لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

أحمد خالد توفيق.. صاحب "اليد العليا" انتصر (مقال)

01:51 م الجمعة 06 أبريل 2018

كتب- أحمد الليثي:

الصور- حسام مصطفى إبراهيم:

كان أحمد خالد توفيق مُنقّى من شوائب النفس التي تصيب الكُتاب؛ يُعطي اليد العليا للقارئ، لا يعامله بكبر، يرسم له الطريق كي يدخل مضمار الوعي والأدب، يدله على أسماء كبرى في دنيا القراءة، لا يقف العالم عند حدوده. جيل كامل خلفه في دنيا الصحافة والنشر، كم من مرة تصادف أحدهم وهو يتحسس خطاه الأولى بكتاب أو تجميع لمقالات فيما يكون "أحمد خالد توفيق" إلى جواره، يدعمه، يربت على كتفه، يهمس في أذنه ومن ورائه أبناء جيله: "بكرة بتاعك".

ربما تصادف ممثلا موهوبا ولكنه لا يزال مغمورا، أو صديق دراسة عابرًا، قارئًا مخلصًا، يُحدثك عن علاقته الوطيدة بـ"العراب"، يقول إنه ملهمه، يجالسه أسبوعيا، يلتقيه في القاهرة وطنطا، يبادله "توفيق" الصداقة عن طيب خاطر، ربما يبادر هو –أحمد خالد توفيق- بالسؤال عنه والاتصال به، لا يترك مناسبة تخص قارئًا إلا وشارك فيها، بل كان أول الحاضرين.

في وقت الثورة علّم "العراب" رفاقه ومريديه درسا لن ينسوه؛ كان يختلف معهم في الرأي عبر صفحات الجرائد، يناقشهم بالحُجة والبُرهان، يُبجلهم، لم يستخدم لفظة "العيال" كما كان شائعا، لم يقل يوما "أنتوا مش فاهمين حاجة"، كان يبدأ من حيث ينتهون، يتحدث بفخر أن من كانوا تلاميذه صاروا كُتابا ينافسونه، لم يخذلهم برأي غير منصف، أو شوفينية بغيضة، لم ينجر لمعارك سياسية، رفض أن يصير مبتذلا على الشاشات، فضل أن يطل على محبيه بمقالاته المُشعّة إنسانية.

في حفل لتوقيع أحد كتبه، يُقبل "توفيق" رأس شاب يجلس جواره، فيغرق الشاب في الابتسام، تعتقد أنه ابن أو قريب، فيما تخفي الكواليس روعة ما جرى، لم يكن سوى قارئ حضر خصيصا من المنيا للقاهرة كي يُصافحه، عندها رد بأدب جم: "يا أخي تيجي من المنيا مرة واحدة، والله لو قولتلي أجيلك أنا وماتتعبش نفسك، أنا هبوس راسك على مجيتك دي".

لم تكن أفعال أحمد خالد توفيق كلاشيهات يبغي بها الرياء، أو ادعاء فارغًا؛ وإنما خرجت من القلب فلمست أفئدة من ساروا في جنازته يبكونه بحرقة، كان أبعد ما يكون عن الأضواء وومضاتها. يفضل الجلوس على مقهى فقير وسط ندمائه، يتحدث في إحدى مقالاته قبل سنوات عن دواء لم يجده: "هكذا أكتشف أنني سأموت بعد ثلاثة أيام مع انتهاء آخر ستة أقراص لدي"، وجد ضالته بعد عناء، فيما لا يُنهي "توفيق" مقاله بشكوى شخصية لكاتب كبير وإنما بسؤال فطري لمن كان لديه قلب، يتساءل عن الفقراء: "استطاع صديق صيدلي أن ينقذني ببضع علب سوف تنتهي طبعًا خلال شهرين لأبحث عن مفر آخر من الهلاك، لكني على الأقل ظللت حيًا بما يكفي لكتابة هذا المقال. والسؤال هو: ماذا يفعل من لا يعرف صيادلة؟".

معذورون أولئك الذين استكثروا عبارات الرثاء فوق قبره، يتساءلون عن ماذا تعني جملة "جعل الشباب يقرأون"، هل وحده الذي كتب؟، فلم يشاهدوا جيلًا بأكمله يتلهف شغفا في انتظار نزول عدد جديد من رائعته "ما وراء الطبيعة"، لم يعايشوا جيلا جعل الكتاب المدرسي غلافا لرواياته الصغيرة، كيف اختلس الصغار المتعة لساعات وهم يحفظون كلمات رفعت إسماعيل عن ظهر قلب، كيف كان الجيل يكبر فيسبقهم "خالد توفيق"؛ ينتظرهم بـ"فانتازيا" و"سفاري"، يلاحقهم بـ"يوتوبيا". يبقى مرجعية حقيقية تعيش بينهم، لا مجرد كاتب مختفٍ خلف سطوره، وجدوا فيه شخصا شفافا، لا يحب الظهور بوجهين، تلِذ له الحياة وهو يحيا بوجه واحد، معلما، متسقا مع ذاته، ساخرا، متواضعا، لا يأبه لشئ، يعيش بالإنسان وللإنسانية.

لم يكن "أحمد خالد توفيق" مُدعيا لبطولة، أو باحثا عن مجدٍ زائف؛ فقط امتلك من الحكمة ما يجعله يدرك التبعات، يعرف أن السامر سينفض ولن تبقى سوى المروءة والإنسانية، يقول أحدهم على فيس بوك، إنه في أحد امتحانات الشفوي لكلية الطب كان "خالد توفيق" هو الممتحن، وأمام مسألة لم يستطع الطالب أن يُجيب، فما كان من "العراب" إلا أن ترك الورقة التي يدون فيها الدرجات جانبا وراح يشرح للطالب الدرس الذي يحوي السؤال؛ فطن "الطبيب" مبكرا لدور المعلم، لا ينظر لسطحيات الأمور وإنما إلى لبّها، أراد لطالبه أن يعرف قيمة العلم، المسألة ليست درجات يحصدها فيضحى متفوقا أو يخسرها فيصير راسبا، وإنما شك للحظة أن العيب ربما كان في المعلم لا في الطالب، ربما لم تصله المعلومة جيدا، ربما لو سودت صفحة الطالب بالأصفار لنقم على العالم، فيما ظل الموقف مغروسا في ذاكرة التلميذ عن ذلك الذي علمه درسا لن ينساه، فرد له الجميل بدعوى رافقته حتى القبر.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان