لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

هل نحن مستعدون لمواجهة آثار حرب نووية مدمرة؟

12:06 م الأربعاء 30 أغسطس 2017

لندن (بي بي سي)
في القرن العشرين كانت لدينا حملات توعية، وملاجئ للحماية من الغبار النووي، وصفارات إنذار، وزاد وعي الناس بمخاطر الحرب النووية. فهل نحن اليوم بحاجة إلى إحياء دور أجهزة الدفاع المدني بصورة تتناسب مع مخاطر اندلاع حرب نووية؟

في حالة نشوب حرب نووية، ستلجأ الحكومة البريطانية إلى مخبأ محصن واحد على الأقل تحت الأرض، وضع تحت تصرفها. ويقبع هذا المخبأ في قلب العاصمة البريطانية لندن، وأُطلق عليه اسم "بيندار"، نسبة إلى أحد شعراء الإغريق. إلا أن أصل التسمية يبعث على الخوف والقلق.

ويُحكى أنه في عام 335 قبل الميلاد، دكّ الإسكندر الأكبر مدينة طيبة باليونان بأكملها، ولم يترك إلا منزلا واحدا، هو منزل الشاعر بيندار، تقديرا لبعض أشعاره التي أثنى فيها على جد الملك الأسكندر الأكبر.

وبالطبع، كان المغزى من هذه التسمية هو أنه حتى لو سويت لندن بالأرض جراء اندلاع حرب نووية، لن يتأثر بها حصن بيندار. لكن أحدا لا يعرف السبب الحقيقي الذي صُمم من أجله هذا المبنى على وجه التحديد.

ولم تُنشر إلا بضع صور لمجموعة الحجرات المحصنة تحت الأرض، وأكدت وزارة الدفاع، في ردها على طلب الاستفسار عن المعلومات بموجب قانون حرية الاطلاع على المعلومات، أن هذه الصور التقطت بالفعل من "حصن بيندار".

ولا يوفر حصن بيندار أعلى مستوى من الأمان للجيش فحسب، بل يعد وسيلة لضمان استمرار الحكومة في إدارة شؤون البلاد، وهذا يعد جزءا من خطط الدولة للحفاظ على السلطة خلال وقوع كوارث غير مسبوقة وبعدها.

لكن هذا يبرهن على كفاءة قادة الجيش والزعماء السياسيين في التصدي للكوارث، فماذا عن المدنيين الذين من المفترض أن يحميهم هؤلاء القادة ويمثلونهم؟ فهل نحن مستعدون لمواجهة كوارث من هذا النوع؟

هذا السؤال يؤرق أليكس ويلرستاين، الباحث بمعهد ستيفنز للتكنولوجيا بولاية نيوجيرسي. ويقول ويلرستاين حول فكرة استمرار عمل الحكومة في مثل هذه الظروف دون النظر إلى حماية المدنيين: "هذا أمر لا يعنيني، هذا شأن الحكومة نفسها".

وكان ويلرستاين قد أعلن مؤخرا أنه يشارك مع زملائه في مشروع لإعادة تنظيم دور أجهزة الحماية المدنية، والذي يشمل تجهيز الطرق بأفضل تصميمات مواجهة الكوارث، وتدشين حملات التوعية التي تهدف لمساعدة الشعب في حماية نفسه في حالة تعرض البلاد لهجوم عسكري أو كارثة طبيعية.

ويرى ويلرستاين أن الحماية المدنية كانت تهيمن على نقاشات الناس إبان الحرب الباردة، حين شكّل الخوف من الهجوم النووي جوانب الثقافة الشعبية السائدة آنذاك، وخيم على الموضوعات السياسية أيضا. أما الآن، فنحن لا نتحدث كثيرا عن الهجمات النووية أو تبعاتها، وهذا الأمر ينبغي أن يتغير.

فقبل كل شيء، لا يزال هناك نحو 15 ألف سلاح نووي في الوقت الراهن حول العالم، تمتلك غالبيته روسيا والولايات المتحدة. واتفق زعماء كلا البلدين مؤخرا على أن العلاقات بين البلدين بلغت أدنى مستوياتها إلى حد ينذر بالخطر.

ورغم أن ويلرستاين لا ينكر أن احتمالات اندلاع حرب نووية أو قيام دولة خارجة عن القانون أو جماعة إرهابية بشن هجوم نووي محدود، ضئيلة إلى أبعد الحدود في الوقت الراهن، إلا أنه يرى أن الاستعداد تحسبا لوقوع هجمات من هذا القبيل لا يزال مهما.

وقد سبق أن وضع ويلرستاين خريطة الهجمات النووية، وهي شكل معدل من خرائط غوغل يخبر المستخدم بالآثار الأولية للانفجار الناتج عن السلاح النووي الذي يختاره المستخدم في أي جزء من العالم، بما في ذلك المدن الكبرى.

وتكمن الفكرة من وراء مشاريع ويلرستاين في تشجيع الناس على التعرف على التهديد النووي في إطار مبسط، ليبدو أكثر واقعية. وهذا لأن الدفاع المدني كان مثار سخرية للكثيرين الذين زعموا أنه لن يجدي نفعا إذا وقعت تلك الكارثة.

ويقول ويلرستاين: "هؤلاء الناس يستمتعون بالاستهزاء بهذه الاحتياطات المدنية". والآن يخطط ويلرستاين لاستخدام أدوات أكثر فعالية.

ويقول ويلرستاين: "تخيل لو وضعت نظارة الواقع الافتراضي ونظرت إلى أفق مدينة مانهاتن لترى انفجارا نوويا يحدث أمام عينيك، وتخيل أنك ترى انطلاق الغمامة التي تتخذ شكل الفطر وهي تعلو في السماء. ألا يجعلك هذا تسشعر قوة الانفجار النووي؟"

ويقول ويلرستاين إنه يهدف في مشروعه الجديد إلى الاستفادة من جميع المواد التي صنعت لنفس الغرض، إذ يقترح على سبيل المثال فكرة الروايات المصورة المصممة لتعريف الناس بالخطوات التي يمكن اتخاذها لزيادة فرص النجاة من هجوم نووي.

ومن أبسط النصائح في هذه الحالة هي البقاء في الداخل بدلا من محاولة الخروج وقيادة السيارة للهروب من المنطقة التي تأثرت بالانفجار. لأن الطرق في أوقات الكوارث تصبح أكثر ازدحاما، كما هو الحال في الغالب بعد التحذيرات من وقوع الأعاصير، على سبيل المثال.

وعندما تنفجر قنبلة نووية، فإنها قد تمتص الكثير من الغبار والشظايا، قبل أن تقذف الغبار النووي غير المرئي و المشبع بالإشعاع على الأراضي المحيطة.

ويقول ويلرستاين: "ويزيد عامل الحماية إلى أعلى مستوى في منتصف المباني، فإذا بقيت داخل المبنى لبضع ساعات ستقل مخاطر تعرضك للإشعاع إلى أدنى مستوى".

وفي الوقت الذي تواصل فيه كوريا الشمالية استعراض قدراتها المتزايدة على إطلاق صاروخ نووي عابر للقارات قد يصل إلى الولايات المتحدة، وتتصاعد فيه حدة التوتر بين زعماء البلدين، بدأت بعض المدن الواقعة داخل مدى صواريخ كوريا الشمالية في أخذ الاستعدادات بجدية.

وفي اليابان، يشترك المزارعون في تدريبات على كيفية التصرف في حالة حدوث هجوم نووي. وعدلت هاواي القواعد الإرشادية للجمهور حول الخطوات التي يجب اتخاذها في حالة وقوع انفجار نووي، كما سارت على خطاها بعض الهيئات المحلية في الساحل الغربي للولايات المتحدة.

ومن بين المناطق التي تهدد كوريا الشمالية صراحة باستهدافها أراضي جزيرة غوام التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وقد أصدرت جزيرة غوام تعليمات مؤخرا حول كيفية التعامل مع الإشعاعات.

وفي الوقت نفسه، غيرت وزارة الأمن الداخلي للولايات المتحدة تصميم موقعها على الإنترنت تحت مسمى "Ready.gov" (أو حكومة مستعدة)، الذي يتضمن قسما استرشاديا عن طرق مواجهة الانفجارات النووية.

إلا أن أهمية أجهزة الدفاع المدني تراجعت في دول أخرى في السنوات الأخيرة. وفي ثمانينيات القرن العشرين، وضعت المملكة المتحدة مجموعة من التدابير الاحترازية للحماية المدنية، كان الهدف من بعضها ضمان بقاء الحكومة، مثل لجان المراقبة التي انتشرت في كل منطقة تخضع لحماية الدفاع المدني في البلاد، في حين استهدف البعض الآخر حماية الشعب، مثل صفارات الإنذار من الغارات وحملات التوعية.

وقد نُشرت صفارات الإنذار، على سبيل المثال، في آلاف المواقع، ولعلها كانت تستخدم للتحذير من هجوم صاروخي وشيك، أو لتنبيه الناس إلى أن مستويات الإشعاع انخفضت إلى أدنى حد.

ولكن هل كانت البنية التحتية التي أقيمت للحماية من الهجمات المحتملة إبان الحرب الباردة ستصمد في حالة تبادل القصف النووي بين جميع الأطراف المتحاربة؟ لحسن الحظ، لم تخضع البنية التحتية إبان الحرب الباردة لتجربة حرب نووية حقيقية.

تقول باتريشيا لويس، مديرة إدارة الأمن الدولي بمعهد تشاتام هاوس للدراسات السياسية: "المشكلة أن الانفجار النووي يختلف كليا عن سائر أنواع الطوارئ. فهو أشد تدميرا من أي انفجار آخر".

ويقول ماثيو غرانت، المؤرخ بجامعة إيسيكس، الذي تناول باستفاضة موضوع الدفاع المدني في كتابه "في أعقاب القصف بالقنابل: الدفاع المدني والحرب النووية في بريطانيا من 1945 إلى 1968"، إن الدفاع المدني في بريطانيا كان قليل الموارد، ومحدود الانتشار، وبطيء الاستجابة للتهديدات الحقيقية.

وتقول جينيفر كول، بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن الحرب النووية أُسقِطت من "السجل الوطني للمخاطر" بالمملكة المتحدة، رغم أن احتمالات وقوع تفجيرات نووية تشنها جماعة إرهابية تعد "ضئيلة ولكنها غير مستبعدة تماما".

وتضيف: "لم يعد احتمال شن هجوم نووي أمرا واردا بين أسوأ الاحتمالات المطروحة".

ويقول توم بلانت، بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة، إن الغواصات "ترايدنت" البريطانية المسلحة برؤوس نووية في وضع الاستعداد في الوقت الحالي للانطلاق في غضون عدة أيام من إصدار الأوامر. وكانت الصواريخ في غمرة الحرب الباردة جاهزة للانطلاق في غضون 15 دقيقة فقط.

ويضيف بلانت: "إن الأوضاع الآن أقل خطورة مما كانت عليه إبان الحرب الباردة، إذ بلغت التهديدات آنذاك أعلى مستوياتها".

وفي ظل غياب التهديدات الملحة التي كانت تواجهها البلاد إبان الحرب الباردة، ألغيت الخطط والاستعدادات التي وضعتها الحكومات في القرن العشرين للتصدي لهذه التهديدات، أو أدرجت ضمن خطط أخرى لإدارة الأزمات.

ويقول كول إن الخطط التي وضعت في الوقت الحالي للتعامل مع الفيضانات الشديدة أو الهجمات الإرهابية أو غير ذلك من أحداث قد تؤدي إلى نزوح أعداد كبيرة من الناس ربما تكون ارتكزت على الخطط التي وضعت إبان الحرب الباردة.

وما الذي حل محل هذه الخطط اليوم؟ إن القواعد الأساسية المعمول بها في بريطانيا للحماية من الإشعاعات تسمى "لوائح الإشعاعات"، وهي التي تنظم مدى الاستعداد للاستجابة لحالات الطوارئ وتوعية الجمهور بشأن حوادث الإشعاع، ويشار إليها اختصارا باسم "ريبير" أو لوائح طوارئ الإشعاعات.

ولو نظرنا مثلا إلى مدينتي بورتسموث وساوثهامتون، وهما مدينتان ساحليتان في بريطانيا قد ترسو فيهما الغواصات التي تدار بمفاعلات نووية. ولهذا تلتزم المجالس المحلية في المدينتين بخطة طوارئ مفصلة، بموجب لوائح طوارئ الإشعاعات، في حالة وقوع حادث يفضي إلى انتشار مواد مشعة في المناطق الخاضعة لتلك المجالس.

وتشدد الخطة في غير موضع على أن المفاعلات نفسها لا تسبب انفجارا نوويا.

وتتضمن القاعدة البحرية ببورتسموث أيضا إحدى صفارات الإنذار من الغارات الجوية القديمة، يداوم العاملين بالقاعدة على اختبارها بين الحين والأخر، تحسبا لوقوع حادثة. كما توجد في كل مكان في المملكة المتحدة أنظمة إنذار للتحذير من المخاطر الكيمياوية من المصانع على سبيل المثال.

ولكن السؤال عن مدى إمكانية الحد من آثار القنبلة النووية لا يزال معلقا.

لا شك أن هناك الكثير من المخابئ للحماية من التفجيرات النووية في مختلف الأماكن من العالم، بما فيها نيويورك. لكن بعض هذه المخابئ أصبح يستخدم لأغراض أخرى، وبات غير صالح إلى حد كبير لحماية من يلوذ به في حالة وقوع هجوم بأسلحة نووية في منطقة مجاورة.

وتدرس اللجنة الدولية للصليب الأحمر بانتظام سبل الاستجابة للكوارث، على اختلاف أنواعها، التي قد تقع في مختلف بلدان العالم، بما فيها كارثة الانفجار النووي.

يقول جوني نيم، رئيس وحدة التلوث الناجم عن الأسلحة التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر: "لو نظرنا إلى موقع الانفجار النووي بعد دقائق من وقوع الانفجار، ستكاد تقف عاجزا عن فعل أي شيء".

ويتابع: "ولا أتوقع تقديم مساعدات إنسانية إلا بعد أسابيع من وقوع الانفجار".

وأشار نيم إلى أنه من الممكن، في أثناء الحرب، أن تُغلق الحدود وتتوقف الرحلات الجوية، ليصبح من العسير على منظمات الإغاثة الإنسانية تقديم المساعدة للناجين.

بالنظر إلى المشهد المرعب في أعقاب انفجار نووي في إحدى المدن الحديثة، وما ينطوي عليه من تعذر وصول فرق الإغاثة الإنسانية وخدمات الطوارئ والحكومة إلى موقع الانفجار لمساعدة الناجين، يرى البعض أنه لا أمل في النجاة من هذه الكارثة.

لكن أليكس ويلرستاين، وغيره من المؤيدين لدور أجهزة الدفاع المدني، يرون أن هناك بصيص من الأمل، إذ يؤمن هؤلاء بقدرة المدنيين على زيادة فرصهم في النجاة إذا كانوا أكثر استعدادا لمواجهة المخاطر وأكثر وعيا بطبيعتها.

بالتأكيد لا أحد يطيق التفكير في احتمال وقوع انفجار نووي، لكن إذا حلت الكارثة التي يعجز العقل عن تصورها، فربما لو فكرنا فيها قبل حدوثها، حتى لو اقتطعنا جزءا قليلا من وقتنا للاستعداد لها، ستزداد فرصنا في النجاة منها.

هذا المحتوى من

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان