بالصور- رفيق السماء.. سامي حقق حلمه بلمس النجوم بعد 30 سنة
كتبت-إشراق أحمد ودعاء الفولي:
في مشهد يبدو سينمائياً. استلقى سامي على ظهره، عيناه شاخصتان إلى السماء، بينما يلامس جسده أرض حديقة منزله. لا أضواء في أرض الجولف، وحدها النجوم تسطع في بهاء، تزيل أنوارها عتمة الليل، وتُزيد العيون دهشة "هذه درب التبانة، وذاك نجم سهيل.."، فتثير أشكال المجرات الحلم في نفس صاحب الثالثة عشر عامًا وقتها ورفاقه الصغار "اتمنيت أطير وسط السحاب والنجوم، وألمس بإيدي الأكوان والمجرات اللي بشوفها".
كان ذلك أواخر السبعينيات، حين مس سامي العلبي الحلم، لكنه بعد قرابة 30 عامًا أصبح حقيقة. احترف العلبي التصوير الفلكي، رغم دراسته الهندسة، جاب العديد من المناطق، حاز عدة جوائز محلية ودولية، غير أن أقربها لقلبه ما حملت صفة عربية لأن "المصور بشكل عام لسه مأخدش حقه" حسب قوله.
الإعجاب الذي ينتاب الرائي لصور العُلبي للحظات، يسبقه رحلة طويلة تمتد لساعات حتى الوصول إلى وجهته؛ مكان قصي، صحراء أو قلب الجبال، مشاعر الرهبة بانقطاع التواصل مع البشر تختلط مع نشوة المغامرة، إلى أن تأتي لحظة التجلي، مع غلق أي مصدر للضوء، والنظر إلى السماء "بيحصل لي ذهول.. بشوف عدد لا نهائي من النجوم"، يلتجم لسان المصور، ويبقى حديث النفس "قد إيه الواحد صغير.. إزاي العالم ده مليان مشاكل وخلافات في وسع الكون ده.. مفيش حاجة تستاهل".
عام 2011، قرر العُلبي أن يتخصص في التصوير الفلكي، كان قبلها يُفضل التصوير المفاهيمي، الذي يقوم على تصوير أشياء تحمل رمزية معينة "يمكن ده كان سبب إني انتقل لتصوير الفلك، دايما كنت بحس إن النجوم والسما بيوصلوا رسايل".
السكون بات إدمانًا للعُلبي "الصفاء النفسي في الوقت ده بيخلي الواحد يكرر التجربة مرة واتنين وعشرة وميزهقش". لم تعد المغامرة لأجل الفن، بل استشعار العِبرة بات هدفًا أسمى.
الصحبة عِتاد يُقدره العُلبي كما المعدات التي يحتاجها، ليس كل شخص يصلح أن يكون رفيق رحلة فلكية "يكون صديق أو حد من العيلة، يشارك حبه للطبيعة أو المغامرة، الفلك والنجوم، أو مجرد صديق يحب التأمل".
يصف المصور الفلكي حالة الرفقة بمجرد الوصول إلى البراح "الكل بيبقى منهمك إما بالتصوير أو التأمل"، فالصمت في تلك الأوقات يصبح طبعًا أصيلاً، لا غاية فيه إلا الارتقاء بالنفس مما لاقته من مشقة.
منذ أكثر من 70 عامًا استقرت عائلة العلبي في مصر، قادمة من سوريا. يعمل المصور على تصوير العديد من الأماكن في مصر، مثل الصحراء البيضاء، وادي الحيتان، الواحات، وغيرها من المناطق التي لازال يرى أنها لم تُكتشف بعد "حلمي أن الأماكن دي تكون مزار للمصورين من أنحاء العالم يشوفوا قد ايه بلدنا فيها جمال مالوش مثيل".
رغم المُتعة، فالأمر ليس يسيرا؛ أزمات عديدة يقابلها العُلبي خلال العمل، بدءً من ثقل المعدات التي يحملها، وحتى الاستعدادات التي يتعين عليه اتخاذها قبل كل رحلة، مرورًا بطول المسافة التي يقطعها لعمق الصحراء ومُدد الانتظار الطويلة لالتقاط صورًا مرضية.
"التصوير الفلكي أكثر تعقيدا"، حسبما يحكي المصور الخمسيني. يتعين على العلبي أن يدرس جغرافياً المكان الذي سيذهب إليه، أن يعرف تفاصيله والكائنات التي تعيش فيه، غير أن ذلك لم يمنع حدوث المواقف الخطرة؛ يتذكر حين ذهب برفقة أصدقائه لوادي البراق بالإمارات العربية المتحدة، على أمل التقاط صور مختلفة "ساعتها اضطرينا نعدي من فوق سد صغير بيحجز المياه ونزلنا في حتة أشبه بالوادي"، قبل أن تصطدم أعينهم بثعبان ضخم، يربض منتظرًا.
"احنا كلنا خوفنا جدا، قررنا نمشي"، غير أن العبي طلب من صديقيه البقاء لعدة دقائق لالتقاط صورة واحدة على الأقل "خليت واحد من صحابي يقعد على صخرة عالية يراقب بالكشاف الدنيا"، الدقائق تحولتا إلى ساعات، لم يستطع المهندس مقاومة السماء "قعدنا لحد ما الشمس طلعت"، رغم صعوبة الموقف والتوجس "بس لما بنفتكره دلوقتي بنضحك عليه" لا سيما وأن العلبي حصل على صور جيدة في تلك الليلة.
مئات الصور التقطتها عدسات العُلبي، لكن أقربها لقلبه كانت صورة لجبل المنفردة في منطقة وادي الحيتان، يقول المصور الفلكي إن جودة الصورة الفنية ليس ما يجعلها فقط مميزة، لكن قصتها.
يروى العُلبي أن تسمية الجبل تعود للحرب العالمية الثانية، حين سقطت طائرة ألمانية، فتوفى قائدان، فيما نجا الثالث لفترة محدودة، استطاع فيها حفر اسمه وطاقم الطائرة على الجبل، وبعد خمسين عامًا تم اكتشاف القصة ورفات الطيار، ليقوم أهالي الفيوم بدفن الرفات، وعمل مراسم تشييع، وحُفظت القصة تُروى لمن يزور المكان.
وكاختلاف التصوير الفلكي، تكون المعدات كذلك "بتكون مهيأة للظروف القاسية زي المحركات اللي بتتحرك مع حركة الأرض". ورغم ذلك يؤمن العلبي أن التقنية والخبرة هما ما يصنعا صورة جيدة ومميزة.
ويوضح المصور الفوتوغرافي بعضًا من "التكنيك". يذكر الغالق البطيء، أو خاصية فتح العدسة مدة زمنية طويلة لالتقاط صورة "ممكن تكون لمدة 1 على الألف من الثانية أو 30 ثانية تفضل الكاميرا مفتوحة تلتقط كل نوع من أنواع الإضاءة عشان تعكس التفاصيل".
العديد من الأماكن زارها العُلبي بكاميراته، غير أن النفس تشتاق لبعضها كلما راح إليها مرة، حال منطقة تسمى "الروضة الخالية" بصحراء الإمارات، يذهب إليها المصور كل عام تقريبًا، لكن ما إن يرحل حتى يخطط للمجيء ثانية.
كما أن هناك أماكن لم يُزرها من قبل؛ مثل شبه جزيرة سيناء، مرسى علم، سيوة وغيرها. فيما تصبح القائمة طويلة خارج مصر "وادي رم في الأردن، صحراء فصيلي في الجزائر وجُزر هاواي"، لا تتوقف أحلام المصور عند منطقة معينة، يسعى خلف النجوم وتفاصيل السماء أينما كانت، فيما يتمنّى تصوير السماء في سوريا؛ إذ لم يذهب هُناك سوى مرة واحدة في التسعينيات.
حينما دخل العلبي مجال تصوير الفلك، تعين عليه أن يصبح دارسا للفلك، إن لم يكن بين أروقة الجامعات، فعن طريق القراءة، تطلب الأمر منه جهدا كبيرا، لذا فحصوله على عدة جوائز في التصوير "كان دافع قوي ليا عشان أكمل"، إذ حصل على المركز الأول في مسابقة البيئة بالإمارات العربية المتحدة عام 2014، كما حصد المركز الثاني بالمسابقة الدولية للتصوير الفوتوغرافي بمدينة الفجيرة في العام التالي، غير أن أكثر ما أسعد العلبي كان نشر صوره بعدة مجلات علمية منها مجلة universe today.
السماء هي رفيقة العلبي، لم يخش يوما النظر إليها، أو السير في رحابها، القمر صديقه المقرب "محدش بيمل من النظر ليه أبدا.. ما بالنا بتصويره بقى"، أما النجوم فترتبط عنده بالأحلام، الطموح، والتأمل، يرى المصور السماء جميلة في جميع أحوالها، سواء أكانت مظلمة، ملبدة، أو تكسوها الشمس، لا غاية له سوى استكشافها من وراء عدسة الكاميرا.
فيديو قد يعجبك: