إعلان

السودانيون في مصر بعد سحب السفير.. "رِجل جوا ورِجل برة"

08:18 م السبت 20 يناير 2018

مقاهي ومحلات السودانين فى مصر

معايشة - علياء رفعت:

تصوير - أحمد طرانة:

علاقاتٌ متوترة، أزمة سياسية حدتها مُتصاعدة، وإجراءاتٌ دبلوماسية عاصفة، وصفها الخبراء بـ "تقييم المواقف والعلاقات".. هكذا بدا الحال مؤخرًا في العلاقات المصرية - السودانية عقب سحب السودان سفيرها من مصر. القلق ساد الأجواء بين الجانبين، إلا أن الجانب المصري لم يتخذ أى إجراء دبلوماسي من شأنه تصعيد الأزمة، بينما صرح الرئيس السيسي بشكلٍ واضح أن مصر لا تعتزم الدخول في حرب مع إثيوبيا والسودان، مُشيرًا إلى أن "مصر لن تحارب أشقاءها".

"مصراوي" انتقل إلى أماكن تجمع السودانيين بالقاهرة، عايشهم، واستمع إلى آرائهم بشأن الأوضاع السياسية الحالية، ورصد أهم مخاوفهم في حال تفاقم الأزمة بين البلدين عما هى عليه.

2

بين ربوع وسط البلد، وتحديدًا بميدان الأوبرا يمكنك أن تلحظ بوضوح تكاثر أعداد السودانيين المتواجدين بالمنطقة، والتي تحولت بعض حواريها لمُستقرٍ لهم يتخذون منه حوانيت تبيع العطارة السودانية، مطاعم لمأكولاتهم الشعبية، ومقاهي يرتادونها بحرية مُشكلين العدد الأكبر من روادها دون أن تتم مضايقتهم بكلماتٍ عنصرية لاختلاف لون بشرتهم.

"قهوة السودانين منين؟" بهذة الكلمات استدللنا على مكانها، وبين حواري وسط البلد تجولنا بصحبة أحد السودانين وصولًا إليها، عبر شارعٍ ضيق انتقلنا من ميدان الأوبرا لحارة "الصوفي"، تلك التي يقودك إليها ممر مليء بالسودانيين الذين يجلسون على جانبيه، بعضهم يقوم بتصليح الساعات، والبعض الآخر يبيع التبغ والسجائر أو يجلس إلى جوار محلات المأكولات بانتظار تجهيز وجبةٍ تُذكره بوطنٍ يشتاقه.

على بُعد حوالي خمسة أمتار من مدخل حارة "الصوفي" تنتشر محلات الأقمشة التي تجاورها "قهوة الأهرام"، ملاذ السودانيين الآمن للالتقاء والنقاشات. هُناك التقينا كلا من "مُبارك وأحمد"، وإلى جوارهم اتخذنا مجلسنا.

3

قبل أربعة سنوات، كان "أحمد إدريس" العشريني يواجه مصيرًا محفوفًا بالمخاطر والانتهاكات في دارفور التي سعى للفرار منها بالسفر للأردن، إلا أنه عقب العديد من المفاوضات بين الحكومتين السودانية والأردنية -بحسب أحمد- تم ترحيله للسودان مرة أخرى ليستقر به المقام في أحد السجون السودانية، التي عمل على الهروب منها وطلب اللجوء فاستقر به المقام في مصر بشكلٍ مؤقت حتى يتم توطينه ببلدٍ أوربي.

"ما عندنا مشاكل مع المصريين بنحبهم ويحبونا، والحرب الدايرة في السياسة بين الحكومات بالتأكيد هتأثر على أوضاعنا"، يقولها أحمد العشريني -بعد أن طلب إخفاء ملامحه خوفًا على وضعه كلاجىء- مؤكدًا على المحبة التي شمله المصريين بها منذ قدومه من السودان واستقراره بمصر، ولكنه يخشى أن تؤثر القرارات الدبلوماسية السودانية الأخيرة على الحكومة المصرية التي قد تقوم باتخاذ اجراءات مماثلة فيزداد الاحتقان بالشارع المصري مما يُمكن أن يهدد وجوده بمصر أو يعرضه للمضايقات.

الأزمة السياسية بين البلدين سببها كما يرى أحمد "قصة حلايب وشلاتين، إذا بتردها مصر للسودان يتحل كُل شي". فالشاب العشريني شأنه شأن العديد من السودانين الذين يقرون بأحقية بلدهم في حلايب وشلاتين ويعتبرون أنها جزء من الأراضي السودانية ويجب أن تُعاد إليها مرة أخرى.

4

الأمر ذاته يُقره "مبارك" الأربعيني، الذي التقط طرف الحديث من أحمد مُضيفًا "في كُتب التاريخ بالسودان بندرس إن حلايب وشلاتين سودانية.. اتربينا على كده وولادنا دلوقتي بيدرسوا نفس الشيء".

ثلاثة أشهر، هى مُجمل المدة التي قضاها "مبارك" بمصر منذ قدم من السودان بفيزا سياحية لتلقى العلاج بسبب تدهور أحواله الصحية. تلك المدة على قصرها كانت كافية لجعله يتجاذب أطراف الحديث مع العديد من المصريين الذين يقرون بمصرية حلايب وشلاتين، لتترسخ لدى الرجل الأربعيني قناعة بأن "الأمور راح تسوء أكتر وهتكون في ضغينة بين الشعوب إذا البلدين ملجأوش للمفاوضات حاليًا".

5

سد النهضة هو الآخر يعد أحد الأسباب الرئيسية التي يُقر "مبارك" أنها الفاعل الرئيسي في توتر العلاقات بين البلدين، وهو ما يلمسه الشارع السوداني بأكمله عقب دعم السودان لإثيوبيا في بناءه بعد إعلان بأن إقامته لن تؤثر على حصة مصر من المياه، وبأن إثيوبيا لها الحق في بناء السد وتوليد الكهرباء والاستفادة منه.

قبل قدوم "مُبارك" لمصر؛ كانت النقاشات تدور في الشارع السوداني حول تصاعد التوتر بين البلدين، بينما كانت النبرة السائدة بين السواد الأعظم من السودانيين، بحسب مُبارك، أن "الوضع بين البلدين سيصل للانفجار إذا لم يتم احتوائه وتصفية الأمور العالقة بالمفاوضات"، ليأتي سحب السفير السوداني دليلًا على تنبؤاتهم.

6

على جانب الطريق، في شارع أحمد عصمت بمنطقة عين شمس جلس "أوهاج" أمام أحد المقاهي المعروفة بارتياد السودانيين لها بكثرة. ومن وراء صندوق خشبي صغير تعلوه أكياس التبغ السوداني، كان الرجل الخمسيني يبيع بضاعته وهو يلقي التحية على الجالسين أو العابرين بلهجة مصرية لا تمكنك من معرفة جنسيته الأصلية التي لا يمكن أن تستدل عليها سوى من لون بشرته الأسمر.

7

خمسة عشر عامًا قضاها "أوهاج" بمصر، بعدما فرّ من التناحر السياسي في السودان بعائلته. تلك الأعوام كانت كفيلة لتجعله منخرطًا في المجتمع المصري مُتشربًا لثقافته، ولكنه في الوقت ذاته مُعتدًا بسودانيته ومُناصرًا لما يراه حقًا سودانياً خالصًا "سبب كل المشاكل دي قضية حلايب وشلاتين وهى بالأصل سودانية، مش عارف ليه الحكومتين ميتفاهموش وتردها مصر للسودان!".

ذلك هو ما يؤمن به "أوهاج" ومعظم السودانيين كما يؤكد، بينما يتساءل "ليه ميبقاش في تحكيم دولي للقضية دي وتتحل النزاعات بين البلدين بدل ما تفضل الأوضاع في سوء مستمر بيأثر على معيشتنا في مصر؟".

8

أمام مقر مفوضية اللاجئين، كان "محمد عيسى" يقف وهو يرتب العديد من الأوراق التي تخُص طلب لجوئه بمصر والذي تقدم به للمفوضية بعد قدومه من السودان. توتر العلاقات بين البلدين في الوقت الحالي هو ما يصيب الرجل الخمسيني بالقلق خوفًا من رفض طلبه، فيضطر مرة أخرى للعودة للأحوال السيئة والتي فر هاربًا منهًا "رغم إني قدرت أوصل مصر بصعوبة بس بشعر إن رجل جوا ورجل برة". استهداف قبيلة محمد في إلى جانب قبائل أخرى هو ما دفعه لمحاولة الفرار من البلاد فقبيلة الـ"بجا" هى إحدى أكبر القبائل المستهدفة في السودان.

الأمان هو كُل ما ينشده "محمد" من خلال تواجده في مصر فهو لا يحلم بأكثر من منحه اللجوء الذي يظن أن الخلافات بين البلدين قد تعوقه، بينما يتعجب كثيرًا من موقف السودان في مناصرتها لإثيوبيا ببناء سد النهضة، فكما يرى "حصة البلدين من المايه هتتأثر أكيد ببُنا السد ده، مش عارف ليه الحكومة السودانية مش واقفة جنب مصر".

حِدة الخلاف المتصاعد بين البلدين يؤكد "محمد" أن السبب الرئيسي فيها قضية حلايب وشلاتين، ولكنه يرى بأن الحل الوحيد لتلك الأزمة هو المفاوضات، والتي بغيرها سيدفع أفراد الشعبين السبب "بتمنى الخلافات تتحل ويوافقوا على طلب لجوئي واقدر اجيب مراتي وولادى من السودان عشان نعيش في مصر بأمان بعيد عن النزاعات".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان