"عشان الأذى يقل في المدارس".. قصة مشروع مصري للوقاية من التنمر
كتبت- دعاء الفولي:
قبل عام كان كريم محروس يُتابع عمله في جمعية "التنمية الفكرية والبيئية"، ينظم معسكرات للأطفال، يُدربهم على التعايش سويا رغم اختلاف بيئاتهم، لكن أحاديث العنف في المدارس لم تكن ببعيدة عنه، لا يتعلق معظمها بـ"شقاوة العيال" فقط، بل ترتبط بـالتنمر، تتفاوت درجاتها بين السيئ وغير المُحتمل، ولا تصدر فقط عن الطُلاب، بل المدرسين، وحتى أولياء الأمور، لذا قرر تدشين مشروع للوقاية من التنمر.
قبل بدء العمل، درس أصحاب الفكرة أنماط الفئات التي تتعامل مع الطفل، تابعوا البرامج المطروحة على الإنترنت لمواجهة التنمر في الدول المختلفة، بين العربية كالسعودية والأردن والأجنبية كالسويد وأمريكا، ثم حاولوا وضع برنامج يتناسب مع مصر، حسبما يقول محروس، المنسق العام للمشروع ومؤسس الجمعية.
يُعرف التنمر بكونه شكل من أشكال الإساءة الموجه من قبل فرد أو مجموعة من الأفراد تجاه شخص أو مجموعة بشكل متكرر ومُتعمد، وقبل عدة أشهر، دشنت منظمة اليونسكو بالتعاون مع المجلس القومي للطفولة والأمومة والاتحاد الأوروبي حملة ضخمة في مصر، لنبذ التنمر والعنف في المدارس.
"معظم برامج مكافحة التنمر اللي شُفناها كانت بتركز على أولياء الأمور والمدرسين سواء العربية أو الأجنبية"، حاول القائمون على جمعية التنمية الفكرية التفرّع لجهات أخرى، فبعد مسح أجروه على مدار تسعة أشهر في مدارس مختلفة بالإسكندرية "اكتشفنا إن 25% من الوقت اللي الولاد بيقضوه في المدرسة بيكونوا تحت رعاية أشخاص غير المدرسين أو الأهل"، لذا ركز محروس والآخرون على مُشرفي حافلات المدرسة، السائقين، عاملات النظافة داخل المدرسة "الناس دي ممكن يلاقوا نفسهم مُجبرين على التعامل مع عدد كبير من الأطفال دون تأهيل كافي".
فترة التسعة أشهر لم تكن المسح ما يحتاجه مشروع الوقاية من التنمر فقط، لكن لاختيار المختصين الذي سينضمون للفكرة "اعتمدنا على أطباء نفسيين وتربويين ومدرسين سابقين ومتخصيين اجتماعيين". أكثر من عشرين شخص يعملون ضمن المشروع الذي دخل حيز التنفيذ في أكتوبر الماضي بأكثر من مدرسة، منها مدرسة "ليبرتي" في الإسكندرية.
قبل بدء التدريب، قضى أصحاب المشروع وقتا بين "الكبار اللي بيتعاملوا مع التلاميذ.. سواء مدرسين أو إداريين أو غيرها"، كان الغرض من ذلك معرفة ما يشغلهم أيضا "هل فيه مشاكل متعلقة بالمدرسة نفسها أو بالتدريس أو بالوضع المادي وغيره"، إذ حاول أصحاب الجمعية الإلمام بكافة التفاصيل، قبل البدء مع فئة المدرسين.
ينقسم تدريب البرنامج الوقائي لثلاثة مستويات؛ الأول يتعلق بتعريف المعلمين معنى كلمة تنمر، وأشكال العنف المختلفة التي يتم ممارستها على الطلاب ومنها العزل الاجتماعي، فأحيانا "مبيكونش فيه سخافة ضد الطالب أد إنه ملوش صحاب ودايما لوحده وزمايله متجنبينه"، حسبما يقول محروس، كما يُدرب المتخصصون المدرسين على خلق بيئة آمنة في الفصل تمنع حدوث التنمر.
"المستوى التاني متعلق بالمدرسين اللي بيحبوا يكملوا معانا.. مش مجرد ياخدوا ورشة وخلاص"، في تلك الحالة يقبع المعلم مع مسئولي الجمعية ليراقبهم كيف يُعطون الورش للأطفال، ثم يأتي المستوى الأخير والمتعلق بأن يُعطي المدرسون أنفسهم حصص المهارات الحياتية للطلاب ويزرعون فيهم فكرة رفض التنمر ومحاربته.
تدريب المعلمين والإداريين لم يكن يسيرا، بعضهم يستخدم التنمر ضد تلاميذه لردعه عن التطاول على الآخرين "صعب نغير وجهة النظر دي فورا عشان كدة البعض بيسألونا إيه البديل مع الأولاد؟"، وضع الفريق أسسا بسيطة ليُدركها المُدرس والإداري وولي الأمر على حد سواء خلال التعامل مع الطفل؛ أهمها أن العنف لا يأتي بنتيجة إيجابية وأن الأصح هو زرع مبدأ "إن كل فعل هو بيعمله ليه عواقب سواء سيئة أو إيجابية"، لا يُحب أصحاب المشروع استخدام كلمة "عقاب"، كذلك لا يُفضلون معاملة الأطفال بمنطق الوصاية والإجبار "وإنه أعمل كذا ومتعملش كذا.. دة بيخلي الطفل عندية أكثر".
يعمل متخصصو المشروع بشكل متوازٍ مع الفئات المستهدفة، فبينما يقيمون ورش عمل للمدرسين، يفعلون الأمر ذاته مع أولياء الأمور مع اختلاف القيم المطروحة، يحاولون وأد العادات السيئة التي يُصدرها الآباء "زي فكرة اللي يضربك اضربه، أو فكرة إن الأب نفسه يتريق على شكل زميل ابنه أو حالته الاجتماعية"، كذلك يُركز البرنامج على إعطاء روشته للآباء للتعامل مع ابنهم حالة كونه متنمر "مينفعش يبقى رد الفعل هو عقابه، لازم يفهموا إن الولد اللي بيتنمر ضحية برضو".
تفاصيل كثيرة يشملها مشروع الوقاية من التنمر، تُشبه نقاطه أفرع كثيرة لشجرة واحدة، فمثلا فيما يتعلق بالإدارة المدرسية، فطن محروس ومن معه لضرورة وجود منظومة مُحكمة للإبلاغ "لأن لما الطفل بيتعرض لتنمر ويبلغ عن ده صحابه بيعتبروه عيل وبيتنمروا عليه أكتر".
لا يُركز برنامج الوقاية على ما يتعلق بالتنمر، فمثلا معظم الآباء يعتبرون التفوق المدرسي أمرا مُقدسا "في حين إن ممكن يبقى ابنهم متفوق رياضيا أو في أي مجال تاني"، يبدأ البعض في التنمر على أبناءه بسبب ذلك "معايرة وضغط نفسي من نوع شوف زميلك عامل إزاي.. كنا بنكتشف كل يوم إن التنمر مزروع في البيوت كمان مش المدارس بس"، يقول محروس.
ما يفعله رجال الجمعية ليس سهلا "تغيير نمط وثقافة الناس بياخد وقت"، غير أن الأمر يصبح أكثر تعقيدا حين يتعلق بالأطفال؛ لذا سنّ القائمون على البرنامج قواعد صارمة؛ أولها أن استخدام كلمة تنمر ممنوع "شغلنا مع التلاميذ بيقوم على الرسايل غير المباشرة".
يتوجه البرنامج بشكل أساسي لطلبة المرحلة الإعدادية، يقدم الفريق أنفسهم للطُلاب كمجموعة من مُدربي المهارات الحياتية "مع إن بعضنا بيبقى أطباء نفسيين أو استشاريين تربويين"، تقوم الفكرة على إعطاء حصة أسبوعية مُدتها ساعة، يعتمد معظمها على الألعاب ويتخللها جزء نظري بسيط.
التعاون، الديمقراطية، النقد البناء.. قيم كثيرة يزرعها مسئولو الجمعية، يتعاملون مع كل فصل على حدة، يدرسون سلوك الطلاب دون أن يشعروا، وفي المقابل يتفاعل التلاميذ مع ما يقدموه "بنقولهم إننا مش بتوع درجات ولا هنحاسبهم"، يضع المدربون منهجا قبل بدء تطبيق البرنامج "قواعد نمشي عليها احنا وهما"، يعتمدون على ألعاب مستوحاه من فرق الكشافة "زي لعبة صياد الجوايز، بنقسم الولاد مجموعات واللي ينجح فيهم الأول يكون له هدية، دة بيشجعهم يشتغلوا سوا أكتر".
يستهدف برنامج الجمعية 300 طالبا في المدارس كمرحلة أولى "درّبنا منهم 110 طالب"، فيما حصل أكثر من 150 مُدرس وإداري على الورش.
رغم الإنجاز الذي حققه أصحاب المشروع، غير أن بعض المشاكل مازالت تواجههم؛ أهمها عدم وجود دعم مادي "كل اللي شغالين في المشروع متطوعين بس ده متعب لأن بعضهم عنده وظائف تانية ومش متفرغ"، يشرح محروس مضيفا أن العمل مثلا مع المدارس الخاصة يكون دون مقابل، ما يُلقي عليهم عبء توفير الدعم اللوجستي كذلك بالإضافة للانتقالات، لذلك يسعى الفريق في الوقت الحالي للتعاون مع وزارة التربية والتعليم المصرية "قدمنا مقترح ببرنامجنا ولسة في انتظار الرد".
يعرف محروس أن المشوار مازال طويلا، لكن تقبل الأطفال لأقرانهم يجعل الأمر يستحق "كل ما مساحة الأذى بتقل ده بيخلينا نكمل ونفكر في الجديد".
فيديو قد يعجبك: