"الفلاحة مناحة".. لماذا زهد الفلاحون في "زراعة القمح"؟
كتبت- علياء رفعت:
تصوير- منعم سامي:
بين فرحة حصاد القمح، وشَقا الفلاحين؛ هُناك دائمًا قصص أخرى لا يعرفها المواطن الذي تمتد يديه إلى رغيف الخُبز الساخن فيأكله بسعادة، وهو لا يعلم أن لدى من زرع وحصد بطون لا يعرف الشبع إليها طريقًا لقلة الأموال وكثرة المشاكل التي تُصاحب زراعة ذلك المحصول الاستراتيجي، حتى أن العديد من الفلاحين عزفوا عن زراعته ولجأوا إلى محاصيلٍ أخرى تُدر عليهم أموالًا أكثر وتُكبدهم مجهودًا أقل.
بين سنابل خُضرٍ وسنواتٍ عجاف؛ فلاحون ورّدوا محصولهم لكنهم لم يستردوا أموالهم إلا بعد حين، وتمنوا أن يُقدر شقاهم فلم يلقوا مُقابلًا غير المزيد من الحاجة وضِعة الحال، فقرر بعضهم ترك "القمح" وحاله علهم يأكلون من زراعة محصولٍ غيره، بينما عكف البعض الآخر على زراعته رغم الخسارة لسببِ واحد "منعرفش غير زراعة الغلة من الدنيا".
في مركز ههيا بمحافظة الشرقية، انتظر مئات الفلاحين بداية موسم حصاد القمح بفارغ الصبر؛ كلٌ لسبب مختلف عن الآخر فمنهم من أراد سداد دينه، ومن أرد إطعام عائلته من خير وفير، ومن دفع إيجار الأرض التي زرع بها، بينما كانت الحكومة -وقتها- لم تتخذ قرارًا بتحديد سعر أردب القمح بعد.
"حصدنا بدري ومكنوش لسه حددوا السعر واضطريت ابيع للتجار بسعر اقل 100 جنيه من اللي حددته الحكومة بعد كده، بس مكنتش لاقي أوكل العيال".. هكذا سارت أحوال "محمد الصيفي" أحد مزارعين القمح بالمحافظة، والذي تكبد خسائر فادحة في ربع المحصول الذي قام بحصاده وبيعه للتجار بـ500 جنيه للأردب لتأخر تحديد السعر الرسمي من قبل الحكومة.
لم تكن تلك هي المشكلة الوحيدة التي واجهت مزارعي القمح ومُلاك الأراضي على حد السواء منذ بدء الحصاد، فبحسب الصيفي يتكلف فدان القمح في زراعته حوالي 11 ألف جنيه، وينتج نحو 15 أردب، مما يعني أن إجمالي ما يتحصل عليه الفلاح نظير الزراعة والحصاد هو 9000ج، بواقع 600ج للأردب الواحد وهو السعر الذي حددته الحكومة مُسبقًا "يعني لو بعنا التبن المتبقى من المحصول ممكن يقف علينا مكسب الفدان بحوالي 10,000ج، مبيغطيش مصاريفه بالرغم من إن الزرعة بتقعد طول الشتا".
تكاليف المواد الزراعية أيضًا هي إحدى أبرز المشاكل التي يواجهها الفلاحون بالشرقية -أكبر محافظات مصر في إنتاج القمح-، فبحسب العديد من الفلاحين توفر الجمعية الزراعية للفلاح الكيماوي فقط، بواقع "شكارتين" فقط للفدان الذي يستهلك نحو 5 شكائر على الأقل، بينما يقوم الفلاح بشراء التقاوي الزراعية التي ارتفع سعرها من 150ج إلى 250 من الشركات الخاصة بأموال مُدخراته كما يؤكد حسن السيد، أحد المزراعين، "في ناس بتبيع بهايمها، وتستلف وتداين عشان تجمع حق التقاوي قبل الموسم ما يبدأ".
قبل ثلاث سنوات كان التوريد أحد أهم المشاكل التي يواجهها مزارعو للقمح لأن الحكومة كانت تعتمد على الشون الترابية، الأمر الذي كان يؤثر على درجة نقاوة المحصول فيتم توريده للحكومة بسعر أقل، أو يلجأ الفلاح في تلك الحالة لبيعه للتجار حتى لا يخسر فيه، ولكن هذا الأمر انتهى منذ عامين، بحسب نقيب الفلاحين في الشرقية، بعد بناء الدولة صوامع مجهزة لاستقبال توريدات القمح، ولكن المشكلة لم تُحل أو تتوقف عند ذلك الحد.
فالتوريد إلى الصوامع يتطلب الشحن في سيارات نقل كبيرة تُحمل بأجولة القمح وعِند الصوامع يتم إعطاء كل سيارة رقم خاص بها، وقد تضطر السيارات إلى الانتظار لأكثر من يومين أمام أبواب الصوامع نظرًا لكثرة عدد الموردين. تأجير تلك السيارات يتطلب مبالغ عالية لا تدفع منها وزارة الزراعة شيئًا ولا توفر للفلاحين عربات بديلة ما يجعلهم يتكبدون أموالًا كثيرة مقابل التوريد للحكومة التي لن تعطيهم أموالهم إلا بعد أربعة أشهر من توريد محصول القمح بكافة أنحاء الجمهورية.الأمر الذي دفع بعض الفلاحين إلى التفكير في البيع للتجار الكبار، بسعر منخفض عن سعر التوريد الرسمي من خمسين إلى مِئة جنيه.
"الفلاح بقى فريسة للتاجر" قالها خالد المهدي، أحد مُلاك الأراضي الذين يقومون بزراعة القمح، وهو يشرح المعاناة التي يتعرض الفلاحون لها باستمرار حين يبيعون بسعر أقل للتاجر الذي يورد للحكومة بالسعر الرسمي ويحقق مكسبه من قوت الفلاحين، في الوقت الذي يضطرون لهذا الحل نظرًا لضيق ذات اليد في تأجير شاحنات النقل، والرغبة في الحصول على أموال يصرفون منها على أولادهم وبيوتهم بدلًا من انتظار أربعة أشهر أخرى. و يقول عبد الكريم الحسيني، نقيب الفلاحين بالشرقية إن كُل تلك المشكلات، دفعت العديد من الفلاحين إلى العزوف عن زراعة القمح.
"الغلة خسرانة السنة دي خسرانة" يقولها "أحمد رمضان"، أحد مزارعي القمح، مؤكدًا أن سعر التوريد لا يسمح للفلاح بالكسب نظرًا للغلاء الذي أصاب المعيشة والمستلزمات المختلفة، فالعمال الذين يؤجرهم للدرس، وتخطيط الأرض، والحصد؛ لا تقل يومية الواحد منهم عن 150 جنيها،.
حل هذه المشاكل المتعددة، كما يراها نقيب الفلاحين بالشرقية، تكمن في استجابة الدولة لنداءات واستغاثات المزارعين المتتالية بتوفير كل الكميات التي قد يحتاج إليها الفلاح من الكيماوي، والتقاوي الزراعية، إلى جانب السيارات التي تقوم بنقل المحاصيل إلى الشون على حساب الدولة، ما يشجع الفلاحين على العودة لزراعة القمح وزيادة الإنتاجية بشكلٍ ملحوظ، الأمر الذي قد يجعلنا نقلل من نسبة استيراد القمح لصالح المُنتج المحلي المصري وجودته "مفيش أحسن من الغلة المصرية، والوزارة لو تولينا اهتمام شوية كل الفلاحين يعاودوا زراعة القمح.. معاوزينش غير الفلاح يعيش حياة كريمة وهو يروي الأرض بدمه".
فيديو قد يعجبك: