بالنول والخيوط.. "نجلاء" تُكمل مسيرة الأم في مركز الحرانية للنسيج
كتب- محمد مهدي:
تصوير - جلال المسري
في ذيل ملابس أمها تُمسك الطفلة "نجلاء فاروق" جيدًا، رفقة شقيقاتها، وهن في طريقهن إلى مركز المنسوجات بالحرانية، بفترة الثمانينيات، الأم واحدة من الجيل الأول الذي تعلم على يد الفنان رمسيس ويصا، ولم تترك المكان رغم مسؤوليات البيت "كانت بتاخدنا معاها، وتعملنا (نول) صغير نلعب بيه" تعرفت نجلاء مبكرًا وهي لا تزال في السادسة من عمرها على الأنوال والخيوط والألوان، امتلئت عيونها بالدهشة حين رأت النتيجة النهائية لما تقوم به والدتها "بقيت عايزة أكون جزء من العالم دا".
"نجلاء" فقط من ورثت الصنعة عن الأم "أ. سوزان (ابنة رمسيس) كانت بتعمل جيل جديد من الأهالي في المركز)" منحتهن أنوالا صغيرة "أخواتي محبوش، لكن أنا حبيت النسيج" تجلس في مدرستها صباحًا تُفكر في رسمتها القادمة، تنتظر مرور الوقت سريعًا لكي تنطلق إلى المركز لتبدأ عملها، وحين تقف أمام الأنوال يرتجف قلبها فرحًا، تستمتع لنصائح (سوزان) باهتمام، تدور الأحاديث والأفكار حتى تكتمل صورة عملها الجديد في عقلها.
بعكس ما تجده في المدرسة أو الحياة، كانت "نجلاء" ترى في المركز اهتمامهم بعدم التلقين "بيعلمونا إزاي نشتغل، واحنا نطلع اللي عندنا، زي مدرب الكورة لما يقول للاعب توجيهات لكن كل لاعب بيتصرف بإمكانياته الشخصية" تغيرت حياتها، صارت أنضج في سن مُبكرة، لديها معرفة وثقافة ليست متاحة للجميع في قريتها حينذاك، وهو ما جعلها تنظر للحياة بصورة مختلفة- كما تصف نفسها.
صار لدى "نجلاء" ذائقة فنية في تفاصيل حياتها "من أول اللِبس لحد شكل بيتي وبيوت عيالي" مؤخرًا كانت منشغلة بتجهيز بيت ابنتها استعدادا لزواجها "لفيت كتير عشان نختار فَرش وعفش ذوقه حلو" لا تفكر في شراء أغلى شيء لها أو لأولادها "لكن بدور على حاجة يبقى شكلها حلو" حين يحتار أفراد أسرتها أو جيرانها في اختيارات خاصة بالألوان يتجهون إليها "دي حاجة مكنتش هتحصل لو اشتغلت حاجة تانية".
لسنوات طويلة عملت "نجلاء" بجانب أمها، داخل المركز بالحرانية، قبل أن تعتزل الأخيرة العمل نظرًا لكبر سنها وحاجتها للراحة "لكن لحد دلوقتي عندها اهتمام بالنسيج" عندما تزورها الابنة تتلقى أسئلة عن أحوال المركز "أكتر ما بتسألني عن أحوال بيتي" تستفسر منها عن أعمالها الجديدة "ولحد دلوقتي بتديني نصايح في السجاد اللي بعمله" هذا ميراث أمها الذي تعتز به.
تجربة نجلاء تختلف عن أمها "الزمن اِختلف وحاجات كتير اتغيرت" في الماضي كانت والدتها تتعرف على رد فعل الجمهور من خلال المعارض فقط أو من يحصل على قطعتها الفنية "لكن دلوقتي بشوف شغلي على فيسبوك، وبقرأ تعليقات الناس" في أحد الأيام اطلعت على منشور لسيدة أمريكية تتحدث عن سجادتها بطريقة جيدة "بكون مبسوطة، ولادي كمان بيفرحوا وندمانين إنهم متعلموش مني".
رغم عشرات الأعمال التي أنتجتها "نجلاء" لكنها لا تملك قطعة من المنسوجات في بيتها "لأنها مُكلفة، ومش شرط إن الشيء اللي بعمله أقدر أمتلكه" تنتهي علاقتها بالسجادة بعد تنفيذها مباشرة "مبسألش عن مصيرها لأن الناس في المركز أدرى بباقي الشُغل" لم تختلف يومًا على أجرها "التعامل مريح" وهناك اهتمام بإنتاجها "لو فيه سجادة حلوة بيكلموني يبلغوني إنهم مش هيبيعوها وهتتشال للمعارض".
أكثر من 30 عامًا مضت على الفنانة الأربعينية رفقة أسرة "رمسيس ويصا" لم تكل ولا تمل من العمل معهم، حتى بعد تعرضها لأكثر من مرض يحتاج إلى الراحة، من بينهم معاناتها مع "الغضروف" ينصحها الأطباء بالمكوث في بيتها "برتحال شوية وبرجع تاني، من كُتر ما بحب الشغل" ما تشعر بها وهي تنسج رسوماتها لا مثيل له، لن تجده في أي مكان آخر، السعادة هنا لماذا تتركها؟.
تابع باقي موضوعات الملف:
حلم "رمسيس ويصا" بالحرانية.. 66 عاما من الحُب والفن (ملف خاص)
الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (1)
الطريق إلى الحرانية.. حلم "رمسيس ويصا" في حفظ النسيج المصري (2)
كيف تحول أهل الحرانية إلى فنانين عالميين؟.. زوجة "رمسيس ويصا" تروي (حوار)
من الغيط إلى العالمية.. 50 عامًا لـ"ست لُطفية" في عالم النسيج
مدير مركز "رمسيس ويصا ": حافظنا على التجربة وتلك خططنا المستقبلية (حوار)
فيديو قد يعجبك: