الخال والد.. وتلميذ أحياناً (قصة مصورة)
كتب- أحمد الليثي:
تصوير- فريد قطب:
"في السفر سبع فوائد" عبارة لا يعيها عقل نزار الصغير، لذا حين قرر والده الترحال صوب الإمارات بحثا عن باب للرزق لم يكف عن البكاء، فيما خبأت له الأيام فوائد أخرى، وقتما حل خاله محل أبيه، فأضحى ملازما له بل وصديق دراسة!.
قبل ستة أشهر كان نزار صاحب الثلاث سنوات على موعد مع قبوله للالتحاق بمدرسة الجلاء بحي الدقي، وقبل بداية الدراسة جاء سفر الأب فجأة، فما كان أمام والدة نزار سوى قرارين، الأول هو ترك شقتها -ومعها تأجيل دخول الصغير للمدرسة هذا العام- والذهاب للعيش مع أهلها بأكتوبر، فيما كان هناك بديل ناجع "اتفقت مع أحمد أخويا إنه ينقل من مدرسته هناك ويجي مع نزار في نفس المدرسة.. منها يبقى معايا ومنها يخلي باله من ابن أخته" تقول الأم بوجه معلق بين الابن والأخ، بينما تفتح باب شقتها استعدادا لأول يوم دراسي.
في تمام السادسة صباحا تبدأ الكرة، لا يترك الخال ابن شقيقته طيلة اليوم، يشاركه كل اللحظات، من الصحو، حتى النوم؛ غسيل الأسنان، المكواة، ربط الحذاء والكرافت، حتى وقت المذاكرة لا ينفصل أحمد عن نزار "أبوه موصيني إني أعملُّه شخصية وأصاحبه، أنا بفهمه كل حاجة بالراحة وهو للأمانة بيسمع الكلام.. وحتى بيقولي يا أحمد مفيش يا خالو وكده، أصحاب بقى".
"هنجنن الدنيا" صيحة أطلقها نزار مع أولى خطواته صوب المدرسة، معلنا عن دستوره الخاص "أنا عارف إن العيال اللي بتعيط وحشين.. وأنا بابا قالي أنت حلو يا نزار افرح وأنت رايح المدرسة" لذا نفذ نزار الوصية بحذافيرها، وهو يسير منتشيا يطرح مع كل خطوة براءة، ويركل بقدمه الصغيرة كل مخاوف الأم، مؤكدا أنه صار رجلا مثلما همس في أذنه والده قبيل السفر.
5 دقائق هي ما يفصل أحمد ونزار عن مدرستهما، يعبران الشارع المزدحم بالسيارات في حذر، ثم يمارس نزار حياته بالطريقة التي تحلو له؛ تارة يحمل الخال صغيره، ومرة يسيران جنبا إلى جنب، يركض نزار وخلفه أحمد، حتى الألعاب الطفولية داخل حوش المدرسة يتشاركان فيها حتى ذابت بينهما الفوارق وكأنهما رفيقا نفس "التختة".
رغم أن أحمد رأفت، خال نزار، لم يكمل عامه السادس عشر بعد، غير أن حياته دخلت منعطفا جديدا "حسيت فجأة إني عندي حمل؛ بفكر في الثانوية العامة ومجموعها.. وكمان أختي، ونزار اللي كان في خيالي حبيبي الصغير أبو دم خفيف بقى مسئول مني".
يحمل نزار حقيبة تمثل أكثر من نصف طوله، يعبث في شعره معتزا بتقليده لمحبوبه "محمد صلاح"، يحكي بجدية "كنت بقول لبابا مش أنت صورته كذا مرة في الملعب.. ليه مش بتجيبه معاك؟"، لا يشغله شيء سوى اللعب، يقفز فرحا وهو يقبض على قطعة الشيكولاتة، هديته اليومية، يحتضن مُدرسته وهو يعدد أسباب حبه لها "عشان بتخليني أرسم البطة بلون بينك وأصفر وبتسيبني ألعب كتير وكمان وعدتني هتعملي حفلة لما أذاكر وأسمع الكلام".
لا يزال أحمد يعيد ترتيب حياته من جديد "بدور على مدرسين في الدقي بعد ما سبت كل حاجة في منطقتي القديمة وباخد كورس إنجليزي هنا".. راحة أسبوعية يتخذها أحمد من المسؤولية؛ ليعيش حياته شابا منطلقا، فبعد نهاية الدراسة يوم الخميس يتجه صوب أكتوبر رفقة شقيقته ونزار "بروح أقابل شلتي القديمة ونلعب في النادي باسكيت". ومع صباح السبت يعاود أدراجه للدقي استعدادا ليوم دراسي جديد بصحبة صديقه المدهش "نزار".
أحيانا يترك نزار ألعابه المبعثرة ويشرد قليلا، ثم يبدأ في طرح أسئلته الطفولية "هو بابا هيجيلي المدرسة أمتى؟.. أنا عارف إن الحاجات الحلوة اللي أحمد بيجيبهالي هو اللي باعتها.. طيب هو بابا بطل السجاير عشان يبقى شاطر زي محمد صلاح.."، يطلق أسئلته وسط حيرة الأم وذهولها بينما يبهجها تعلقه بوالده رغم بُعد المسافات "بيجري يجيب صورته ويبوسها وأنا بخليه يكلمه على الإنترنت كل يوم".
يعرف أحمد جيدا أن نزار قد يسافر لوالده قريبا، وأن حياته ربما تعود لطبيعتها السابقة دون مسؤوليات أو بُعد عن رفاقه الدائمين، لكنه لم يكن مدركا أن قلبه سيصير معلقا بالطفل الشقي إلى هذا الحد "حاسس إنه جالي من السما عشان يخليني أذاكر كويس وأجيب مجموع وطول الوقت مهتم بيه وخايف عليه". بينما يتابعه نزار المعلق برقبته ويرد التحية بأفضل منها قائلا: "أحمد ده حبيبي وبسمع كلامه وبحب ألعب معاه أوي أوي".
فيديو قد يعجبك: