من "ميس نهى" إلى "أصحابها الصُغيرين": درس اليوم في "بنبوناية"
كتبت-إشراق أحمد:
فرحة خاصة تلمس قلب نهى حسين، كلما لاحظت تغييرًا في أبناء حضانتها أو أخبرتها أم أن طفلها "اتحسن وبقى يسمع الكلام". التعامل اليومي لمعلمة رياض الأطفال، طيلة سبع سنوات، جعلها تشعر أنهم يفتقدون لمن يتحدث إليهم، مَن يشجعهم ويثق بقدراتهم، بدلاً من الجلوس طويلاً أمام أفلام "الكرتون". وذات يوم خطر لنهى فكرة "أكلم كل الأطفال مش ولاد الحضانة بس"، فأصبحت على ميعاد مع "أصحابها" كما تناديهم، لتقدم لهم كل خميس "بونبوناية سلوكية".
قبل خمسة أشهر، تحديدًا 17 مايو الماضي، نشرت نهى أول حلقة مصورة على الصفحة التي انشأتها على فيسبوك باسم "بنبوناية سلوكية"، لنشر السلوكيات الإيجابية بين الأطفال حسبما حرصت أن تُعرفها. كانت تلك المرة الأولى التي تقف فيها ابنة الإسكندرية متحدثة للأطفال دون أن تراهم.
داخل محل بقالة "سوبر ماركت"، حملت نهى عروس أسمتها "زيزو"، وتبادلت معها الحديث، كأنما طفل يتصرف بعفوية، ثم بلطف تُعدل "ميس نهى" ما يفعل، تنهاه عن الركض أثناء دخول المكان، وتشيد بوقوفه في طابور الدفع.
لم يكن الأمر يسيرًا، نحو شهرين استعدت الحاصلة على ماجستير في طرق ومناهج التدريس للحلقة الأولى اتفقت مع أحد المصورين ثم تهيأت "في الأول كان صعب تحضير الحلقة والوقوف قدام كاميرا" تقول نهى. أطالت الشابة الوقوف أمام المرآة وفي الشرفة، حتى في غرفتها، أخذت تُذاكر ما تكتب، وتُعيد أداءه أمام مَن تعرف إلى أن حانت لحظة التصوير.
كان حلمًا لنهى أن تقدم برنامج للأطفال، لاسيما أن التليفزيون والإذاعة المصرية يفتقدون ذلك حسب قولها "مفيش غير برنامج واحد غير كده كله كرتون". سعت الشابة لتحقيق أمنيتها؛ ما تركت إعلان عن الحاجة لمقدمي برامج إلا وتقدمت، أمضت سنوات تسافر إلى القاهرة لأجل هذا لكن دون رد، لتحدث نفسها أنه لا فائدة من الانتظار بينما الوقت يمر، فقررت عمل برنامجها الخاص بإمكانياتها الذاتية "وقلت لو محصلش حاجة والموضوع منجحش هيبقى كفاية أني انبسطت".
خبرة التعامل مع الأطفال منذ كانت في كلية التربية، قوّت من عزيمة نهى لتنفيذ الحلقات التي بلغ عددها 20 حتى الآن. تعشق نهى الصغار، وزادت الدراسة من حبها لهم.
التحقت الشابة بكلية التربية الرياضية، قاومت رفض والدتها لفكرة أن تصبح مُدرسة ألعاب "كنت حابة التدريس لكن مدخلتش تربية عادية عشان كنت عايزة الدراسة اللي فيها عملي وحركة" تحكي نهى عن بدايتها مع تعليم الأطفال في العام الثاني لها بالجامعة "حبيت المرحلة اللي قبل المدرسة وقلت خلاص ده طريقي".
عملت نهى في العديد من روضات الأطفال، قبل أن تفتح روضتها الخاصة، وبدأت معها تجربتها في لملمة سلوك الصغار "أي موقف بيعمله طفل بقول لنفسي مش عايزة الولاد تعمل كده طيب أعمل ايه"، تتحدث المعلمة حينًا وتستخدم العرائس حينًا آخر. تختبر حيلها حتى تستقر على ما يفلح في تغيير سلوكهم "دلوقت المواقف بقت تتكرر وبقيت عارفة إيه أفضل حل للموقف ده"، وأحيانًا تستعين بأخصائية اجتماعية صديقة لها كي تضمن تعاملها السليم كما تقول.
كأنما مذيعة لإحدى برامج الأطفال، تقف نهى أمام الكاميرا، غالبًا ما يكون ذلك يوم الاثنين من كل أسبوع، فقط يتغير المكان ما بين الحضانة ومنزلها والأماكن المفتوحة. لا تبدأ صاحبة الواحد والثلاثين ربيعًا تسجيل حلقة إلا بعد ثوانٍ. تغمض المُعلمة عينيها، تستشعر وجود الصغار حولها "بحس كأني شايفاهم وباصة في عينيهم وبقول لهم ركزوا معايا"، حينها فقط تهم بالحديث عما استعدت له قبل تلك اللحظة بأيام.
بابتسامة بشوش تطل نهى، تستهدف الأعمار حتى العشرة أعوام، سنوات تأسيس الصغار كما تصف، لهذا لم تعد تترك مجال تستمد منه الأفكار إلا وتلتفت إليه، من دراستها وأصدقائها وحتى الصفحة باتت تستقبل عليها اقتراحات للحلقات مثل الحديث عن الواجب المدرسي.
بكاميرا وميكرفون ومصور يعين على المونتاج تخرج الحلقات. ما يهم المعلمة أن يستفيد الأطفال بما متاح من إمكانيات. لهذا لا تتردد في مشاركة أصدقائها أو أبنائها في الحضانة "استعنت في بعض الحلقات بولاد كانوا معايا ولسه على تواصل معاهم"، وكذلك خلقت شخصية يرتبط بها المتابعين الصغار، من خلال العروس المتحرك "زيزو" وحينما وجدت بها مشاكل استقبلت ضيف جديد اسمته "بيجو".
"زيزو مكنش بيتحرك، لازم يفضل قاعد على رجلي، فده كان ممكن يوصل للأطفال أنهم يفضلوا كده" تقول نهى بينما تحكي عن الصديق الجديد الذي مكنها من الحركة أكثر، واكتشفت معه موهبتها في الأداء الصوتي، فأصبح "بيجو" يطل بصوتها رغم مشقة ذلك "بنسجل صوت بيجو لوحده وفي التصوير بحسب الوقت اللي هسكت فيه عشان لما نظبط في المونتاج".
انقضت خمسة أشهر وتواصل نهى نشر الحلقات. تلقت ردود فعل إيجابية، باتت تعرف أسماء أمهات وجدات تتواصلن معها، تذوب مع مكالمات صغار يخبرونها أنهم أصبحوا يحسنون التصرف مثل بيجو. لكن أكثر ما تأثرت به كان السبت الماضي، حين حضرت إلى مكان عملها، طفلة ذات خمس سنوات تسمى ريتاج، جاءت بصحبة والدتها، بعدما أخبرتها عن رغبتها في رؤية "ميس نهى".
لم يكن قلب نهى يساع سعادتها حين رأت الصغيرة "حسيت أني عملت انجاز وأن فعلا حد بيستفيد". ومع ذلك تلقت صاحبة "بونبوناية سلوكية" الانتقاد، ففي إحدى المرات تحدثت عن "اتيكيت" الجلوس والطعام للأطفال فأخبرها أحدهم "ده تقعيد ما تسيبوا العيال تقعد براحتها"، فيما أخبرها أخرون عن عدم إعجابهم باسم الصفحة، لكن نهى استقبلت التعليقات بصدر رحبت، واستعانت بها لتحسين ما تقدم حسبما تقول.
العناد أكثر ما تشتكي منه الأمهات للمعلمة، ومؤخرًا استقبلت نهى اقتراحات عديدة للحديث عن التنمر والتحرش، وهو ما تنويه الشابة في الأيام القادمة.
أصبحت الصفحة طقس يومي في حياة نهى، تتلهف له أسبوع تلو الآخر "طول ما الحلقة منزلتش بحس أني عندي صداع ومضايقة وتعبانة" تحكي المعلمة الشابة عن حالها بينما تعد مقطع مصور جديد، فقد باتت الراحة في رؤية ما انتجت، خاصة على وشوش صغارها في الحضانة "بفرجهم على الحلقة كل خميس وبعرف ايه اللي اتعلموه منها".
زادت ساعات عمل نهى من أجل الصغار، تمتن لكل لحظة تعمل فيها على مشروعها، يزيد تمسكها بحلمها بأن يصبح "برنامج أطفال كبير" يجوب مصر ويمكنه السفر إلى الخارج، ليمد أصحاب السنوات العشر الأولى بما يفيد ويشبع نفوسهم البريئة.
فيديو قد يعجبك: