"الويسكي" على مائدة إفطار المصريين.. "مياه الطرشي" تكسب في رمضان
كتبت- دعاء الفولي:
لا يتذكر عبد العزيز سيد المرة الأخيرة التي اشترى فيها "المخلل" من الشارع، يبرع الرجل السبعيني في صناعته منزليا، يعرف المقادير بالتمام كأي "أسطى" في معمل طرشي قديم، الأمر بالنسبة له مزاج، تعود عليه منذ أكثر من 30 عاما، وفيما يتقن صناعة المخلل، فـ"ماية الطرشي" هي التي تستهويه بشكل أكبر، لا تخلو سفرة منزله منها، حتى في رمضان، سواء في وقت الإفطار أو السحور.
"مياه الطرشي" مقدسة لمحبيها، لا معنى للطعام إلا بها، يصفونها بـ"ويسكي الغلابة"، وكما لها أهمية لديهم، فهي "سر الصنعة" لدى البائعين.
أكثر من عشرين عاما مرت على سلامة ناجي في بيع المخلل "زبون ماية الطرشي مبيتغيرش.. سواء في رمضان ولا غيره". لا يتعلق الأمر فقط بسمعة المحل الجيدة "لكن كمان البهارات اللي بنحطها عليها"، يضحك ناجي قائلا "بنحط كل العطارة بتاعة مصر". على مدار الأعوام الماضية لم يتغير محتوى المياه كثيرا "ممكن نضيف جوزة الطيب أو نعناع"، وفيما عدا ذلك يخاف أصحاب المكان من المغامرة "الزبون اللي بييجي عارف حاجاتنا، لو غيرنا كتير هيطفش".
داخل المطبخ والثلاجة، تتراص المخللات بأنواع مختلفة، يُجهز سيد كل واحد فيها على مهل "الماية طريقتها واحدة؛ خل وملح وفلفل وكمون وأحيانا توم"، يستطيع الموظف بالمعاش أن يتحكم في كمية الملح بالمياه "عشان كدة مش بحب أشتريها من الشارع".
البيع والشراء لم يعودا كالأعوام الماضية "الحر والغلا مأثرين على الناس" حسبما تحكي "أم جنى" التي تعمل بأحد محلات المخلل في السيدة زينب.
لكن ذلك التأثير لم ينسحب كثيرا على محبي "مياه الطرشي"، إذ تقابل السيدة زبائن يأتون بشكل دائم لطلبها في زجاجات "عندنا من أول كيس بجنيه لحد إزازة بتلاتة جنيه"، فيما يشربها آخرون في أكواب "بلاقي ناس بتقولي هاتي حبة في كوباية زي القصب كدة.. دول بقى الغاويين".
الصنعة علمت القائمين على المحل مراعاة الظروف المرضية لزبائنهم "بقى يجيلي حد يقولي معندكيش طرشي الماية بتاعته مش مالحة؟"، لذا وفِي رمضان الماضي بدأ المحل يبيع مياه الطرشي قليلة الملح "دي لمرضى الضغط بتبقى كويسة".
في المقابل لا تضع ابتهاج عرفة نصائح الأطباء في عقلها بشكل كبير "مخلل البيت حنين وعارفة بعمله ازاي"، رغم ذلك تشتري السيدة الستينية الطرشي من الشارع أحيانا "هو الماية بتاعته بتبقى مركزة عشان كدة الناس بتحبه أكتر"، فيما يعرف مجدي أحمد، صاحب محل مخللات بمنطقة عابدين، بعض الزبائن المصابين بأمراض مزمنة "ومع ذلك مش بيقدروا يستغنوا عن شرا ماية المخلل".
يعتبر أحمد أن مكونات مياه الطرشي "سرية". يتم إنتاجها في المعمل التابع له المحل "دة أقدم معمل في المنطقة، موجود من سنة ١٩٠٠"، وأحيانا في المحل نفسه، ورغم أن الخل والملح هما العاملان الأساسيان فيها "لكن التوابل بتختلف"، يتعامل الشاب الثلاثيني مع الأمر كـ"الطبخة" التي يتقنها صاحبها بالخبرة والتجربة.
مع الوقت، صار سيد، الرجل السبعيني، يفضّل نكهات معينة من مياه الطرشي "اللفت أحلى حاجة لأن الماية بتاعته خفيفة ونكهتها قوية"، غير أن موسم اللفت لم يعد متزامنا مع حلول رمضان في السنوات الأخيرة، لأنه –الليفت- يظهر في الشتاء، فيعوض سيد ذلك بالليمون المعصفر "هو مش بيبقى ليه ماية كتير لكن العصير اللي بينزل منه مع حبة البركة بيكون عظيم".
ورغم اعتياد سلامة ناجي على مياه المخلل، بحكم عمله "بس هي اللي بتدي طعم للأكل"، يمكث الشاب في المحل من الظهر وحتى الواحدة صباحا في رمضان. يتناول إفطاره في نفس المكان "لما المغرب يأذن محدش فينا نفسه بتروح للمخلل، بس كلنا بنملى كوبايات ماية نبلع بيها اللقمة".
فيديو قد يعجبك: