لتكون أول سكك حديدية عربية، وفي الشرق الأوسط، ومع تشابه المنحنيات في المشروعين، إلا أنه بدأ التدرج بالسكك الحديدية البريطانية نحو الخصخصة، والتي تمتلكها الدولة منذ عام 1984، فمنذ بداية 1989، حيث تم بيع مبنى القطارات المسمى بـ "هندسة السكك الحديد"، في ظل حكومة "مارجريت تاتشر"، والتي أثارت غضب حزب العمل البريطاني في حينها.
ولكن هذا لم يمنع توسع الفكرة، في عام 1993، حينما تم خصخصة السكك الحديدية بشكل قانوني، منذ عام 1993، عبر قانون هيئة النقل والسكك الحديدية الجديد، حيث تم بيع شركات الصيانة لـ 13 شركة، ونقلت ملكية القطارات إلى 3 شركات، وتم منح حق الانتفاع لشركة تشغيل القطارات تحت إشراف الدولة، كما انتقلت ملكية قطارات الشحن إلى شركتين، وهو ما كانت نتائجه، انخفاض تكلفة الضرائب، وانخفاض الأسعار، وتحسين خدمة العملاء، وتنشيط المزيد من الاستثمارات.
وعلى الرغم من انخفاض عدد العاملين بشكل تدريجي في السكك الحديدية البريطانية منذ بداية الخصخصة، إلا أن أجور العاملين زادت أيضا بشكل ملحوظ عن كل ساعة، كما هو موضح بالإنفوجرافيك التالي.
ارتفعت أسعار الرحلات على خطوط السكك الحديدية البريطانية، مع بداية خصخصة جميع التخصصات بشكل رسمي منذ 1993، بينما عاودت الانخفاض في عام 2001، بعد انهيار خط "رايت تراك"، التي انتقلت أصوله فيما بعد إلى الدولة، كما هو مبين في الإنفوجرافيك التالي.
ومع ذلك ظل هناك زيادة ملحوظة في عدد ركاب القطارات في لندن منذ بداية الخصخصة وحتى الآن.
يشجع البنك الدولي مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، ووفقا لبياناته فإن 26 دولة من الدول النامية قامت بترسية 72 مشروعا من مشروعات البنية التحتية حتى الآن، كما عقد البنك الدولي مقارنة لأوضاع أبرز التجارب الدولية من حيث استخدام الأصول، والإنتاجية، ونسبة تكاليف العمالة من الإيرادات قبل وبعد خصخصة السكك الحديد، في الجداول التالية.
التجربة اليابانية .. من شركة حكومية إلى 200 شركة خاصة
وبعد أن كانت السكك الحديدية اليابانية تقتصر على شركة واحدة وطنية، تم خصخصتها في عام 1978، وأصبحت هناك 200 شركة خاصة وشبه خاصة تنافس في تشغيل السكك الحديدية اليابانية، والتي كانت تتكبد خسائر تزيد عن تريليون ين ياباني سنويا، وفقا لبيانات البنك الدولي.
تنافس شركات السكك الحديدية اليابانية جعلها تدخل خدمات جديدة وسريعة، وخلقت مناخا أكثر مرونة للاستثمارات، واليوم، تمثل الإيرادات من الأعمال غير المتعلقة بتسيير القطارات، مثل العقارات وتشغيل المنشآت التجارية في محطات القطار، والتى أصبحت تمثل حوالي 60% من إجمالي الأرباح في شركات السكك الحديد الخاصة، وهو ما انعكس أيضا على عدد الركاب، وفقا لبيانات البنك الدولي قبل وبعد الخصخصة.
يقول الخبير الاقتصادي معتصم الشهيدي لـ "مصراوي" أن المرافق العامة بمعظم دول العالم تدار عبر القطاع الخاص، لقدرته على الارتفاع بمستوى الخدمة، عبر تقديمها بسعر عادل يحقق له هامش ربح، ويعينه على تكاليف الصيانة والتطوير، وهو ما تعجز عنه الحكومات التي عادة ما لا يكون لديها مخصصات مالية كافية.
وهناك أشكال مختلفة للخصخصة يتم اللجوء إليهم بحسب ما يناسب طبيعة المشروعات، هم خصخصة الإدارة، والبيع المباشر، وبيع الأسهم في الأسواق المالية، والبيع للعاملين والإدارة، ونظام القسائم، ويوضح الجدول التالي الفرق بينهم.
يفضل الخبير الإقتصادي، تطبيق الخصخصة على المشروعات حديثة الإنشاء، مثل المدن الجديدة، وما بها من طرق ومياه وخدمات كهرباء، ويرى أن الشعب المصري لا يفضل خصخصة السكك الحديدية لتخوفه من زيادة سعر الخدمة بعد الخصخصة، ناهيك عن فزاعة تصفية العاملين بذلك القطاع.
ويؤكد الشهيدي، أن الخصخصة ليست الهدف في حد ذاته، بينما الهدف هو رفع كفاءة الأصول، لهذا يصاحب عملية الخصخصة دائما، تيسير الخدمة، وتقليص عدد العاملين، ورفع الكفاءة التكنولوجية للخدمة.
ويفضل الشهيدي، إذا لجأت الحكومة المصرية لخصخصة السكك الحديدية، أن تتبع نظام حق الانتفاع، حيث منح حق الإدارة لأحد المستثمرين بشكل معين لمدة 50 عاما، ومن ثم تعود لملكية الدولة وتعيد طرحها مرة أخرى على مستثمر آخر.
التجربة الأردنية.. حق الامتياز يتيح توسعات
كانت المملكة الأردنية الهاشمية هي الأولى من نوعها في دول الشرق الأوسط، التي منحت حق الامتياز "الإيجار التشغيلي" للقطاع الخاص لتمويل وإدارة سكك حديد العقبة على نطاق واسع، لمدة 25 عاما، حيث تعد الشركة بتحديث وصيانة وتوسيع جميع الخطوط، كما تتكفل بإنشاء خطين جديدين لتسهيل عملية تصدير الفوسفات.
ويساهم قطاع النقل في المتوسط بنحو 10% من الناتج المحلي الإجمالي بالأردن، منذ أن بدأت الحكومة الأردنية بإعادة صياغة الاستراتيجية الوطنية نحو الخصخصة منذ عام 2008، وهو ما انعكس على النتائج الفنية في قطاع السكك الحديدية بالأردن في الأربع سنوات الأخيرة، كما هو مبين في الصورة التالية.
ويرى المحلل الاقتصادي محمد بهاء، أن التجربتين الألمانية والماليزية هم أفضل تجارب خصخصة السكك الحديدية في العالم، حيث أن التجربة الألمانية امتدت إلى صناعة السكك الحديدية نفسها، بينما اشترطت الحكومة الماليزية على المستثمر عدم الاستغناء عن العمالة، مقابل بيع السكك الحديدية مقابل سعر زهيد.
ويؤكد بهاء أنه على الرغم من الإصلاحات التي قد تعود على خصخصة السكك الحديدية في مصر من حيث رفع مستوى الخدمة، إلا أن مفهوم الخصخصة في مصر مازال سيء السمعة، بسبب ارتباط الخصخصة برفع سعر الخدمة، وتسريح العمالة، لهذا لابد من مد جسور الثقة بين الحكومة والمواطن، عبر تفسير معنى وأسباب وفوائد الخصخصة، بالإضافة إلى تشجيع المستثمرين الذين عادة ما يكون لديهم رهبة الخسارة في مثل هذه المشروعات الضخمة.
فيديو قد يعجبك: