من النوبة.. كيف تابع الأهالي لقاء القمة المشتعل؟
كتب- محمد مهدي:
تصوير-جلال المسري:
حضر الظلام، هدأت الحركة في شوارع قرية غرب سهيل النوبية بأسوان، غادر السياح المكان بعد قضاء يوم لطيف، المحلات تُغلق أبوابها فيما كان عدد من أهالي المنطقة يتجهون إلى مقهى شمندورة، لمتابعة مباراة القمة 114، بين فريقي الأهلي والزمالك في الدوري المصري. كانت التوقعات تُشير إلى مباراة "تحصيل حاصل" لكن مفاجآت عدة جرت على أرض الملعب و"شمندورة".
داخل المقهى الشهير بالمنطقة، جلس العشرات من الحضور على كراسي خشبية كبيرة، فيما اختار الأطفال المكوث فوق مصطبة داخل المكان "معروف عندنا الأولاد الصغار في مكان والكبار في مكان" وفق عادل الذي يعمل بالمقهى.
تلك المرة الأولى لعادل الذي لم يُجري فيها أية استعدادات لمباراة قمة "أصله ماتش عادي، الدوري اتحسم من بدري" لم يستعن بشباب آخريين كعادته في مباريات القمة، اكتفى بشخص وحيد يساعده في العمل، واكتفى بعدد الكراسي المتاحة في الأيام العادية.
الدقائق الـ 5 الأولى، لم تُبشر بشيء، تمريرات عشوائية من كلا الفريقين، قبل أن يخطف كابنجو كاسنجو اللاعب الأفريقي بالزمالك الهدف الأول، من عرضية طائشة. اشتعلت المباراة فجأة، فيما كانت جماهير الفريقين بـ "شمندورة" في ذهول، وعادل يمر بـ"المشاريب" غير عابئا بالنتيجة.
بدا القلق على جمهور الزمالك، فيما يتابع مشجعي الأهلي مجريات المباراة بترقب شديد، لكن على أرض الملعب ظهر الوضع صعبا، تمريرات خاطئة، وسط ملعب غير متماسك للنادي الأحمر، والحماس يُلهب لاعبي الأبيض، قبل أن تزداد الأمور صعوبة بإحراز أيمن حفني الهدف الثاني في مرمى محمد الشناوي.
انفرجت أسارير "الزملكاوية" يتبادلون فيما بينهم كلمات باللهجة النوبية، يتسأل أحد ضيوفهم من المصريين عن المعنى، فيُجيبه رجل خمسيني "بيقولوا الزمالك شكله هيكسب عكس التوقعات" تمر دقائق المباراة، عُنف غير مبرر على استاد القاهرة، خروج سعد سمير مصابا، إنذارات عديدة يُخرجها الحكم، قبل أن ينتهي الشوط الأول.
لا يتجول عادل في المكان كثيرا لسؤال الزبائن على طلباتهم "احنا هنا مبنضغطش على الزبون زي القاهرة، بنسيبه براحته" الطلبات في المقهى النوبي مختلفة عن غيرها من المحافظات الأخرى "هنا بنقدم أعشاب نوبية جنب الشاي زي حلف البر، وحلف اللمون، وطبعا الدوم والكركدية".
يطلب أحد كبار السن، تجاهل تحليل ما بين الشوطين، والانتقال إلى مبارة الأرسنال واتليتكو مدريد في نصف نهائي الدوري الأوروبي "خلونا نشوف كُرة عِدلة" يُنفذ طلبه، المباراة ساخنة منذ اللحظة الأولى، هجمة هنا وهناك، "سيمي فرسالجكو" لاعب أتليتكو يُطرد بعد حصوله على إنذارين، كاد المشجعين أن ينسوا مباراة القمة، فذكرهم أحد الحضور غاضبا، ليصرخ الرجل الكبر "يعني هنأخد منه إيه، أنا زملكاوي، والماتش مش مهم، نسيب الماتش الحلو دا ونروح للدوري المصري؟".
في النهاية انصاع لرأي الأغلبية، بعد مناقشات سريعة دارت باللغة النوبية، عادوا من جديد إلى القناة المصرية التي تنقل المباراة، بينما يضحك رجل آخر "احنا كدا بنحب نشاكس بعض" مضى نحو 10 دقائق من الشوط الثاني،الأهلي يهاجم، قتال من كلا الفريقين، شراسة بين اللاعبين تُرجمت في التحامات قوية، بينما الهدوء سمة المشجعين في "شمندورة".
"النهاردة أي كلام، مبتشوفش إنت القهوة بتبقى عاملة إزاي في ماتشات صلاح" يتبسم عادل وهو يحكي عن ما يدور في مقهاه في مباريات فريق ليفربول الانجليزي "مبيقاش فيه مكان تقعد فيه، بنجيب كراسي كتير والناس بتقف" تنتعش شمندورة مع ظهور اللاعب المصري الفذ على شاشة التلفزيون.
بعيدًا عن أجواء صلاح الخرافية، يحاول الحكم "محمد الحنفي" السيطرة عى المباراة، عدد الإنذارات في تزايد، ثم اشتعل الملعب أكثر بضربة جزاء للنادي الأهلي، أحرز منها وليد سليمان أول أهداف فريقه ليتقلص الفارق في الدقيقة 70. وتعود اللغة النوبية إلى الحضور من جديد، فيترجم أحدهم للشاب القاهري "ماتش بايخ بس محدش عارف هيتنهي على إيه".
أكثر من 20 دقيقة تمر في اللاشيء، فقط كرة ضائعة من مهاجم الأهلي مروان محسن تصطدم في القائم، وباقي المباراة ضاعت في صدام اللاعبين ببعضهما، شجارات بينهما والحكم أحياناً، سقوط حارس مرمى الزمالك لتضيع الوقت "إيه شغل العيال دا" ينفعل للمرة الأولى أحد الحضور في سابقة لم تحدث طوال الـ90 دقيقة، قبل أن تنتهي المباراة بفوز الزمالك لتعلو ضحكة للمشجع "الزملكاوي" عاشق الدوري الأوروبي "خدوا انتوا الدوري، يكفينا إننا الفريق اللي خسركم".
يتحرك المشجع الكبير مغادرا المكان، ثم ينظر إلى الحضور "بتوع الأهلي قاعدين ليه، روحوا اتعشوا وناموا" فيضحك الجميع، بينما يجول عادل لحساب الزبائن على المشروبات، وهو يكشف لهم عن مشروب جديد متاح من مباريات دوري أبطال أوروبا القادمة باسم "محمد صلاح".
فيديو قد يعجبك: