لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

لمدى الحياة.. السجن لقاتل المصرية "نبره" والحُزن لأسرتها

09:41 م الإثنين 03 ديسمبر 2018

نبرة

كتبت - دعاء الفولي:

يستطيع محمود أبوراس الآن أن يتنفس الصعداء، ينظر لصورة ابنته الكبرى، ويخبرها أن قاتلها تلقى حُكمًا بالسجن مدى الحياة في نوفمبر الماضي، لكن الفجيعة ما زالت حية في قلبه، لا يُخففها دعم المجتمع، أو إنصاف القضاء. ذهبت "نبره" ولن تعود مرة أخرى.

بدأت رحلة الوالدين الشاقة في يونيو 2017، حين كانت نبره أبوراس رفقة صديقاتها، عائدين من مسجد قريب لمنزلها بولاية فيرجينيا الأمريكية، وقتها هاجمهم شاب، ألقى زجاجات الخمر تجاههم، هرول الجميع ومعهم صاحبة السبعة عشر عاما، غير أنها سقطت دون قصد، فضربها الجاني على رأسها، اصطحبها في سيارته، اعتدى عليها بالضرب، وألقى جثتها في بحيرة قريبة.

صورة 2

"الساعتين اللي فضلنا ندور فيهم على نبره كانوا أسوأ ساعتين في حياتنا، واللي حصل بعد كدة أصعب بكتير".. ما زالت الأم سوسن الجزار تتذكر المشاهد كأنها أمس، ظل الوالدان في حالة صدمة، يستقبلون القادمين للعزاء من كل مكان بالولايات المتحدة الأمريكية، يتلقون اتصالات تشد من أزرهم، ويستمعون لكلمات تُرثي الفتاة الراحلة، وتغضب لوقائع الحادث "مكناش دريانين بالدنيا صحيح بس مُدركين إننا لازم نجيب حق نبره".

قضية "نبره" ليست مُعقدة. اعترف الجاني بخطيئته عقب مقتلها، حتى أنه أرشد الشرطة للمكان الذي ألقاها فيه، جعله ذلك يواجه اتهامات متعددة "قتل أفضى إلى الموت، اختطاف، اعتداء جنسي وغيره". أخبر المحامون الأب أن الاتهام الأول كفيل أن يودي بحياة السلفادوري داروين مارتينيز، صاحب الـ25 عامًا، غير أن هيئة المحلفين المكونة من 12 عضوًا لم تتفق على تلك العقوبة "رغم إن الإعدام مسموح في ولاية فيرجينيا"، غير أنهم وافقوا على السجن مدى الحياة.

صورة 2

رغم استمرار الجلسات على مدار عام ونصف، إلا أن دعم أسرة الفتاة الراحلة لم ينقطع؛ تجلّت صوره في كل شيء؛ زيارات الأصدقاء "اللي مسابونيش انا ووالدها"، الحديث عن القضية إعلامياً من قبل المجتمع النوبي هناك، وتنظيم وقفات لإحياء ذكراها تضم "مسلمين ومسيحيين ويهود". تتذكر الأم يوم دفن ابنتها "فيه أكتر من 4 آلاف شخص صلوا عليها، جاؤوا من ولايات تانية مخصوص".

أحياناً، لا تعرف سوسن طبيعة الشعور المسيطر عليها "حزن، وحدة، فزع وحاجات كتير"، حتى جاءت اللحظة الأولى التي واجه فيها الوالدان القاتل "ساعتها اتأكدت إنه الغضب بس هو الباقي معايا".

صورة 3

كان ذلك عقب 3 أشهر ونصف من مقتل "نبره". اجتمعت وسائل الإعلام في قاعة المحكمة للمرة الأولى، الجاني خلف الأسوار، وأهل الفتاة يملئون المكان "غير اللي برة المحكمة كان عددهم حوالي 450 شخص، بين أصحابها وناس مهتمين بالقضية"، يحكي الأب. تلك اللحظة لم يعادلها شيء إلى الآن "لما شوفته مدرتش بنفسي، لقيتني بوطّي وبرميه بالجزمة بتاعتي"، ما أن فعلت سوسن ذلك، حتى عمّ الهرج؛ جذبها الأمن خارج المكان، ومعها زوجها، الذي انفعل على الجاني بشدة ردد "حسبي الله ونعم الوكيل".

احتاج الزوجان وقتًا طويلاً للتعافي من تلك التجربة. قررت سوسن ألا تذهب مرة أخرى، وحاول محمود تكرار الأمر في الجلسات التالية فلم يستطع. فوّت الوالدان جلسة الثامن والعشرين من نوفمبر والتي صدر فيها الحكم النهائي بالسجن مدى الحياة.

كلما استرجع الأب يوم رؤية المتهم، تعود له سيرة ابنته الأولى؛ اختار اسم نبره لأنه يعني "الذهب" باللغة النوبية، كان الناس يعرفون هويتها ما أن تلفظه "عشان كدة أهل النوبة كانوا بيكلمونا يدعمونا، حتى اللي ميعرفوناش"، يُحب الأب الأسماء القديمة، يفتخر بأصله، وكذلك كانت الشابة الراحلة.

صورة 4

المنزل دون نبره ينقصه الكثير؛ منذ غابت لم تعد سوسن تُحب الولايات المتحدة، باتت تنتظر فرص العودة لمدينة أسوان حيث تقطن عائلتها، وهي التي لم تكن تزور مصر إلا مرة كل عدة أعوام "بعد ما نبره ماتت نزلت مرتين ومكنتش عايزة أرجع بس كان لازم عشان مدارس إخواتها"، يحاول الأب والأم التعايش؛ يسليان أنفسهما بالبكاء تارة وزيارة قبرها الذي يبعد دقائق بالسيارة، تارة أخرى.

عن طريق المحامين، عرف الأبوان تفاصيل الجلسة الأخيرة. بدا الندم على وجه مرتكب الجُرم، لم يكن معه أشخاص كثيرين؛ فقط صديقته وخالته، لم يتردد في الاعتراف بالقتل، سأله القاضي مرارا إذا مورس ضده أي ضغط، لكنه نفى ذلك. صدر الحكم البات، وهدأ غضب سوسن قليلا "انا كان نفسي ياخد إعدام"، لكن ما يريحها "إنه مش هيخرج من السجن إلا وهو ميت".

صورة 5

في مارس القادم، سيتم اقتياد المُجرم لسجن الولاية. صفحته سُتطوى أخيرًا، بينما تبقى نبره حيّة في قلوب الجميع "بلاقي الناس بتبعت لي تسألني محتاجة حاجة؟ انتي كويسة؟ بتقولي إزيك يا أمي"، تتذكر سوسن كل الأعمال الخيرية التي تمت لأجلها، تعددهم بامتنان؛ مسجد في دولة مالي، عدة أبيار للمياه، أكثر من عُمرة، وإطلاق اسمها على الشارع الذي قُتلت فيه.

حين ينفرد الأبوان بين حيطان تختفي علامات التماسك من وجهيهما. "الفراق صعب، القاتل أخد عقابه بس احنا قلبنا هيفضل مفطور عشانها طول العمر".. يرددانها، تُصبر سوسن زوجها بـ"إنها متغلاش على اللي خلقها"، ويهدئ هو من روعها بذكرى طريفة جمعتهم سويا، أو حلم تمنته نبره ولم تستطع تحقيقه، غير أنها حصلت مقابله على كثير من الصلوات، والتضامن والدعم.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان