"ما تقلقيش عليّ".. كيف تتابع أسر الضباط والجنود العملية الشاملة في سيناء؟
كتبت – نانيس البيلي:
رسوم :سحر عيسي
"على أحر من الجمر"، تنتظر أمهات وزوجات الضباط والجنود المشاركين في "العملية الشاملة سيناء 2018"، يوميا رسالة من المقاتل الحبيب يطمئنهن فيها "متقلقيش عليّ... أنا الحمد لله كويس وبخير". عبارة ربما تراها بسيطة، لكن آلاف من أهالي وأسر الجنود يتعلقون بخيطها يوميا وينتظرون عودة خدمة الاتصالات لشمال سيناء حتى يطمئنهم الحبيب من أرض المعركة.
أمام التلفاز، يقضي أقارب الأبطال أوقاتهم، يتابعون أخبار العمليات يسعدون مع كل خبر عن تحقيق انتصار جديد، يدعون الله أن ينصر جنود الجيش والشرطة في معركتهم ضد الإرهاب الأسود. وتهرب الأمهات من القلق بالانهماك في أعمالهن، والصلاة والدعاء لله بأن يرد الحبيب سالما غانما.
"مصراوي" عايش قلق أسرتي ضابط ومجند من المشاركين في العمليات، وساعات الانتظار الطويلة على أمل وصول رسالة الاطمئنان من الحبيب.
والدة الضابط: "مبنامش غير لما يكون ابني معايا في البيت"
في إحدى مُدن محافظة الشرقية، يقع منزل "عبير حسن". لا يختلف كثيراً عن البيوت المجاورة، غير أن داخله كانت مَشاعر الفخر المَمزُوج بالقلق والترقُب تَختلج في قلب والدة الضابط "خالد" أحد المشاركين في العملية الشاملة بسيناء.
طيلة اليوم، قلب عبير مُعلق بأرض الفيروز، لا يَكُف لسانها عن الدعاء لفلذة كبدها ورفاقه الأبطال، باهتمام بالغ تتابع أخبار العملية التي أعلن المتحدث العسكري عن بدء تنفيذها، صباح الجمعة الماضي، تُؤمن كل الإيمان بضرورتها "لأنها بتجيب حق الشهداء وبتطهر مصر من الإرهاب.. كانت لازم تحصل".
"متقلقيش عليا يا ماما، أنا الحمد لله كويس وبخير" نَزلت تلك الرسالة القصيرة بَرداً وسَلامًا على قلب "عبير"، كست البهجة ملامحها أخيرا تلقت بادرة طمأنة من ابنها بعد 5 أيام من آخر اتصال جرى بينهما قبل يوم من بدء العملية الشاملة. هدأت نفسها بسلامة الحبيب، الذي تصف علاقتها به بأنها أكثر من ارتباط أُم بنجلها "هو مش ابني بس، هو ابني وصاحبي وأخويا وأبويا وكل حاجة".
حول شاشة التلفاز، تجلس "عبير" ونجلها الأصغر كل مساء منذ بدء العملية الشاملة، يُتابعان باهتمام بيانات القوات المسلحة، يَنتقلان بين برامج التوك شو للاستماع لتحليلات الخبراء العسكريين، "بالذات الفترة دي لحد العملية ما تخلص خالص، ربنا يسترها عليهم"، بينما تَبدأ الأم يومها كل صباح بمتابعة صفحة المتحدث العسكري عبر "فيسبوك": "عشان أشوف إيه اللي حصل في سيناء النهاردة".
لدى "عبير" 3 أبناء غير خالد، وتقول إنها لم تعلم بخدمة نجلها "البكري" في شمال سيناء غير بعد فترة من انتقاله إليها قبل نحو عام "عرفت بالصدفة من ضابط زميله، مرضاش يقولي عشان ما أفضلش قلقانة عليه لأنه الكبير بتاعي بعد والده الله يرحمه".
يشير الضابط العشريني "خالد"، إلى أنه طلب بنفسه الانتقال إلى سيناء لكي يثأر لدماء زملائه الشهداء، وأنه يُقاتل بقلب جسور واثقًا في نصر الله "لو عشت هعيش بطل، ولو مت هموت شهيد".
"أنا مبنامش غير لما يكون ابني أجازة وبايت معايا في البيت، وقتها بس بكون مطمنة".. قالتها الأم بنبرة تملؤها الشجن عن حالها منذ خدمة نجلها في شمال سيناء، وتضيف أنها أصبحت أكثر قلقًا منذ بدء العملية الشاملة "من خوفي عليه بقيت مش مركزة في أي حاجة".
على بعد عشرات الكيلو مترات لا يختلف حال الابن كثيراً، في خضم المعركة الدائرة ضد الإرهاب فإن قلبه مُعلق بذويه، يقول "بفكر في ماما وإخواتي علشان أنا مسؤول عنهم مكان والدي الله يرحمه".
كانت آخر إجازة للضابط قبل حوالي 10 أيام من بدء العملية، قضى معهم أسبوعًا بعد غياب شهر. بعدها جَهز حقيبته وودع والدته غير أن قلبها حدثها بشيئًا لم تُفسره وقتها "هو ما بيتكلمش مع حد في أسرار الشغل، بس قلبي كان حاسس إن المرة دي مختلفة"، تصمُت قليلاً قبل أن تُطلق سَيلاً من الدعاء "ربنا يحفظه ويحميه هو وكل أبطال سيناء، أنا بدعيلهم كلهم، وربنا يرحم الشهداء".
طوال العام الماضي، أصبح الجدول اليومي للأم ثابتا منذ علمها بانتقال ابنها للخدمة في سيناء، صباح كل يوم تَبعث له رسالة على "واتساب" أو "فيس بوك" وتنتظر حتى تلتقطها شبكة الاتصال الضعيفة هناك "بقوله عامل إيه يا حبيبي، لما تشوف الرسالة طمني عليك".
الوقت يمر ثقيلاً، تُشغل نفسها ببعض أعمال المنزل "ما بارتاحش غير لما يرد عليا برسالة فاطمن"، وتضيف أنه يُهاتفها إذا تحسنت الشبكة "وأحيانا بيقعد بالأسبوع مبعرفش أكلمه".
بنبرة تَملؤها الفَخر تتحدث السيدة الخمسينية عن شَغف نجلها بعمله "كل اللي في دماغه شُغله وإزاي يجيب حق الشهداء"، تصمُت قليلاً قبل أن تُعدد سمات تفوقه "مُجتهد وعنده طُموح، وبياخد امتياز في شغله من أيام ما كان في الكلية الحربية".
تطلق تنهيدة وتذكر أنها دائمًا ما تُحدثه عن رغبتها في زواجه "كل أجازة بقوله أنا نفسي أفرح بيك وأشوفلك عيل"، لكنه يُصر على تأجيل تلك الخُطوة "بيقولي أنا مش هفكر في جواز إلا ما أخلص خدمتي في سيناء، ده أعظم هدف قدامي دلوقتي".
"الأرض دى أرضنا مش مَأوى للإرهابيين دي مَقبرة ليهم، تاني حاجة زمايلنا اللى استشهدوا وحَقهم، ثالث حاجة من خَرج عن المألوف فهو ليس منا، بمعنى من يَحمل السلاح فى مصر من دون الجيش والشرطة هو إرهابى ويجب قتله".. 3 دوافع يعددها "خالد" دوما ويضعها نُصب عينه لاستكمال مهمته في سيناء وخاصة مع بدء العملية الشاملة.
بحماس كبير، تتحدث الأم عن العملية الشاملة التي تابعت أخبارها من خلال بيانات المتحدث العسكري على مدار الأيام الماضية "جيشنا مأمن مصر من جميع الاتجاهات"، تذكر بعض التفاصيل التي التَقطتها عينها من الصور ومقاطع الفيديو التي أذاعتها القوات المسلحة "مشاركين فيها كل أفرع الجيش"، بسلاسة تعدد أسماء القوات "المشاه بيمشط على الأرض، والطيران بيضرب الإرهابيين من فوق"، قبل أن تَختتم حديثها "ثقتي كبيرة في ربنا، إن شاء الله جيشنا وشرطتنا العظيمة يطهروا مصر من الإرهاب".
والدة المجند: "العملية الشاملة بتجيب حق الشهداء.. بدعيلهم وبقول يارب سَلم"
صبيحة يوم الأربعاء الماضي، ارتدى "صابر"، ملابسه العسكرية، حمل حقيبته على ظهره، ووقف أمام باب بيتهم المتواضع بإحدى قرى محافظة المنيا يودع والدته قبل أن يسافر إلى مكان خدمته بشمال سيناء بعد أيام قليلة من بدء العملية الشاملة.
بصوت واثق وبلكنة صعيدية تتحدث الأم عن ثقتها في نجاح العملية التي علمت عنها من التلفاز "بيعملوا حاجة عظيمة في سيناء، بعون الله يقدروا يجيبوا حق الشهداء".
"صابر" الذي لم يتجاوز 23 ربيعا هو الابن الرابع بعد أخت وشقيقين، تقول والدته "فاطمة إسماعيل" إنه يتمتع بمنزلة خاصة لدى الأسرة "لأنه آخر العنقود، وبقلق عليه أكتر عشان بعيد عني". وتضيف أن تلك المرة لم يختلف وداعها له قبل انطلاقه إلى خدمته العسكرية، وأنها لا تقلق كثيراً بسبب تواجده في شمال سيناء "مش هيشوف غير اللي ربنا كاتبهوله، ممكن يبقى نايم جنبي وتحصله أي حاجة".
أمام شاشة التلفاز، تجلس الأم رفقة أبنائها كلما يتحين لها ذلك "عشان أعرف أخبار اللي بيحصل في سيناء"، ومنذ بدء العملية الشاملة زاد حرصها على معرفة تطوراتها أولاً بأول "لو فيه أخبار عنها بأقعد أسمعها كلها"، في صباح كل يوم تنجز "فاطمة" أعمال المنزل، وفي منتصف اليوم تحاول الاتصال به "بكلمه لما يبقى فيه إشارات، ولو مفيش شبكة بستناه هو يكلمني".
بشوق ولهفة، تنتظر "فاطمة" عودة ابنها كل إجازة، تضُمه في حنان، تَسكُن نفسها برؤية فلذة كبدها، تستقبله بأشهى الأكلات التي أعدتها "بعمله الحلو كله واللي يقدرنا عليه ربنا". يعرف منها أحوال آل البيت، تسأله الأم عن استقرار الأوضاع بسيناء غير أنه يلوذ بالكتمان "بيقولي أنا مش جيت وشفتيني واطمنتوا عليا، مبيحبش يحكي عشان مبقاش قلقانة عليه وهو مسافر".
مع كل حادث إرهابي في شمال سيناء، يَنخلع معها قلب الأم، تُحاول الاطمئنان على ابنها بينما يمنعها كثيراً ضعف شبكة الاتصال هناك "ببقى عايزة أاسمع صوته بأي طريقة".
تحاول طمأنة نفسها "متوكلة على الله إنه هيحفظهم وينصرهم"، تتذكر فخرها بالمهمة التي يقوم بها وإيمانها بأنه يثأر لدماء الشهداء "ده أنا نفسي كمان يطوع ويكمل في الجيش بعد مدة خدمته"، تلجأ للصلاة وهي تُتمتم بالدعاء "بقول يا رب سَلم".
*** الأسماء الواردة في الموضوع مستعارة حفاظا على خصوصية أسر جنودنا في سيناء
فيديو قد يعجبك: