لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

بعد أسبوع من "ليلة خروج الكائنات".. ماذا حدث بـ"الغابة المتحجرة"؟

02:42 م الجمعة 04 مايو 2018

كتبت- دعاء الفولي ومها صلاح الدين:

تصوير- نادر نبيل والصفحة الرسمية لمحمية الغابات المتحجرة:

فيديوجراف - أحمد عبد الغني:

في السابعة مساء الأربعاء الماضي تلقى اللواء علاء إبراهيم، مدير أمن محمية الغابة المتحجرة، اتصالا من أحد حُراسها يخبره بسوء الأوضاع في المحمية، وأنه محاصر مع 3 آخرين من أفراد الأمن بمبنى الإدارة الموجود داخلها، ويقع المبنى فى منطقة منخفضة ما جعل منسوب المياه يرتفع داخله، ويُحاصرهم لعدة ساعات.

وعلى مدار يومين اجتاحت موجة طقس سيئ البلاد، الأسبوع الماضي، ما أدى لحدوث عواصف رعدية وهطول أمطار شديدة بمناطق عدة في العاصمة غير أن أكثرها تضررًا كان بمنطقة التجمع الخامس، فيما لم تسلم محمية الغابة المتحجرة هناك من أذى الطبيعة.

صور 1

يقول اللواء علاء إبراهيم: "منذ عشرين عامًا لم تأتِ سيول بهذه القوة على المحمية، حيث تسببت حتى في سقوط جدارها وإحداث فتحتين عريضتين بسور المحمية، إحداهما بعرض 12 مترًا، وأخرى 15 مترًا"، مشيرًا إلى أنه لم ينجم عنها انهيارات في تربة الغابات المتحجرة على عكس ما أشيع.

طوال ليلة السيول ظل "إبراهيم" يتابع مع الحراس ما يجري داخل المحمية بالتليفون المحمول تارة، وأجهزة اللا سلكي تارة أخرى، ومع أول ضوء من صباح الجمعة، استقل سيارته ليبدأ جولة حول أسوار المحمية، ليشاهد ما خلفته الأمطار من آثار.

صورة 2

في الطريق شاهد تجمع مياه عند مساكن النرجس المواجهة لأحد أسوار المحمية، أما في المحمية فأخذ يرصد انهيارات في السور الذي لا يزيد ارتفاعه على ثلاثة أمطار، شيدته اليونسكو من الحجر الثقيل، كشكل جمالي، دون قواعد أو أعمدة "كان طبيعيًا أنينهار بسهولة"، يقول مدير الأمن.

يحيط ذلك السور 6 كيلومترات هي مساحة الغابات المتحجرة داخل منطقة التجمع الخامس، يحدها من الشمال مساكن النرجس، ومن الشرق مساكن أبوالهول، وتوجد الجامعة الألمانية في الغرب، أما بوابتها الرئيسية فتقع في الجنوب على الطريق المؤدي إلى العين السخنة.

صورة 3

عقب ساعات من توقف الأمطار، أصدرت وزارة البيئة بيانًا، تهيب فيه المواطنين الإبلاغ عن أي كائنات غير معتادة بالمنطقة السكنية المحيطة بالغابة المتحجرة.

وبحسب البيان، فإن المتخصصين في علوم الحيوان بوزارة البيئة أجروا مسحا بدءا من منتصف ليل الخميس 26 أبريل وحتى الشروق (موعد نشاط تلك الأنواع) في المناطق المتاخمة للمحمية خصوصًا الأماكن المحيطة بمواقع انهيار السور والمقابلة للمناطق السكنية والمأهولة، بحدي المحمية الغربي تجاه الجامعة الألمانية والشمالي تجاه حي النرجس وأجزاء من الحد الشرقي، باستخدام الكشافات الليلية وعصا تتبع الأثر والزحافة اليدوية وكانت أولوية المسح لجميع المناطق الجافة بالقرب من تجمعات المياه ومناطق الحشائش والأحجار وعند المخلفات باتجاه الكتلة السكنية من كل حد من الحدود، غير أن المسح لم يسفر عن تواجد أي كائنات في المنطقة التي أصابها الضرر.

"لم يكن ثمة احتياطات ينبغي اتخاذها من قبل إدارة المحمية، هي "كارثة طبيعية" على حد وصف إبراهيم. لذا الاحتياطات كانت تكمن في وجود بلاعات مياه في نهاية المنخفضات، ووضع مخطط لها أثناء عملية تخطيط الشوارع ورصفها حتى نتمكن من الاستفادة من مياه الأمطار، "لكن احنا معندناش القصة دي خالص"، يقول إبراهيم بلهجة قاطعة.

داخل المحمية، توجد ارتفاعات رملية تتراوح بين الـ40 والـ60 مترا، لديها قدرة على امتصاص أي كمية مياه، هكذا يؤكد أحمد عبدالوهاب، الباحث البيئي في المحمية، أما المنطقة التي داهمتها المياه فهي منطقة الوادي الصغير، وهي المنطقة نفسها التي كُسر فيها السور من الناحيتين.

على مواقع التواصل الاجتماعي، كان لبيان وزارة البيئة صدى ضخم، لا سيما مع التضرر الذي حدث في منطقة التجمع الخامس، وشكاوى المواطنين، حالة من الخوف انتابت روّاد فيسبوك من "الكائنات" التي نوّهت عنها وزارة البيئة، لكن على الأرض، بدا الوضع مختلفا.

أمام البوابة الرئيسية للمحمية وعلى الرصيف الواقع في منتصف الشارع الشاسع، جلس شعبان حمزة رجل يسير في عقده السابع، يعد كوبا من الشاي الساخن أمام غرفته الخشبية، اعتاد على تلك الجلسة وحيدًا طيلة أيام الصيف والشتاء، لحراسة أحد أبراج شركات المحمول، لا يؤنس وحدته في العادة سوى كلب وقطة، وصوت الراديو.

صورة 4

ليلة السيل، كان في طريقه لمتابعة مباراة لمحمد صلاح على مقهى صغير بالقرب منه، حُوصر هو والمشاهدون داخله حتى بدأ المطر ينقطع، عاد على الفور ليشهد ما حدث لغرفته التي لا تتعدى مساحتها 1.5 متر مربع، لا تسع سوى سرير وكرسي، وكومات من الثياب المتناثرة التي أغرقتها المياه، ورغم مرور عدة أيام، لم تجف بعد.

سمع شعبان عن أمر الزواحف التي هربت من داخل المحمية بسبب السيل، لكنه لم ير شيئا. فقط منذ عام، دخل إلى غرفته ثعبان تسبب في تسمم ابنته بعد أن أطلق سمه على الطعام، على حد قوله، ومن وقتها لم ير أي زواحف هجرت الغابات المتحجرة.

صورة 5

يتعجب عبدالوهاب، الباحث الأربعيني، مما تردد حول خروج الزواحف من المحمية بعد موجة السيول الأخيرة، ويقول: "الزواحف حساسة جدا، الحيات تحديدا بتحب الرطوبة، ولما بتشعر بالخطر بتلجأ لأعماق بعيدة جدا داخل الأرض".

تلك الكائنات الصغيرة التي لا يتعدى طولها الـ50 سم، بحسب وصف الباحث، انجرافها على الرمال بفعل المياه، يقطع أجسادها، ويقتلها. خاصة أن السيل الذي يختلف توقيته كل عام، ويقوم بتوسيع الوادي الصغير، لم يمر بهذه القوة منذ 30 عامًا، هي مدة حياة عبدالوهاب في المنطقة نفسها.. "قد تقتل السيول الزواحف في جحورها أصلا".

صورة 6

"ثعالب الفينيكس، والعقارب والحيات، والأرانب.. هي أبرز الكائنات التي تعيش داخل المحمية بحسب قول الباحث، وهي كائنات لا تخرج من الصحراء حتى في حالة الكوارث الطبيعية "بتهرب لعمق المحمية مش العكس".

القوارض والسيول وحتى الزواحف، لا تشكل خطرا على المنطقة المحيطة بالمحمية من وجهة نظر عبدالوهاب، لكن التخطيط السيئ للقاهرة الجديدة والتغيرات المناخية، هي ما تشكل خطرا حقيقيا على المدينة.

صورة 7

منذ ما يزيد على 20 عاما، تم بناء مدينة القطامية فوق مخر سيل الوادي الصغير، وبعد ذلك تم بناء شارع التسعين بالتجمع الخامس على مخر سيل الوادي الكبير، لم يلتفت المخططون في الحالتين إلى تأثير ذلك في المستقبل، ولم يعتدوا به أثناء بناء شبكة الصرف الصحي في المدينتين، فكان ما شهدته المنطقة خلال الأيام الماضية هو النتيجة.

الوادي الصغير هو أحد الوديان التي صنعتها الطبيعة في محمية الغابة المتحجرة، إذ يُعتبر مخرا (مسارا) للسيول السنوية، لذا فبناء سور أمامه كان قرارا خاطئا منذ البداية، حسب قول، عمرو صلاح، المدرب في مدرسة التعايش في الصحراء.

"السيول مش شيء ضار بالبيئة، بالعكس، تتجدد الحياة النباتية، وتتقلب التربة"، يقول صلاح، غير أن الأزمة تكمن في التعامل معها، وتطويعها كي لا تبلع ما يقف أمامها، في المقابل يضيف المدرب في مدرسة التعايش في الصحراء، أنه كان يمكن بناء مخرات أسفل الأرض، يكمل فيها السيل طريقه، لتصب في النهاية داخل النيل أو شبكة الصرف الصحي.

صورة 8

داخل أحد المقاهي القريبة من الغابة المتحجرة، كان محمد حسين يُجهز مشروبات الزبائن، أثر ليلة المطر الشديد ما زال حاضرا، رغم مرور أسبوع "الحمد لله إنها عدت على خير، التلج كان بينزل كأنه حجر"، غير أن صاحب المقهى والساكن بالمنطقة منذ 5 أعوام لم يسمع عن خروج أي شيء من المحمية "لو في حاجة كنا أول ناس هتحس بيها".

وجود حراسة على المحمية كان مطمئنًا لحسين، كذلك كان الحال لرأفت حازم، القاطن بنفس الشارع. سخرية بدت في حديث رأفت عن بيان وزارة البيئة "الشعب المصري بيحب يهوّل، أنا ساكن هنا من 9 سنين مشفتش حاجة"، فيما اتفقت مديحة إبراهيم إحدى الساكنات بالمنطقة على نفس الرأي.

في الصباح التالي للسيول، تفقد عبدالوهاب المحمية بكاميرا شخصية لرصد أي تغييرات "مكنش في آثار لموت أي حيوانات أو خروج". حالة من الاستياء رافقت عبدالوهاب على مدار الأسبوع الماضي "الإعلام مطلّع التعابين وكأنها كائنات ضخمة هتدخل على البيوت كلها". يروي الباحث أن الثعابين عموما، كائنات خجولة "لما بتحس بأي خطر بتهرب لأماكن مظلمة في أعماق الرمال"، كما أن الثعابين الموجودة في المحمية "صحراوية"، لا تستطيع التعامل مع المياه أو السباحة.

صورة 9

قصة المحمية بدأت منذ أكثر من 25 مليون سنة، حينما كانت الأرض مغمورة بالمياه، ومع التغيرات البيئية تكونت الغابة المتحجرة، إلا أن تلك الفترة الزمنية قليلة، إذا ما قورنت بسن القرش، الذي عُثر عليه في المحمية منذ عدة أعوام، ويُقدّر عمره بحوالي 400 مليون عام، حسب قول عبدالوهاب.

لم تسلم المحمية من ظاهرة الاحتباس الحراري "الظاهرة بتأثر على تقلبات الجو اللي بتأثر بدورها على أوقات المطر وكمياته"، حسب قول عبدالوهاب. ويزيد من صعوبة الأمر موقع مصر الجغرافي، ما يجعل الرياح الشمالية الشرقية، تتقابل مع الغربية " وهذا يؤدي لعواصف أكبر وأصعب"، حسب قوله.

"الصحارات" هي الطريقة الأمثل لاستغلال مياه الأمطار، وهي أشبه بخزانات عميقة توضع أسفل مسار السيول "هي مش اختراع صعب وموجود في العالم كله"، يقول عبدالوهاب، لكن رغم ذلك، مصر ليست من ضمن تلك الدول.

انهيار جزء من السور لم يكن أمرا غريبا بالنسبة لإبراهيم وعبدالوهاب "هو اتعمل على عجل أصلا من حوالي 12 سنة وساعتها قولنا إنه غلط ومش متأسس كويس" حسب تعبير عبدالوهاب، الذي يؤكد أن بناء سياج كان الأصلح، قبل أن يضيف "الحقيقة السور أو السياج ملوش لزمة".

صورة 10

في فترة التسعينيات حدثت سيول شديدة فيما كانت المحمية بلا سور "ورغم ذلك مفيش أي زواحف خرجت، لأنها بتهرب لداخل الغابة". خلال تلك الفترة، لم يكن الزحف العمراني بدأ بعد، "المحمية موجودة قبل العمران، فلو فيه حاجة ليها تأثير على التانية، هيبقى العمران على المحمية".

يتذكر عبدالوهاب قبل بناء السور ووجود حراسة دائما على المكان "كان الرمل بيتسرق كتير، وأحيانا كنا بنلاقي أكياس قمامة بتدخل المحمية بسبب الهواء، غير المخلفات التانية"، تحسن الوضع في السنوات الماضية، بعد تعيين حراسة دائمة، غير أن الزحف العمراني ما زال مستمرا.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان