بعد غرق "معدية البحيرة".. ركاب معدّية الوراق: "مفيش غيرها.. وربنا يستر"
كتب- أحمد شعبان ومحمود عبد الرحمن:
منذ عام 2002، اعتاد وليد محمد، القاطن بجزيرة الوراق، أن يستقل يوميًا "المعدية"، متوجهًا إلى عمله بأحد مصانع الملابس على الناحية الأخرى من النيل. طقس يومي لدى صاحب الـ27 عامًا ووسيلة نقل لا يعرف غيرها، تصل إليه أحيانًا أنباء عن الحوادث المتكررة للمعديات في مناطق شتى بمصر، يصيبه القلق أحيانًا، لكن في النهاية "لازم هركبها، لأن محدّش يعرف يدخل الجزيرة أو يخرج منها غير بالمعديات".
عند منحدر ترابي طويل على المرسى الموازي للنيل في الضفّة المقابلة لجزيرة الوراق؛ وقف وليد مع عدد كبير من الأهالي في انتظار قدوم المعدّية من الضفّة الأخرى، لا يعلم أغلب الواقفين عن الحادث الذي وقع أمس الأول، الأحد، بمحافظة البحيرة، حيث غرقت معدية ركاب في فرع النيل برشيد بنطاق محافظتي المنوفية والبحيرة، ليفارق 5 أشخاص الحياة، فيما أصيب 17 آخرون.
معدية الركاب حاصلة على ترخيص بالعمل حتى عام 2019 ومصرح لها بنقل 8 ركاب فقط، فيما كان يستقلها قبل الغرق 22 شخصًا، بحسب بيان لمديرية أمن البحيرة، التي أرجعت غرق المعدية إلى أن "المياه غمرت المركب المُشار إليه بسبب حمولته الزائدة من الركاب، مما أدى لغرقه وسقوط ركابه".
أبدى الشاب العشريني قلقه من الحادث، ويذكر أنه في مناسبات عدة، تحمل معدية الوراق حمولة زائدة "أضعاف أضعاف العدد المسموح بيه، ومفيش مراقبة خالص"، ثم عاد وأشار إلى عدم تكرار وقوع الحوادث في نيل القاهرة على عكس محافظات الدلتا، وتحمل ذاكرته حادثة اصطدام معدية بالوراق بصندل كبير، وقعت قبل 3 أعوام، وخلّفت 37 حالة وفاة وعدة مصابين.
وليد، واحدٌ من آلاف القاطنين بجزيرة الوراق، تعتبر المعديات محور حياتهم، تعج بالركاب ليل نهار، ورغم ذلك تفتقد التأمين والمراقبة ومتابعة مدى التزامها باشتراطات الأمن والسلامة، حسب ما يقول الشاب.
في حادث الغرق الأليم لمركب الوراق، في يوليو 2015، أوقفت الحكومة برئاسة المهندس إبراهيم محلب وقتها، حركة الملاحة النهرية في القاهرة الكبرى ليلًا، ورأى مجلس الوزراء، أن العقوبات المنصوص عليها في القانون رقم 10 لسنة 1956 والمعدل بقانون رقم 57 لسنة 1962 فى شأن الملاحة الداخلية، لا تلبي الاحتياجات الحالية، ما استدعى تغليظها مع استحداث عقوبات جديدة لتجريم بعض الأفعال، التى لم يرد النص عليها مسبقًا فى القانون المشار إليه، ووافق جلس الوزراء حينها على مشروع قرار بقانون بتعديل بعض أحكام قانون الملاحة الداخلية.
وسيلة نقل "غير آمنة".. لكنّها إجبارية
بعد حادث الوراق، وقعت عدة حوادث، على امتداد نهر النيل، وقبله سلسلة طويلة من الحوادث رصدنا أبرزها، في هذا الجرافيك
تعتبر المعديات النيلية وسيلة نقل إجبارية يستخدمها كثير أهالي جزيرة الوراق وغيرهم من قاطني الجزر النيلية والقري الواقعة على جانبي النهر، من بين هؤلاء عماد سعد الذي يستقل المعدية يوميًا، فهي وسيلته للذهاب إلى عمله موظفًا بأحد المصالح الحكومية. يقول إن وقوع الحوادث وارد "دي وسيلة نقل زيها زي القطر أو أي عربية ممكن تعمل حادثة على الطريق". بالنسبة لعماد فإن الوقت الذي يقضيه ذهابًا وإيابًا في المعدية هو "فُسحة"، خاصة أن المعدية – وفق رأيه- تتمتع بالأمان الكافي، فيما يشير إلى أن "لو فيه كوبري أكيد هيكون أفضل بس المعدية حاجة كويسة".
بحسب عماد فإن المطلب الرئيسي لعدد من قاطني الجزيرة هو توفير كوبري آمن، يسهّل حركة الأفراد من وإلى الجزيرة، فيما يشير إلى أنه من الممكن أن يخفف مشروع امتداد محور روض الفرج الذي تنفذه الحكومة، ويضم كوبري أعلى نهر النيل شرق جزيرة الوراق، ويربط بين الجزيرة ومنطقة شبرا، من معاناة الأهالي، ويوفّر لهم وسيلة نقل آمنة، فيما يقطع حديثه "وليد" قائلًا بأنه لم يتم تنفيذ مطالع ومنازل بالكوبري يستخدمها أهل الجزيرة في تنقّلاتهم.
على نفس المنوال، تستقل "أم مينا" المعدية يوميًا، تذهب إلى إحدى الأسواق لشراء ما يحتاجه منزلها "المعدية دي أمان وأنا بركبها من 25 سنة، ومفيش قدامي وسيلة غيرها، لو فيه هروح، وربنا يستر بقى"، تقولها بينما تشير إلى أطفال منهمكين في اللعب، بعد أن صعدوا إلى سطح المعدية.
ما يدفع السيدة الخمسينية إلى ركوب المعدية هو عدم وجود طلبات منزلها بأسعار مناسبة في جزيرة الوراق، فيما يقول وليد محمد أحد سكان الجزيرة الوراق إنها تفتقد الكثير من الخدمات "أي حاجة عايزينها بنجيبها من برّه"، فضلًا عن عدم وجود مدارس أو وحدات صحية ملائمة، وفق ما ذكر. كذلك لا يقتصر النقل على المواطنين فقط، بل يشمل بضائع أيضًا.
الرقابة والمتابعة
في أبريل 2017، حذّرت لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب برئاسة اللواء سعيد طعيمة، الحكومة من سقوط ضحايا جدد بسبب غياب الرقابة وعوامل الأمان للمعديات الناقلة للمواطنين والسيارات التي تعمل دون أي رقابة. وجاء ذلك عقب تقدّم النائب عبد الهادي إبراهيم، بطلب إحاطة يشكو فيه أن هناك 6 معديات على الرياح البحيري ناقلة للأفراد والسيارات ما بين محافظتي البحيرة والمنوفية، دون ضوابط أو وسائل أمان.
"تلك المعدّيات تُنذر بوقوع كارثة حقيقة وقد تتسبب في حوادث كثيرة"، هذا ما أكّده النائب في طلبه حينذاك، وبعد عام ونصف وقع ما حذّر منه، وغرقت معدية ركاب، أمس الأول الأحد، في فرع النيل برشيد بنطاق محافظتي المنوفية والبحيرة، ليفارق 5 أشخاص الحياة، فيما أصيب 17 آخرون.
يرى "وليد" أن الرقابة غائبة على المعديات، يتفق معه إبراهيم طارق، أحد قاطني جزيرة الوراق، يبدي استغرابه "كيف تكون المعدّيات غير آمنة وغير آدمية رغم أنها الوسيلة الوحيدة لأهالي الجزيرة البالغ عددهم أكثر من 120 ألف نسمة؟"، بعبارة واحدة يصف المعدّيات بأنها "شريان الحياة لجزيرة الوراق"، لذا يطاردهم إحساس بعدم الأمان وتقل الطمأنينة ويزداد القلق والخوف، ما إن تغرق معدّية ما في نهر النيل، وفق إبراهيم.
رفقة غيره من أهالي الجزيرة طالب الشاب الثلاثيني بتطوير المعدّيات، وعمل "نزلة" من الطريق الدائري ومحور روض الفرج لجزيرة الوراق، غير أنهم لم يلقوا استجابة، فيما يشير إلى أنه في إحدى المرات أوقفت الأجهزة المحلية المعّديات عن العمل "بالرغم من وجود مرضى فشل كلوي، لم يتمكنوا من الذهاب للمستشفيات التي تقع خارج الوراق"، وذلك بسبب سوء الخدمة الصحية بالجزيرة.
بينما يقول أحمد محمد، سائق معدية بجزيرة الوراق إن المعدية تعمل لمدة 24 ساعة يوميًا، يتم ترخيصها كل ثلاث سنوات، وهناك تفتيش ومراقبة من شرطة المسطحات المائية على حالة المعدية وجاهزيتها لنقل الأفراد، يشرح أكثر أن هناك 4 أفراد "ريس بحري وميكانيكي و2 بحّارة" على متن المعدية المملوكة لسعيد حامد، التي يعمل عليها، وتحمل على متنها أدوات الإنقاذ وعدداً من طفايات الحرائق.
وتختلف شروط الترخيص بحسب حجم المعدية، ومواصفات الأمان والسلامة المطلوب توافرها مثل تناسب أطواق النجاة وسترات النجاة وطفايات الحريق، وتناسب أفراد الطاقم مع السعة الاستيعابية للركاب فى كل معدية وغيرها.
يضيف "كل حاجة موجودة لأن المسطحات بتيجي تفتش 24 ساعة"، مشيرًا إلى أن الحمولة المخصصة للمعدّية 100 راكب "مش بتشيل أكتر من 30 نفر لأننا مش بنقف 5 دقايق نحمّل ونمشي عشان منعطلش الناس".
فيديو قد يعجبك: