عالقون بين مصر وغزة يروون تفاصيل رحلة لم تكتمل إلى الوطن
كتب- إيمان محمود وإشراق أحمد:
هيأ محمد صلاح نفسه للعودة إلى غزة، بعدما أعلنت السفارة الفلسطينية في مصر فتح معبر رفح لأربعة أيام. مساء الثلاثاء 20 فبراير الجاري، استقل الشاب ووالديه سيارة أجرة من منطقة المرج –شمال شرق القاهرة، جلسوا ضمن 7 ركاب فلسطينيين، كانوا جميعهم من المرضى، مضوا في الطريق وحينما بلغوا كمين الميدان –شمال سيناء- عصر اليوم التالي، الأربعاء، توقفت الرحلة لأجل غير معلوم "قالوا لنا المعبر اتسكر –اتقفل- ومفيش أوامر تدخلوا" كما يقول الشاب لمصراوي.
كانت سفارة فلسطين في مصر أعلنت عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، في تمام العاشرة والنصف مساء يوم الأربعاء 21 فبراير الجاري، أن "السلطات المصرية أبلغتها بإغلاق معبر رفح بشكل مفاجئ"، وأنه تم تشكيل خلية أزمات لمتابعة سلامة المواطنين الفلسطينيين على الطريق الدولي الممتد بين الاسماعيلية والعريش.
لم يكن صلاح، الفلسطيني الوحيد الذي حالت الأوضاع الأمنية في شمال سيناء بين عودته إلى بلاده، يذكر مريض السرطان الذي قدم إلى مصر للعلاج أنه أحصى قرابة 50 سيارة –حمولة 7 راكب "انطلقوا نحو المعبر، الذي سبق أن أعلنت السفارة الفلسطينية، مساء الثلاثاء 20 فبراير أن السلطات المصرية قررت فتح معبر رفح البري 4 أيام بدءً من الأربعاء وحتى السبت 24 فبراير.
أسبوعان فقط انقضيا قبل أن يقرر صلاح الرحيل مع إعلان فتح المعبر "جيت مع فتحة المعبر الأولى – الأربعاء7 فبراير- دخلت بعربية اسعاف من غزة". تلك ليست المرة الأولى للشاب العشريني في مصر، يأتي صلاح لتلقي العلاج، هو ووالدته مريضة السرطان أيضًا، لكنه لم يحدث قبلا أن عاد من الطريق كما يقول.
صعوبة الأحوال المادية تدفع صلاح للمجيء إلى مصر كل عام، وليس ستة أشهر كما هو مقرر لجرعة الكيماوي والمسح الذري. حقيبة واحد هي كل ما يحمله معه، تتسع مساحة أغلبها للأدوية، فيما توفر الأسرة النفقات باصطحاب مرافق واحد، رغم أن حق المريض أن يصحب اثنين، وكان ذلك تخفيفًا للمصاب شيئًا ما.
600 جنيها للراكب الواحد فرضها السائق على صلاح وأسرته لنقلهم من القاهرة إلى معبر رفح "كنا بنركب بـ200 جنيه لكن كل شيء يغلى علينا وموصلناش لبلدنا وهنضطر ندفع تاني لما نروح"، قَبل الشاب ووالديه ببذل أي مبلغ في سبيل الوصول الذي لم يتحقق.
ولم تكن الأموال وحدها المستنزفة من أسرة صالح، فقد اضطروا مع المسافرين إلى المبيت مرتين على الطريق، الأولى انتظارًا في "المعدية" –القنطرة- حينما بلغوها فجرًا، فتم مطالبتهم بأن يلزموا السيارات حتى الساعة السابعة صباح ذلك اليوم، وأما الثانية في كمين الميدان، بعدما تكرر الطلب ذاته فور إعلامهم بغلق المعبر "بيتنا في السيارة لحد تاني يوم الساعة 1 رجعنا".
لم يستطع صلاح العودة إلى القاهرة، فضل الشاب وأسرته قطع نصف الطريق "مفيش معانا فلوس نرجع هاي المسافة ونغلب حالنا فقعدنا في الإسماعيلية"، بالكاد تمكنوا من إيجاد شقة بإيجار 900 جنيه لمدة أسبوع.
طيلة الرحلة غير المكتملة إلى غزة، كانت سفارة فلسطين تنشر بياناتها عبر صفحة فيسبوك، ومن بينها ما جاء في السابعة وعشرين دقيقة، مساء يوم الأربعاء 21 فبراير، قبل إعلان غلق المعبر رسمًيا إذ أعلنت أن "السفير دياب اللوح يتابع عن كثف مع مندوبي السفارة والجهات الرسمية، حركة المواطنين الفلسطينيين العائدين لغزة على امتداد الطريق الدولي الممتد حتى مدينة رفح، ويهيب بهم البقاء في أماكنهم وعدم الحركة ليلاً حتى الصباح حرصاً على سلامتهم".
في تلك الأثناء كانت تواجه أم رشيد للمرة الثانية مصير العودة إلى القاهرة دون بلوغ غزة. ثلاثة أشهر قضتها السيدة في مصر، بعد أن جاءت من غزة مع ابنتها الكبرى لاستكمال علاجها من الغضروف وخشونة المفاصل، لم يستغرق العلاج بضعة أسابيع، سافرت خلالها ابنتها إلى بريطانيا لمواصلة دراستها، أما أم رشيد فبقيت وحيدة في القاهرة تنتظر فتح معبر رفح.
أم رشيد سيدة فلسطينية متوسطة الحال، تعمل مُصلحة اجتماعية في غزة المُحاصرة، المدة التي أُجبرت على مكوثها في مصر أثرت على وضعها المالي، لكن ما يؤرقها أكثر هو حالتها الصحية التي تدهورت بسبب الرحلتين الشاقتين التي خاضتهما إلى العريش ذهابًا وإيابًا، خلال أقل من شهر، دون جدوى.
"في المرتين ما وصلنا عند كمين الطريق الدائري بجنوب العريش، حتى خبرتنا قوات الأمن إن المعبر قفل" تقول السيدة الأربعينية بينما تحكي عن رحلتيها للوصول إلى غزة؛ في التاسع من فبراير الجاري، لحظة الإعلان عن فتح المعبر للمرة الأولى، هرولت أم رشيد و250 فلسطيني آخرين إلى المعبر، قبل أن يُصدموا عند وصولهم العريش بنبأ الغلق "قعدنا في بئر العبد 4 ساعات على أمل إن المعبر ينفتح"، لكن الأمل تبدد بعدما تأكدوا من عدم وجود نية لإعادة فتحه مُجددًا، ليعودوا إلى القاهرة.
الرحلة الثانية لم تختلف كثيرًا عن سابقتها، فبعد أقل من أسبوعين كانت أم رشيد على الطريق ذاته، لكن لدى وصولها العريش، تلقت السيدة الصدمة ذاتها بغلق المعبر "لما وصلنا الكمين سمعنا ضرب نار، كان الجيش المصري ينذرنا بالعودة لأن الطريق غير آمن".
كان هناك أكثر من 150 امرأة وطفل من بين المسافرين، بحسب رواية السيدة الفلسطينية لمصراوي، انتظروا جميعهم لأكثر من خمس ساعات أمام حاجز الكمين لعل الظروف الأمنية تسمح لهم بالعبور، لكن مع استمرار إطلاق النار الذي سبب هلعًا للأطفال وكبار السن، أدركوا أنه لا سبيل الآن لحضن الوطن.
أهالي سيناء قرروا أن يوفروا مبيتًا لمئات الفلسطينيين الذين تلقوا صدمة منعهم من العودة إلى بلدهم، "كانت ليلة مُتعبة بسبب ظروفي الصحية وصعوبة المبيت على الأرض"، لكنها شكرت مساعدة بدو سيناء "ما قصّروا .. واحد منهم قالنا أنتوا أهلنا وبنستضفكم للصبح".
في صباح اليوم التالي؛ عادت السيدة إلى القاهرة معلقة آمالها على "فتحة المعبر القادمة"، لكن الرحلتين الماضيتين بقيتا في ذهن أم رشيد "المشوار ذاته متعب .. بين كل كمين والتاني 10 دقايق ومع ذلك بنقف نتفتش هذا طبعا بيأثر على صحتي".
أبو زين هو الآخر عاد إلى القاهرة للمرة الثانية. نحو عشر دقائق كانت كل مرة تفصله عن مدينة العريش، ومن ثم أن تطأ أقدامه أرض رفح ومعها بلوغ البوابة السوداء للمعبر، لكن كلمات "معندناش أوامر تعدوا" كانت الفيصل في الرحلتين.
بالنسبة للشاب العشريني الأمور المادية هينة "أنا حالي أحسن من غيري في ناس مكنش معها غير اللي يوصلها بس للمعبر والله أعلم كيف رجعت" يتذكر أبو زين من بين المرافقين، تلك السيدة التي توفى زوجها ودفنته في القاهرة، لتعتزم العودة إلى مدينتها وتنفذ أموالها ولم تجد سوى معاونة الركاب "لمينا من بعضنا لترجع على القاهرة مرة تانية".
يعمل أبو زين في مجال التجارة، وله عمل يتابعه في مصر، لذلك جاء قبل ستة أشهر وكذلك لإنهاء إعداد منزله، غير أنه بعد ثلاثة أشهر صار بين المنتظرين للعودة إلى زوجته وابنيه.
بسبب غلق المعبر، لم يتمكن أبو زين من رؤية ابنه المولود حديثًا قبل خمسة أشهر، منى الأب نفسه باحتضان وليده هذه المرة لكنه لم ينجح سوى في المبيت على الطريق للمرة الأولى "مكنتش خايف من أن يحصل شيء من التكفيريين، طالما أنت من غزة وعايش على طول بنتشاهد".
لم يُعاد فتح المعبر باتجاه غزة، بينما أعلنت السفارة الفلسطينية في مصر أنه لا يوجد موعد معلوم، فقط تم مغادرة 516 شخصًا من رفح الفلسطينية إلى القاهرة، الجمعة الماضية 23 فبراير، ممن تم ختم جوازات سفرهم وعلقوا بالصالة المصرية في المعبر.
في القاهرة، ينتظر أبو زين أذن المغادرة في منزله، يحمد الله على أحواله رغم مشقة الرحلة، يحزن لحال رفاق مدينته المحاصرة، فيما يواصل صلاح معرفة معالم الإسماعيلية، المدينة التي اضطر سكنها إلى أن يأتي موعد جديد لفتح المعبر، لا يعلم كيف يدبر الأحوال حتى العودة، يأمل أن تمر الأيام القادمة خفيفة على أسرته حتى يبلغوا موطنهم، بينما تتمنى أم رشيد "لما يعلنوا عن فتح المعبر مرة تانية تكون السفارة الفلسطينية منسقة بشكل كامل الوضع الأمني مع الجانب المصري .. إحنا ما بنستاهل كل ها المعاناة".
فيديو قد يعجبك: