لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من مجلة جامعية لمؤسسة فنية.. كيف ألهم مهندس مصري الشباب لـ38 عاما؟

04:41 م الخميس 08 نوفمبر 2018

كتبت- شروق غنيم ودعاء الفولي:

تصوير- محمود بكار:

داخل قرية تونس بالفيوم، وقف أحمد يحيي جوار مريم أيمن، يتخيلان معا شكل الرسومات التي ستزين البيوت، يتنقلان بين حارة وأخرى، يتركان أثرا ملونا للأهالي؛ فتلك لوحة الليلة الكبيرة، أخرى لسيدة تحمل فوق رأسها جرّة، ورجل يرتدي زيّا صعيديا. كان الشابان جزءًا من منظومة تدريبية لمؤسسة ألوان الثقافية التي تأسست منذ 38 عاما، يتعلم فيها الطُلاب الفنون؛ النحت، التصوير، الرقص، الكاريكاتير وغيرها. اجتمعوا على الاختلاف، ألوانهم متنوعة وهواياتهم، فالمهم أن يخوضوا تجارب جديدة، تجعل أرواحهم أفضل وعقولهم أكثر تقبلا للآخر.

1

عام 1978 تخرج رياض رفعت، مؤسس ألوان، في كلية الهندسة جامعة القاهرة "كل اللي كان في بالي وقتها إني أساعد الشباب"، أسس المهندس صالونا ثقافيا صغيرا، جمع فيه أصدقائه "كنا بنتقابل كل يوم اتنين في مكتبي ونعمل أنشطة ثقافية مختلفة"، كان ذلك نواة مؤسسة "ألوان"، التي تضم حاليا 40 نوعا من الفنون يتعلمها المنضمون، فيما يتم ذلك بشكل مجاني تماما من قبل مدربين متطوعين.

2

منذ كان طالبا، لا يُحب رياض رفعت أن يسجنه أحد داخل اتجاه واحد، تُرهقه الوصاية، لذا قرر صاحب الـ64 عاما تأسيس منظمة غير ربحية تفتح أبوابها للشباب "عشان ميطلعوش نُسخ متشابهة من بعض".

3

لا شروط للراغبين في الانضمام لأنشطة المؤسسة "إنهم بس يلتزموا بالورش اللي بيدخلوها". منذ بداية النشاط كانت الجامعات هي الوقود حسبما يقول رفعت "سنة 2015 كنا تقريبا موجودين في أربع جامعات و56 كلية"، كانت كلما سنحت له الفرصة للإضافة لا يتردد "لو حد جالي وعنده حاجة عايز يقدمها مبفكرش كتير طالما هيلتزم مع الأولاد".

4

في قرية تونس، توزع شباب المؤسسة؛ كلٌ له دور "كل فترة بنطلع معسكر نعرض فيه نتيجة الورشة بتاعتنا" حسبما يقول يحيي، طالب الفرقة الرابعة بكلية التجارة، فبينما يجتهد هو وزملاؤه لإظهار ما تعلموه في ورشة الجرافيتي (الرسم على الحيطان)، يدور آخرون في القرية للعزف على الطبول وإمتاع الناس بما استوعبوه في ورشة الإيقاع، إذ عادة ما يشمل المعسكر الواحد ثمانية ورش مختلفة تعرض إنتاجها.

_   5

الإسكندرية، أسوان، الفيوم، رأس شيطان.. أماكن عديدة زارتها مؤسسة ألوان، تستمر الورش لفترات تصل إلى خمسة أشهر أحيانا "ده بيبسطنا رغم إنه مُرهِق.. لأنه مهم إننا نخرج عارفين نطبق مش دارسين مبادئ وخلاص"، يقول يحيي إنه لا يمتلك موهبة الرسم، لكن الورشة قلبت الأمور رأسا على عقب "بقيت بعمل جداريات لوحدي"، كذلك الحال مع مريم، إذ تمتعت بالموهبة من قبل "بس مكنتش عارفة أعمل ده بشكل منهجي" فهي تدرس التجارة أيضا.

w  6

الإيمان بما يتم تقديمه هو دستور آل المؤسسة، سواء المتدربين أو المدربين، كذلك الحال مع رفعت؛ يتذكر بابتسامة مجلة "كرابيج" التي كانت النواة لإطلاق "ألوان".

كانت "كرابيج" مجلة سياسية بالدرجة الأولى، ذاع صيتها في الجامعات المختلفة خلال السبعينات "كنا بنبيعها بقرش صاغ وبتتكلف قرش صاغ وكنا بنخسر حق المواصلات والسفر"، يضحك رفعت قائلا "المجلة دي كانت حلمي"، أراد الطالب وقتها أن ترتفع نسبة توزيعها "أضفت ليها حاجات فنية فبقت بتوزع أكتر من 10 آلاف نسخة"، باتت مطبوعة هامة في الأوساط الشبابية؛ حتى أن الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم كتب افتتاحيتها، وخصص قصيدة جديدة لكل عدد.

_____ (7)

لم تستمر المجلة سوى أربع سنوات، لكنها جعلت من رفعت شخصا آخر؛ أكثر انفتاحا على الآخر وأكثر اهتماما بالفنون "رغم إني مش دارسها"، تمت محاربتها من قبل الأمن مرات عديدة، لكن سبب التوقف كان ضعف التمويل "أنا فتحت مشاريع عشان أصرف عليها بس في الآخر تعبت من كتر ما بستلف من والدي"، حينما أيقن رفعت أن مشروعه الأهم اندثر "كنت زعلان، بس مكنتش عايز أخسر الناس، كنت عايزهم يفضلوا متجمعين على حاجة فيها تعليم وثقافة".

_____ (8)

مرت "ألوان" بأزمات عديدة، توقفت عشرات السنوات وعادت مرة أخرى في 2003، اتسع نشاطها بشدة بعد ثورة يناير، وتم تحجيمها مرة أخرى منذ عام 2015 "تقريبا مبقيناش نشتغل في الجامعات بس الشباب بييجوا فروعنا وبنعمل ورش في أماكن كتيرة بالإضافة للمعسكرات".

9

بين الشباب جلس رفعت يتابع الجداريات المصنوعة في الفيوم "أنا بتعلم منهم كل يوم حاجة، متهيئلي إن دي أحلى حاجة في الموضوع، إن الاستفادة رايحة جاية". في المقابل كانت مريم تخوض أولى تجاربها في التواصل مع الناس خلال الرسم، إذ تعين عليها إقناع البعض بما تفعل "فيه ناس بعد ما بنبدأ نرسم على البيت بترجع في كلامها"، تُركز الطالبة على ما يُشبه المنطقة أكثر، تتفهم رفض السكان أحيانا "مبيحبوش الكلمات مثلا، يعني حاولنا نعمل كلمة سلام فصاحب البيت خاف من الفكرة"، فيما يطلب آخرون عمل جداريات دينية، متعلقة بشعيرة الحج وغيرها.

_  10

لا يعرف رفعت عددا محددا لمتطوعي "ألوان"، يزيد الرقم وينقص " بس معندناش محظورات في المؤسسة" كما يقول صاحب المشروع، "ما عدا الشتيمة والعنصرية تجاه أي حد أو التطبيل عشان خاطر أي حد".

11

تمرض مؤسسة ألوان ولا تموت، يُنفق عليها صاحبها من ماله الخاص "بس راضي ومبسوط طالما الولاد بيتعلموا"، كلما مسّه اليأس تذكر ما فعله أبناء "ألوان"؛ بعضهم دشن مبادرات جديدة، آخرها مبادرة القلم لتعليم الخط العربي. جاوز رفعت الستين لكن قلبه صغير، يطمح لعيش مغامرات أخرى "لما أموت هيكفيني إن فيه شباب اتعلموا بسببنا حاجات خلتهم بني آدمين أفضل وخاضوا حكايات يحكوها للناس".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان