مصراوي يحاور آية حجازي: لن نلجأ للتعويض.. "ومش هنقف قدام مصر في المحاكم"
حوار- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
أكثر من 100 يومًا مرت على إعلان براءة آية حجازي وزوجها محمد حسانين والمتطوعين الستة في مؤسسة "بلادي" من تهم الإتجار بالبشر والاستغلال الجنسي للأطفال. غادر أصحاب المؤسسة إلى الولايات المتحدة منذ ذلك الحين، ولاحق الأمر جدلاً وقتها.
مصراوي تحدث إلى الزوجين مؤسسا "بلادي" في حوار اختصا مصراوي به، أوضحا كيف استقبلا حكم براءتهما من القضية الحاملة لرقم 4252، وسفرهما السريع إلى أمريكا.
روت حجازي وحسانين عبر اتصال هاتفي، تفاصيل أكثر عن الحياة داخل "بلادي"، معربين عن رغبتهما الشديدة في العودة لاستكمال حلمهم ومشروعهم في حل مشاكل الأطفال بلا مأوى في مصر بعد أن "رد القضاء اعتبارنا". وإلى نص الحوار:
بداية.. بماذا شعرتم بعد البراءة؟
آية حجازي: لحظة البراءة كانت أفضل وأجمل لحظة في حياتي. سمعنا الحكم من القاضي، بينما كنت أمسك بيد محمد. وأثناء العودة في عربة الترحيلات، بكيت كثيرًا، رغم أني "يعتبر معيطش في الحبسة"، لأني شعرت حينها أن الله أكرمنا، بعدما بدأ البعض يفكر أنه سيُحكم علينا بالمؤبد أو 10 سنين أو العفو لكن البراءة كانت حلم "وأحنا جزيرة الإنسانية تمسكنا به". ويهمني جدا أن المحاكم المصرية برأتنا.
البعض اعتبر سفركم لأمريكا جاء في إطار صفقة سياسية بين مصر وأمريكا.. كيف رأيتم ذلك؟
آية حجازي: منذ بداية القضية وأنا موقفي واحد؛ لم أطلب التدخل من السفارة الأمريكية، وحينما حضر ممثل عنها الجلسات لم أمانع وجوده، فأنا مواطنة من البلدين. أنا أرفض بشدة أغلب سياسات أمريكا الخارجية، لكن أحب تعاملها مع مواطنيها، ورفضت طول الوقت التنازل عن الجنسية المصرية، حتى حينما أخذ البعض يقول لي "دي مجرد ورقة ومش هتدخلك الجنة والكلام ده كله". كانت الجنسية بالنسبة لي رمز، ولو سأقضي عمري كله مسجونة لن أتنازل عنها.
آية حجازي: صاحب البلاغ ضدنا قال "سامحوني"
حدثونا عن كواليس السفر إلى أمريكا كيف تم بهذه السرعة؟
محمد حسانين: لا أعلم كيف حدث بهذه السرعة، أنا لم يكن معي جواز سفر وغادرت مصر، فلست أنا مَن يُسأل عن هذا، ولا أعلم لمن يوجه السؤال "أنا موقفتش تاكسي وأخدت آية وجيت بيها أمريكا أنا طالع من الطيران عادي خالص وراكب طيارة خاصة عادية مش حربية زي ما اتقال".
التقيتِ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنحو عشر دقائق.. ماذا دار في المقابلة؟
آية حجازي: "كان مبسوط"، وقال لي إني امرأة قوية "واتخض لأنه كان فاكر أنه اتقبض علينا تحت حكم الإخوان لكن اكتشف إنه تم القبض علينا في 1 مايو 2014".
طيلة سنوات المحاكمة هل التقيتم بأصحاب البلاغ ضدكم أو الضابط الذي قام بضبطكم؟
آية حجازي: التقينا فقط بمَن بلّغ ضدنا. فحينما تقدم بالبلاغ، قلت له وقتها "ربنا يسامحك"، فرد "الله يسامحكم على اللي عملتوه". ولكن في أخر الجلسات قابلناه، كان نادما وقال لنا "ياريت تسامحوني".
متى أدركتم أن قضيتكم خطيرة، وكيف كان رد فعلكم؟
آية حجازي: أدركت ذلك، حينما قال لي رئيس النيابة بعد 6 ساعات من التحقيق "ما أقوالك فيما وجه إليك من تهمة الاتجار بالبشر". دمعت عيناي لأول مرة، وعرفت أن هناك قضية سيئة تنتظرنا، لكن كنت على ثقة أن القضاء سيبرئنا سريعا "لأن باين 100% إنها متفبركة".
وهل فكرتما في رفع قضية تعويض؟
آية حجازي: لا. لم يحدث، ولن نلجأ لذلك أصلا "مصر بتفضل أمنا ومهما حصل مش هنقف قدامها في المحاكم". أكبر رد اعتبار لنا هو البراءة نفسها التي أخلت مسؤوليتنا من جميع الاتهامات. وأنا أؤمن أني ربحت من القضية أكثر مما خسرت؛ فقد أردت دائما توجيه اهتمام الناس لأولادنا في الشوارع وهذا ما حدث بعد خروجنا.
لم تُتح للكثير الفرصة لسماع رؤيتكم عن مؤسسة "بلادي".. حدثونا عنها؟
آية حجازي: "بلادي" شيء تمنيت دعم الدولة له، لأنها كيان تنموي يجمع الناس كلها. عندما بدأنا عام 2012 كانت الناس غارقة في السياسة وبدأت تكره الشارع بعدما سالت الدماء، فكان هدفنا أن نقول "تعالوا نعمل حاجة حلوة مفيدة ولو عايزين ننقذ بلد ننقذها من خلال الأطفال"، رأينا أنهم المستقبل ومَن يحتاجوننا، فتبنينا مشروع أطفال الشوارع "كنا بناخد الطفل وننقذه من الشارع ونؤهله".
محمد حسانين: مشروعنا أعاد 10 أطفال لأهاليهم في أقل من 3 شهور
وكيف كان يتم ذلك التأهيل؟
آية حجازي: الأطفال عندما كانت تأتي إلينا يصبحون "أولاد بلادي" ويعودون لطفولتهم وليس أطفال شوارع، بمعنى أنه في الشارع لابد أن يحمي نفسه، ويتعامل بصورة شريرة كي لا يتعرض للاستغلال، إنما في "بلادي" يشعر أنه في حماية، ينادي من حوله بماما وبابا، يشعر أنه جزء من أسرة، فيصبح لديه رغبة في التعليم، ودورنا كان توفير ما يساعده.
كان لدينا برنامج نفسي خاص بالأطفال، عمل معنا طبيب ومدرب نفسي، ومدرسون للفنون والموسيقى، وعملنا كذلك على محو أميتهم. وكان هدفنا بعد تأهيلهم نفسيًا، وعلاجهم من الإدمان أو أي شيء يتعاطونه أن يعودوا إلى المدرسة وأهاليهم.
وهل عاد أي من الأطفال الذين كانوا في "بلادي" إلى أهلهم؟
محمد حسانين: نعم. 10 أطفال عادوا لأهلهم خلال فترة الـ75 يومًا التي عملنا فيها.
اذكرا لنا مثالا من الذين عادوا لمنازلهم بمساعدة المؤسسة؟
محمد حسانين: من خلال العمل شاهدنا نماذج عديدة، كسرت النظرة المجتمعية عن أن كل الأولاد الموجودين في الشارع من عائلات بسيطة ماديا؛ فقد جاء للجمعية أحد الأطفال الذي يبدو عليه أنه من أسرة مقتدرة، وكان قد ترك منزله منذ أربعة أشهر. وقتها خلقنا الثقة بيننا وبينه، قبل أن نجد معه رقم هاتف جدته ونتصل بها "ولما والدته ووالده جم المؤسسة اتبسطوا جدا وكانوا هيدفعولنا فلوس كتبرع بس أحنا رفضنا وهو رجع معاهم"، غير أن أكثر ما أحزننا فيما بعد هو رفض عائلته القدوم للشهادة في صالحنا أمام المحكمة، خوفا على "اسم العيلة".
وهل شعرتما بخذلان بعد معرفتكم أن بعض الأطفال شهدوا ضدكم؟
آية حجازي: لم أشعر بذلك، حزنت بالتأكيد لكن متفهمة موقفهم جدا، ما تعرضوا له لم يكن سهلا "إحنا في وضعنا ده شافونا متبهدلين ومترميين في الأقسام والسجون فما بال هم مين اللي هيجي يسأل عليهم". هؤلاء الصغار انكسرت قلوبهم، ورغم ذلك فعدد قليل هو مَن خضع، بينما تحدث عدد أكبر عن المؤسسة بل وأثنوا، فهؤلاء الأولاد ثروة رغم ما حدث لهم، وهم فقط لديهم مشاكل مع أسرهم ويحتاجون إلى من يحنوا عليهم، وإن تم التكافل الاجتماعي بهم مثلما المفترض أن يحدث، سيكونون مختلفين.
أسامة طفل "بلادي" الوحيد الذي بقي على تواصل معكم في السجن.. هل تحدثتم إليه بعد الإفراج؟
آية حجازي: نحن دائما على تواصل مع أسامة، وهناك طفل آخر وجدت رسائل منه على فيسبوك، أرسلها لي بينما أنا في السجن، ظنّ أنه يمكنني رؤيتها، كان يخبرني "أنا نفسي أزورك"، وحينما تحدثت إليه، قال إن حلمه تحطم "لما بلادي راحت"، وإنه كان يذهب لمقر المؤسسة ويبكي راغبا في عودتها.
يوم القبض عليكم كان مر أكثر من عام على بدء مشروع المؤسسة.. حدثونا عن الأطفال.. أعدادهم وطباعهم ومواهبهم؟
آية حجازي: أولادنا في بلادي "كثير منهم حنية الدنيا فيهم"، أجمل أيام حياتنا قضيناها معهم. عندما كنت أمسك بالمكنسة للتنظيف يصروا على أخذها للقيام بهذا بدلاً مني، وأتذكر طفل اسمه سليمان، حينما كنت أدعوهم للنوم، يقول لأصحابه "دي أمنا ياض مسمهاش ميس"، كان صبيا رائعا، لياقته جيدة "كان نفسه يبقى بطل رياضي". وآخر لقبوه "أراجوز" لأنه يجيد تقليده، دمه خفيف، ودائما ما كان يأخذ دور "الأراجوز" عندما نقوم بعروض فنية، وأيضا شوكت صاحب صوت جميل ويهوى الغناء.
أما مازن "ده قصة"؛ كان مثقف جداً، يحب القراءة ويؤدي الامتحانات وهو في الشارع وساعة القبض علينا كانت من أصعب اللحظات، اختبأ من الشرطة، وبينما نحن خارجين وجده الأمن، رأيته يحمل حقيبة المدرسة وعينه تدمع بينما يقول لي "كان نفسي أمتحن"، ولا أعلم إن امتحن أم لا؟.
كيف دافعتم عن أنفسكم داخل قاعة المحكمة ؟
آية حجازي: اختلفت أقوالنا بين شخص وآخر، لكن المضمون واحد وهو أن القضية غير حقيقية وهو ما أثبته القضاء. أما أنا فحاولت تفنيد ما وُجه إلينا، أذكر مثلا أني دحضت تهمة خطف الأطفال حين قلت إن الأطفال ظهروا معنا على قنوات فضائية جاءت للمؤسسة عدة مرات لتحتفي بالمشروع، أما تهمة "وضع الأطفال في مكان قصي عن الأعين"، فقد أضحكتني، إذ كان عُنوان المؤسسة مدونا على فيسبوك وأعلنّاه في أكثر من برنامج، حتى أننا في أحد المرات سجّلنا حلقة للراديو ونوّهنا فيها عن عنواننا، وبعدها بساعة جاءنا أحد الأطفال ليبقى معنا.
أما محمد فقد ركّز في دفاعه على حلم المؤسسة وما تُريد تقديمه "وكنا بنقول دايما إن حماية الأطفال من واجب الدولة مش واجبنا.. لكن إحنا حبينا نساعد ودة كان جزاءنا".
هل ينتابكم الندم على تنفيذ مشروع مؤسسة "بلادي"؟
آية حجازي: "لأ طبعا.. ولو كان ده التمن اللي لازم ندفعه عشان مؤمنين بفكرتنا وإنسانيتنا فمفيش مشكلة".
ما أسوأ اللحظات التي مرت بكم في السجن؟
آية حجازي: أصعب ما مر بي هو عدم التواصل مع من أُحبهم في الخارج؛ بالأخص والدتي "كنت بخاف تتعب أو يحصل لها حاجة وانا معرفش"، أما الأمر الآخر هو الحبس الاحتياطي الذي عايشناه فيه ليلا ونهارا، دون أن نعلم متى سنخرج.
محمد حسانين: أعتقد أن أسوأ شعور باغتني داخل السجن، كان بسبب حبس 3 من أصدقائنا على ذمة القضية، دون أن يكون لهم علاقة بالمؤسسة.
وماذا عن ظروف الاحتجاز؟
محمد حسانين: أعتقد أننا استغللنا سجننا بشكل جيد جدًا، جعلناه خلوة نعيد فيها هيكلة مشروعنا، ومؤسستنا، وحتى حبنا "أنا وآية اكتشفنا حبنا من جديد جوه السجن"، كنا نكتب لبعضنا جواب كل يوم، أتصور لو خارج السجن ما كنا فعلنا ذلك. آية داخل السجن كانت تُعلم السجينات القراءة والكتابة واللغة الإنجليزية لمن يرغب، وأنا كنت أعمل على تعريف الناس كيف يتعاملون مع أطفال الشوارع.
آية حجازي: "كنا بنتكلم عن طريق الجوابات". غير أن إدارة السجن كانت لاتسمح بذلك غالباً،أما مُحمد فقد كان ممنوعا من إرسال الخطابات "اضطر يهربها أكتر من مرة عشان توصلني".
ما أكثر ما تذكرينه عن تلك الخطابات؟
آية حجازي: كان مُحمد يختتمها بجملة: "لسه أحلى يوم مجاش ولسه الأماني ممكنة". كُنا رغم الأزمة نحلم سويا بإعادة بناء المؤسسة، نقرأ كُتبا تساعدنا على ذلك، أحيانا كانت القضبان الحديدية تختفي من أمامي وأرى مكانها ما زرعناه سويا "كنا شايفين إنه خلاص فاضل خطوة ونطلع للحرية نحقق مساعدة الأولاد".
وهل كنتما تتقابلان خلال الجلسات؟
آية حجازي: لم تُتح لنا الفرصة دائما لنتحدث. أذكر أننا نزلنا ثلاث جلسات فقط على مدار 18 شهرا، وفي تلك المرات كنا نتقابل لدقيقة، وأحيانا من خلف القضبان أو الزجاج "كان شيء بشع جدا"، إلا أن محمد تمسك بالأمل دائما.
وهل فقدتم الأمل في البراءة؟
آية حجازي: دائمًا كنت أحلم بالخروج، لكن أحيانًا أتساءل "هو أنا هقضي العمر كله هنا ولا إيه"، تلك اللحظة فيها حزن كبير، لكن أحدث نفسي إن كنت ما قمت به خطأ فلا أجده كذلك. الشعور باليأس إنساني، لكن المهم كان المستقبل، لذلك حتى في لحظات اليأس كنت أتعلم اللغة الإسبانية والفرنسية وأمارس الرياضة "عشان لما أطلع أعرف اتكلم لغات".
هل شعرتم يومًا بذلك الإحساس أو الرغبة في رد الاعتبار؟
آية حجازي: بالطبع شعرت بالغضب، شعرت أننا كمصريين نكون العائق أمام تطورنا، فمن المشاعر الغريبة التي انتابتني، أننا لدينا طاقة وفكر وإحساس بالقدرة عل العمل لكنها مُهدرة كمن يحرق أمواله رغم احتياجه لها، ثم نتساءل لماذا لا نتقدم؟.
هل لديكما تخوف من العودة لمصر في الوقت الحالي؟
محمد حسانين: قرار العودة لمصر محسوم، والاختلاف فقط متى سننفذه "فيه ناس كتير بتقولنا مترجعوش دلوقتي والحقيقة خوفهم مشروع".
وماذا عن مشروع مؤسسة "بلادي"؟
آية حجازي: بالتأكيد في يوم من الأيام سنعود للعمل عليه "مازلنا مقتنعين إنه مش المفروض طفل واحد ينام في الشارع"، خاصة أن مصر بها المقومات والعقول.
وما المشاريع الأخرى التي تفكرون بها في الوقت الحالي؟
محمد حسانين: لازلنا في الأساس نحيا داخل المشاريع القديمة، لم تنته مشكلة أطفال الشوارع في مصر حتى نقوم بمشروع أخر، لازلنا نحتاج معرفة كيف يمكن أن نساهم في حل مشكلة المشروع مع الدولة، نريد الرجوع للعمل مع أطفال الشوارع، وكل ما يخص الطفل، لا نعرف كيف ومتى يحدث ذلك، ونريد أن يتحدث أحد عن الأمر.
وما الذي يساعدكم لإعادة "جزيرة الإنسانية" كما تطلقون على مؤسستكم؟
آية حجازي: "هي بس مصر ترضى أن أحنا نشتغل". بالنسبة لي الظلم وقع أكثر على الأطفال؛ سليمان أحد الأولاد كان يرسم رسومات كئيبة، دوما ما كنا نقول له أن يحاول تغييرها، وفي أخر الأيام رسم "قلب وفيه علم مصر"، ما يعني أنه بدأ يحلم ويرى الغد أفضل، فما شعرت به بعد القبض علينا "أن الناس دي كانت متعاملة مع الواقع وقابلينه وأنا جيت كسرت بخاطرهم وقلت لهم أحلموا".
اقرأ أيضا:
مصراوي يتتبع حال أبناء "جزيرة الإنسانية".. أين ذهب "عيال بلادي"؟(تحقيق)
فيديو قد يعجبك: