"السعيد" أول سفير عربي للقراءة.. "اطلبوا الثقافة ولو في الصين"
كتبت - رنا الجميعي:
منذ ثلاثة أسابيع فتح أحمد السعيد عينيه من النوم، ليجد رسالة تقول له " نتمنى الموافقة على أن تكون سفيرًا لمهرجان القراءة هذا العام ممثلًا لمدينة بكين"، رحلة طويلة سار خلالها السعيد، مؤسس ومدير بيت الحكمة للثقافة، حتى وصل لتلك الخُطوة، كانت مفاجأة بالنسبة له، فهي أول مرة يتم فيها اختيار عربي لمثل هذه المكانة بالصين.
لم يخطر ببال السعيد أن يكون أحد سفراء مهرجان "بكين تقرأ" لهذا العام، "لأن سني لم يتخطى الـ35، ولأني أجنبي"، كان واحدًا ضمن ثلاثة اختيروا من قِبل جهات عليا صينية للتكريم، وفي حفل أقيم على هامش معرض بكين للكتاب، يوم 23 أغسطس الماضي، تسلّم مدير بيت الحكمة -الأصغر سنًا من بين الحاصلين على الجائزة- درع سفير القراءة، يقول السعيد إن الحفل حضره أربعة وزراء صينيين وحشد دولي كبير.
يحكي السعيد عن حفل التكريم أنه قوبل بترحاب شديد " كان فيه لقاءات تلفزيونية كتير جدًا وحضور قوي"، كما سعد بلقاء سفير القراءة الثاني وهو الكولونيل البحري ومقدم البرامج " تشانغ تشاو تشونغ"، فيما التقطت وسائل الإعلام لهما صورًا وهم يتضاحكون ويلقون النكات، لا ينس السعيد ما قاله له أحد الصحفيين كناية عن براعته في التحدث بالصينية "قالي أعتقد أنك صيني ولكن تُمثل أنك أجنبي".
نحو ثمان سنوات استقر خلالها السعيد بالصين، لكن قبلها أعوام طويلة من التعمّق بالحالة الصينية، بدأت بدخول السعيد لقسم اللغة الصينية بكلية اللغات والترجمة بجامعة الأزهر، بعدما شعُر بالتحدي مما قاله له أبيه "قالي أنت هتضيف ايه يعني لمليار بني آدم"، بعدها بأعوام حصل السعيد على جائزة التميّز من الدولة الصينية في مجال الكتب، عام 2015.
كانت المرة الأولى التي يجمع فيها أجنبي بين جائزتين، ففي ذلك العام نال السعيد جائزة خبير ومستشار مشروع ترويج المشروع الصيني بجانب جائزة التميز، وحينما تسلّم مدير بيت الحكمة درع التكريم السابق ذكر ذلك الموقف بينه وبين أبيه.
بعد التخرج من كلية اللغات والترجمة عمل السعيد كمترجم للصينية بالسفارة الألبانية ومرشد سياحي، لكن ما دفعه حقيقة للاستقرار بالصين هي فترة عمله بدبي "رحت الصين ل3 شهور لإنتاج موقع إلكتروني للمنتدى الاقتصادي والتجاري لصالح حكومة مقاطعة نيغيشيا"، من هّنا بدأت العلاقة الحقيقية بين السعيد والصين.
اكتشف السعيد أن الثقافة الإسلامية مهمة بتلك المقاطعة، وظلّ العربي الوحيد بها على مدار سنتين، يعتبر مدير بيت الحكمة نفسه "هاوي ثقافة"، كما ذكر بإحدى الحوارات، ومنذ تعيينه كمستشار للمنتدى الاقتصادي بدأ عمله بمجال الثقافة، حيث أسس السعيد بيت الحكمة عام 2011.
صارت مؤسسة بيت الحكمة جسرًا ثقافيًا ممتدًا بين مصر والصين منذ اللحظة الأولى، حيث تم تصدير حقوق أكثر من 800 كتاب صيني للدول العربية، وأكثر من 50 كتاب عربي ترجم ونشر بالصين، كما أنها واحدة من أكبر 50 شركة في مقاطعة نيغيشيا.
منذ 15 سنة يتم تنظيم مهرجان بكين للكتاب، وعبر ستة أعوام مضت شارك السعيد ضمن الفعالية الدولية كـ"قارئ ومتحمس"، على حد قوله، "وكل مرة كنت بحضر حفل اطلاق المهرجان مخصوص عشان أشوف النجوم والمشاهير اللي بيدعوهم يكونوا سفراء للقراءة".
لكن هذه المرة لا يُشارك السعيد كقارئ ومتحمس فقط، بل كواحد من سفراء القراءة لمعرض بكين، وأصغر من حصل على اللقب، يقول الشاب إن مهمة السفير هي المشاركة في فعاليات دورية تحفز على القراءة، وترشيح كتب، وحملات تزويد المكتبات في المناطق النائية بالكتب "كذلك مساعدة الأطفال وذوي الاحتياجات على توفير محتوى يناسب ظروفهم".
بجانب نيل السعيد لقب سفير القراءة، فهو من يدير معرض مصر الدائم بمعرض الصين والدول العربية الذي يعقد في منطقية نينغشيا، والذي يعد أكبر فعالية عربية تجارية اقتصادية ثقافية بين الصين والدول العربية، وقد اختيرت مصر كضيف شرف لهذه الدورة، "دي أول مرة يبقى فيه معرض ثقافي لمصر بالحجم دا في أي مكان في العالم مش الصين بس"، ويتكون المعرض الدائم من ست أجنحة وساحة فنية على مساحة 4600 متر مربع، وعبر هذا الجناح الثقافي حرص السعيد عل نقل كل ما هو جميل من داخل مصر.
مرّ أربعة أيام على افتتاح المعرض الثقافي لمصر، منذ اليوم الأول انبهر الصينيون بشكل الجناح، فيما قالت إحدى وسائل الإعلام الصينية المقدمة بالعربية "عندما دخلنا الجناح المصري شعرنا كما لو كنا في مصر القديمة"، يذكر السعيد إنه من وضع التصور العام للمعرض الثقافي، وبجانبه فريق عمل وشركاء "كنا عايزين نخلي الصينيين ياخدوا قرار بعد زيارة المعرض إنهم يسافروا سياحة لمصر".
لذا يخطف أعينهم ما إن يدخلوا المعرض تمثالي رمسيس الثاني كما لو كانوا بمدخل معبد أبي سمبل "دا عملناه بعد استقصاء رأي لـ100 صيني"، كما ألحق بالمعرض مقهى مصري يُقدم الشاي والقهوة على الطريقة المصرية، فيما تصدح بالأجواء صوت أم كلثوم ومحمد منير ومحمد طه مُغنيًا "مصر جميلة".
على مدار اليوم الواحد يدخل للجناح حوالي 10 آلاف شخص، ويقوم فريق العمل المساعد بإدخالهم عبر طوابير "وجبنا متطوعين ينظموا الحركة داخل القاعات عشان الوقت يمر بسرعة وميكونش فيه تدافع"، ويؤكد السعيد أن الإقبال الأكبر على تمثالي رمسيس الثاني ومستنسخ كرسي توت عنخ آمون، والمقهى المصري.
فيما يُفترض أن الجمهور القادم لمعرض الصين ممن يجيدوا اللعة العربية، فقد كان انطباعهم الدهشة "لأنهم أول مرة يشوفوا كتب عربية بالكم"، وتركزت أكثر أسئلتهم حول أعمال نجيب محفوظ بالعربية. هناك اختلاف، كما يذكر السعيد، بين معرض بكين للقراءة ومعرض القاهرة الدولي للكتاب "مهرجان بكين يهتم بالإصدارات الجديدة فقط"، بينما يصف مدير بيت الحكمة معرض القاهرة كـ"تظاهرة ثقافية متكاملة".
ثمان أعوام للسعيد بالصين، أصبح شخصية معروفة هناك، فيما حدث ذلك كله عبر القراءة، فحقّ له أن يحمل راية الثقافة عبر البلاد، فيما قال خلال حفل نيله لقب السفير إن القراءة قادرة على تغيير حياة الإنسان "أنا من أسرة متوسطة وعادية جدًا وسبب وقوفي هنا إني حبيت القراءة"، فيما أصبح السعيد رسولًا لها في بلد غير وطنه.
فيديو قد يعجبك: