"ألف من له تار مع المرض".. حكايات من طابور تحليل فيروس "سي"
كتبت-دعاء الفولي:
قبل عامين، عاد شقيق فاطمة إبراهيم من السفر بعد استقراره 18 عاما بإحدى الدول العربية، لم تمر أسابيع حتى تم تشخيصه بالتهاب الكبد الوبائي (فيروس سي) في مراحله الأخيرة، حاولت عائلة الأخ الخمسيني إنقاذه، لكنه تُوفي بعد عدة أشهر.
في طابور بساحة مجمع التحرير بوسط القاهرة، وقفت مجموعة سيدات من أعمار مختلفة، أمام سيارة إسعاف، كُتب عليها شعار حملة فيروس الكبد الوبائي، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في سبتمبر الماضي، للكشف عن الفيروس، حيث يتراوح عدد المصابين به بين 3.8 مليون إلى 4.4 مليون بحسب بيانات وزارة الصحة والبنك الدولي.
صدفة بحتة جمعت فاطمة بالحملة، إذ شاهدت السيارة خلال إتمامها بعض الأوراق بمجمع التحرير؛ خوف انتابها لوهلة "كان عندي تردد من إني أحلل عشان اللي حصل لاخويا بسبب المرض بس وقفت"، أثناء انتظار دورها، سمعت السيدة الكثير "ستات كبار عملوا عمليات وخايفين يكون عندهم المرض، بس بقيت أشجعهم وأقولهم متقلقوش".
بدأت الحملة الرسمية بأكتوبر وتنتهي ديسمبر الحالي بتسع محافظات، ضمنها القليوبية، الإسكندرية، دمياط، ومرسى مطروح، أما المرحلة الثانية فبدأت مع مطلع ديسمبر الجاري داخل 11 محافظة هي القاهرة، الإسماعيلية، السويس، شمال سيناء، والبحر الأحمر، كفر الشيخ، المنوفية، بني سويف، الأقصر، سوهاج وأسوان.
لم تكن أزمة فاطمة مع المرض في موت أخيها فقط؛ بل أُصيب به شقيقها الآخر منذ حوالي عام "أخد السوفالدي وبقى كويس بس انا لسة فاكرة التعب اللي شوفناه عشانه"، عانت أسرة الشقيق الخمسيني كثيرا حتى تماثل للشفاء "وللأسف لسة عنده همدان في الجسم وإرهاق".
التهاب الكبد سي هو مرض كبدي يسببه فيروس سي وينتقل عن طريق العدوى بالدم من خلال نقله أو الحقن غير المأمونة والأدوات الطبية التي لا يتم تعقيمها بشكل تام، ويمكن انتقاله عن طريق ممارسة الجنس أيضا.
لا ينتشر التهاب الكبد C عن طريق المخالطة العابرة ومشاركة الطعام أو المشروبات مع الشخص المصاب بالعدوى، لكن رغم ذلك انتاب القلق سناء محمد الموظفة بمجمع التحرير، اقتربت بتردد من سيارة الإسعاف لتستفسر عن الفحص، تذكرت السيدة إحدى قريباتها المصابة بالمرض "كلت عندها في البيت واستخدمت أدواتها فخايفة أكون اتعديت ولازم احلل".
لم يكن ذلك السبب الوحيد لذهاب الأم الأربعينية للحملة؛ أصيبت هي بمرض السكري منذ حوالي أربع سنوات. تلك الحملة هي الأولى التي تشاهدها سناء "كان فيه حاجات تانية زمان بس مش كثيفة كدة"، أما تلك المرة فعلمت عنها من خلال ندوة تم تنظيمها بمجمع التحرير للحديث عن المرض.
داخل مبنى المجمع، استند صفوت أباظة إلى حائط، يُمسك في يده ورقة نتيجة التحليل "سلبي الحمد لله".. يقولها بارتياح، فالموظف الثلاثيني له تجربة شاقة مع المرض الذي كاد يفتك بزوجته.
منذ عامين كان الزوجة تُجري تحليلا عاديا "اكتشفوا فيروس سي وكان في مرحلة متقدمة"، اسودت الدنيا في وجه أباظة، غير أن مداومتها على جرعة العلاج المكثفة، حسّنت الأمور كثيرا، لكن الالتهاب لم يُشف تماما "غير إنها بتعاني من السكر فلازم تفضل متابعة مع الدكاترة طول الوقت". ما أن سمع الأب عن الحملة، حتى أخبر ابنته ذات التسعة عشر عاما بضرورة إجراء الاختبار "اطمنت عليها وطلعت كويسة الحمد لله"، وفيما تحارب زوجته المرض، لم يفلت والده من براثنه.
"والدي توفى من ست شهور كان عندي سرطان في البروستاتا"، قبل رحيل الأب بفترة وجيزة اكتشف الأطباء إصابته بفيروس سي في مرحلة متدهورة أيضا "كان عنده 77 سنة وحالته صعبة، ومع تراكم الأمراض مستحملش".
عادة، لا تظهر أعراضا واضحة على معظم المصابين بالفيروس، وبعد اكتشافه قد يكون الوقت متأخرا للعلاج، ويكون الكبد قد أُصيب بأضرار دائمة، أما من تظهر عليهم أعراض حادة فقد يعانون من الحمى والتعب الشديد وفقدان الشهية والغثيان والتقيؤ وألم البطن والبول الداكن والبراز ذي اللون الرمادي وآلام المفاصل واليرقان (اصفرار البشرة واصفرار بياض العينين).
نصف ساعة انتظرتها آمال سمير وصديقتها في ساحة مجمع التحرير "الحمد لله اطمنّا على نفسنا"، علمت آمال بالحملة عن طريق شقيقها الأكبر "كان رايح يحلل بالصدفة في الحملة فلقى الفيروس نشط"، وحينما أجرى تحليلات مكثفة علم أن لديه دهونا على الكبد "قالوله لازم تعدل نظام أكلك وتبطل أكل الحوادق".
لم تتوجس آمال من خوض تجربة الكشف عن الفيروس "مادام تبع وزارة الصحة تبقى أمان"، تصف العملية البسيطة التي تبدأ بتسجيل رقم البطاقة القومية ثم سحب عينة الدم، فيما لم يخلُ الأمر من تعليمات بسيطة متعلقة بنظام الأكل الصحي وممارسة الرياضة بشكل عام.
في المقابل، كانت هدى عيد قد أنهت التحليل للتو، فجلست فوق رصيف مواجه لسيارة الإسعاف، سمعت السيدة حكايات الواقفات بجانبها في انتظار النتائج، شاركتهم بقصتها "خالي مات بيه من سنتين"، لكن تلك ليست المشكلة الوحيدة، فأقرب صديق لابنها أُصيب به أيضا منذ أشهر "مرض مبيرحمش كبير ولا صغير".
كان الشاب يُجري اختبارات القبول بالكلية الحربية "وفي الكشف الطبي قالوله إنت عندك المرض"، لم يكن لديه أعراض واضحة، لكنها ظهرت عقب ذلك بأسابيع ومكث بالمستشفى عدة أيام "لما ده حصل خوفت على نفسي وعلى ابني، مادام مبيبانش الواحد ميضمنش الدنيا"، أقنعت الأم ولدها بإجراء الاختبار الذي جاء سلبيا، فيما قررت هي أن تجري اختبارات دورية فيما بعد للاطمئنان على صحة العائلة.
فيديو قد يعجبك: