"باسم حرز".. حكاية قبطي قدم روحه لـ"داعش" فداءً لشقيقه الأكبر
كتبت-فايزة أحمد:
لم تكن السماء الملبدة بالغيوم، والرياح العاصفة بالشوارع يوم السبت الماضي، السبب الرئيس في حالة القلق التي تملكت من أسامة حرز الذي بدأ عمله رفقة شقيقه "باسم" بأحد المحال الخاصة ببيع "إكسسوارات الموبايلات"، وسط مدينة العريش، وإنما شيء آخر جعله ينهي عملهما مبكرًا، على غير العادة، ثم يعود إلى المنزل "قلبي كان متوغوش.. قولت له يلا يا باسم نروح".
كانت الساعة قاربت التاسعة مساءً، أخذ الشقيقان يُفتشان عن حافلة تقلهما من منطقة "الموقف الجديد" إلى حي "الصفا"، غير أن الحافلات اختفت، ليظهر بدلًا منها ثلاثة أشخاصًا مكشوفي الوجه يحملون السلاح، أمروهما-بلهجة عرب سينا- بالتوقف عن السير "قالولنا اثبت أنت وهو.. وقفونا سألونا عن أسمائنا"، ظن الشقيقان أنهم قُطاع طرق "قولت لهم لو عاوزين فلوس خدوا اللي أنتم عاوزينه.. بس خلونا نروح"، لكن المال لم يكن هدف هؤلاء "قالوا لنا لا إحنا مش بتوع فلوس"، بحسب حديث أسامة لـ"مصراوي".
بارتباكٍ شديدٍ تلفت أسامة فيما حوله، محاولًا عبثًا العثور على أي شخص في المكان غيرهم، اعترته مشاعر مختلطة أوقفتها كلمات شقيقه المفاجئة المُفجعة في آن معًا "قالهم أنا عارف أنتم عاوزين إيه.. سيبوا الراجل دا علشان عنده عيال.. أنتم عاوزين مسيحيين أنا مسيحي"، ينظر إليه مشدوهًا، عيناه تغمرها أسئلة عدة موجهة له "رفع ايده لهم وشافوا الصليب عليها"، قضي أمر باسم، لكن قبل تنفيذ حكمهم عليه اتجهوا بأنظارهم إليه "أنا الصليب بتاعي مرسوم فوق المعصم ودا خلاهم ما يشوفهوش".
أُمر الرجل الثلاثيني، بأن يُعطي ظهره لشقيقه الذي قدم حياته فداءً له "رفعوا السلاح على راس باسم وقالولي بص قدامك، ولو بصيت وراك هنضرب عليك رصاص"، مجبرًا على أمره تقدم بخطوات ثقيلة للأمام تاركًا أخيه ورائه، سمع صوت الرصاصة الأولى "قبل ما دخلت في دماغ باسم حسيت أنها دخلت في قلبي".
هرول الشقيق الأكبر، محاولًا العثور على أحد أفراد الأمن ليستغيث به، من أجل إنقاذ شقيقه الأصغر الذي تركه مُضرجًا في دمائه، وذكريات عدة لم تنفك تهاجم رأسه طيلة الطريق "أنا اللي جبت باسم العريش من بلدنا في سوهاج وهو لسه عيل في أولى ابتدائي.. كنت بعتبره ابني الكبير"، عقب طرق وعره وجد كمينًا بالقرب من منزله "طلعت للظابط قولتله أخويا اتقتل"، انتقلت بعض العساكر إلى مكان الحادث رفقة أسامة، ليجدوا "أخويا اضرب كمان رصاصة بعد ما سبت المكان".
بصوت مُهتز يسترجع "حرز" سبب عودته إلى العريش مرة أخرى مصطحبًا شقيقه، عقب نزح أسرتهما ضمن عشرات من الأسر القبطية فبراير العام المُنصرم، في أعقاب اشتداد العمليات المسلحة ضدهم من قِبل المُتشددين "روحنا على الإسماعيلية، وبعدها رفضنا نقعد هناك، فاضطرينا نروح نقعد في "عزبة النخل"، لكن عقب أشهر قلائل لم يستقر لهم المقام هناك.
"أنا عندي 5 عيال ووالدي ووالدتي.. الكنيسة كانت بتدفع لينا الإيجار لكن مكنش فيه شغل.. باسم لما شاف الحال كدا.. قال هرجع العريش أنا، وأنت خليك مع عيالك"، أبى الشقيق الأكبر ذلك "قولت له لأ أنا معاك.. لو مت نموت مع بعض"، ظن الشقيقان أن الأمور استتبت لهما هناك، عقب ستة أشهر من العودة، حتى وصل بهما الأمر إلى جلب والديهما أيضًا "عمري ما فكرت لحظة أننا هيحصل لينا كدا".
من العريش إلى القاهرة، وصل خبر باسم إلى الأهل والأصدقاء، فما كان من أحد أصدقائه- الذي رفض الإفصاح عن اسمه-، إلاّ أن يهرول مُلتقطًا هاتفه المحمول، ليبحث عن رقم باسم رافضًا أن يُصدق، لم يجبه صديقه بل قتلته "لقيت واحد بيقولي إحنا جنود ولاية سينا وإحنا اللي قتلنا الكافر صاحب التليفون، وأي حد من النصارى الكفرا هييجي العريش هيحصّله"- بحسب حديثه لـ"مصراوي".
حالة من الهلع تملكت من صديق باسم، ذلك الذي نزح من العريش أيضًا، عقب تلقيه تهديدات من قِبل قتلة صديقه "مكنتش متخيل أنهم يردوا ويتكلموا بالبجاحة دي.. إحنا كأقباط.. العريش بقت متحرمة علينا، وإلا هنحصل باسم.. كوني مسيحي بقى دا تهديد لينا".
فيديو قد يعجبك: