حكاية آخر سينما في "ملوي".. "ناس وتراث" تُنظم فعالية للحكي عن التراث
كتبت-دعاء الفولي:
تصوير-يوسف مراد:
كانت أماكن أفيشات الأفلام معروفة في مدينة ملّوي بمحافظة المنيا. يمر عليها محمد رمضان أثناء ذهابه للمدرسة، يُحاول تخيل شكل سينما "ملوي بالاس" من الداخل، يسمع فقط عن مساحتها الشاسعة وتاريخها العريق، تمنّى لو شاهد فيها أفلاما، لكن حظّه السيء أنها اُغلقت عام 1994، فيما عُمره 10 أعوام فقط، والآن وبعد مرور 24 عاما، حقق جزءً من أحلامه؛ أقام برفقة آخرين فعالية داخل السينما المهجورة لتذكير الناس بها.
منذ عدة أيام وداخل "ملّوي بالاس" نظمت رابطة تراثنا، فعالية لإعادة إحياء السينما القديمة، بالتعاون مع فرقة الورشة التي قدّمت عرضا لرقص التحطيب، بالإضافة لفقرات من الحكي عن السينما بمشاركة الحضور.
رابطة تراثنا تم تأسيسها بداية عام 2016، لتضم 10 مبادرات تهدف للحفاظ على التراث المصري والآثار من سبع محافظات، ضمنها مبادرة "توثيق آثار المنيا"، التي دشنها رمضان عام 2013، بعد أحداث عنف شهدتها محافظة المنيا، ما أدى لاقتحام متحف ملوي وسرقة بعض مقتنياته.
في نهاية الثلاثينات، كانت المدينة الصعيدية تزخر بعدد كبير من الحاصلين على تعليم جامعي "وحوالي 19 واحد معاهم الباشاوية غير البهوات" حسبما يحكي رمضان، جعل ذلك "ملّوي" داخل بؤرة النور، حتى أن الملك فاروق زارها وكذلك رئيس الوزراء الراحل مصطفى النحّاس باشا، وتم إنشاء السينما في الأربعينيات.
على مساحة 4000 مترا امتدت السينما، انقسمت لجزئين بالتساوي؛ أحدهما صيفي، والآخر تم تصميمه ليسع أكثر من 600 مشاهد، توزعوا بين المقاعد العادية، "البلكون"، "البنوار" و"دكك خشبية كانت بتتحط بين الكراسي والشاشة عشان لو حد معهوش غير 3 قروش بس يقدر يدخل يتفرج على الفيلم ويقعد عليها".
السينما ليست ملكا للدولة "هي لأصحاب الأرض، وحاليا الورثة هما اللي بيأجورها، لكنها مينفعش تتهد عشان مبنى ذو قيمة معمارية"، لم يكن الزمن حانيا على الجزء الصيفي من السينما "وقع للأسف لوحده مع الإهمال والوقت"، غير أن القاعة المغلقة احتفظت برونقها.
قبل يومين من بدء الفعالية، دخل أعضاء المبادرة للسينما، قاموا بتنظيفها، أراد رمضان الحفاظ على الشكل الكلاسيكي، مخططا مع الآخرين كيفية إدارة اليوم، لم يظن رمضان أن يضم الحضور أعمارا مختلفة من الناس "كانت فرصة إن الكبار يحكوا لنا عن ذكرياتهم والصغيرين يتبسطوا بالحالة".
كأنما انفتحت لهم طاقة من النور؛ انسابت الروايات على ألسنة من حضروا اليوم. كتلك السيدة التي اعتادت القدوم رفقة زوجها الراحل "حكت وهي بتعيط وبتفتكر أيامهم سوا وإنها بقالها 40 سنة معتبتش السينما دي"، فيما يذكر رمضان أن خاله دائما ما حكى له عن مشاهدته فيلم "دعاء الكروان" داخلها "كان بيفتخر إنه عاش في فترة زي دي".
مازالت السينما العتيقة تحتفظ بجهاز العرض القديم، من خلال عُرضت أهم الأفلام العربية والعالمية. حينما دخلها رمضان لفتت نظره تفاصيل كثيرة "زي إنها مزودة بطبقة شبه عازلة للصوت عبارة عن الخيش بيغطي الحيطان كلها، غير إن التهوية متوزعة بشكل كويس بحيث لا تحتاج تكييف ولا مروحة".
بين الموجودين كان لرمضان نصيب من الحكي، يتذكر منتصف التسعينات، حيث اجتاحت حُمّى العنف محافظة المنيا، وبينما هو ذاهب إلى مدرسته اصطدمت عيناه بثلاث جثث على الطريق تم تغطيتهم بورق الجرائد "وفي نفس الوقت وقعت عيني على بوستر فيلم اللعب مع الكبار اللي كان بيتعرض في السينما ساعتها"، لم تمر أشهر معدودة حتى تم إغلاق المكان بالكامل، رُبما لذلك يمتنّ رمضان للفعالية "فيه جيل كامل ملحقش يشوف السينما، كانوا بس بيعدوا عليها وهي مقفولة".
"ملوي بالاس" هي المبنى الأخير القائم ضمن 6 دور عرض أخرى في المدينة تهدّمت جميعها "رغم إن عدد سكان ملوي حوالي مليون نسمة". لا أمل في إعادة افتتاحها "دي مش رغبة الورثة، هما تفضلوا مشكورين بتأجير المكان لينا"، وفيما عدا ذلك فهي معطلة عن العمل.
لم تكن فعالية "إحياء سينما ملوي" سوى محاولة للتوعية بالتراث، وتذكير الناس أن "الفن والأدب والموسيقى وغيرهم هما اللي بيقللوا العنف بكل أشكاله مع الوقت" حسبما يحكي رمضان.
فيديو قد يعجبك: