"طفلة البامبرز".. كواليس الصراع المكتوم بين العائلتين: سلسال الدم لم يتوقف
كتبت – نانيس البيلي
"يا عالم يا كفرة، ياللي معندكوش دين أنا عايز أرجع بيتي".. كانت تلك الكلمات الغاضبة هي آخر ما قاله "محمود" - والد إبراهيم مغتصب "طفلة البامبرز" بالدقهلية- أمام منزله القديم الذي طرد منه بقرية دملاش، قاصدا بها أهالي القرية الذين أجبروه على مغادرة منزله هو وأولاده عقب الحادث، قبل العثور عليه مقتولا أمام منزله السبت الماضي، بحسب ما يرويه عدد من أهالي القرية لـ"مصراوي".
تعود أحداث الواقعة التي هزت الرأي العام وتعرف إعلاميا بـ"طفلة البامبرز" إلى 24 مارس 2017، حيث استدرج شاب يدعى إبراهيم محمود طفلة تدعى "جنى" ـ كانت تبلغ وقتها 18 شهرا - من أمام منزلها بقرية دملاش مركز بلقاس واغتصبها داخل "عشة".
وقدمت والدة الطفلة "نهى. ص" 29 عاما، ربة منزل، محضرا تتهم فيه الجاني، بالتعدي جنسيًا على طفلتها، ما أدى إلى إصابتها بنزيف حاد في المهبل، ونقلت على أثره إلى المستشفى، بعدها ألقي القبض على المتهم أثناء اختبائه في مقابر القرية.
وفي 2 مايو 2017، قضت محكمة جنايات المنصورة بإحالة أوراق المتهم للمفتي، وذلك بعد مرور 37 يومًا من تاريخ الواقعة.
في 1 يونيو 2017 قضت المحكمة بإعدام المتهم شنقًا، بعدها نقضت أسرته الحكم بادعاء أنه مريض نفسي، وتحددت جلسة النقض في نوفمبر المقبل.
استأجر "محمود" - 65 عاما فلاح - والد الجاني "إبراهيم" منزلا في قرية ميت زنقر بمركز طلخا -مسقط رأسهم- المجاورة لـ"دملاش"، بعدما طردهم أهالي دملاش وأسرة الطفلة "جنى" من القرية عقب حادث الاغتصاب ورضخوا للأمر بنصيحة من رجال الأمن منعًا لوقوع مشاحنات بين الطرفين، وفقا لعدد من الأهالي.
بعد حوالي شهر من صدور حكم الإعدام، أحضرت أسرة المتهم عربات كارو لأخذ عفش منزلهم القديم تحت حراسة أمنية مشددة، وقتها دارت بعض الأحاديث بينهم وبين أفراد من أسرة الطفلة المغتصبة، حاولت أسرة الجاني أن تقنعهم بأن يسمحوا لهم بالبقاء في منزلهم، بينما رفضوا تمامًا: "قالولهم لما إبراهيم يجي جثة هنا بعد إعدامه نبقى نديكوا بيتكم ونرجعكم هنا" تقول "إلهام" الشاهدة الأولى في قضية "طفلة البامبرز" وصاحبة البيت المقابل لمنزل أسرة مغتصب الطفلة.
والد مغتصب الطفلة كان يتردد على منزله القديم ويوجه شتائم لأهالي القرية
بعد فترة قصيرة، بدأ والد مغتصب الطفلة يتردد على منزله بالقرية لقرابة يومين كل أسبوع حتى تاريخ وقوع الحادث: "كان يجيب العربية الكارو بالحمارة ويجي يطل ع البيت هنا ويمشي"، وفق ما تقول السيدة الثلاثينية "إلهام"، وتضيف أنه كان يحضر بمفرده، وأن قريتهم لديها مشكلة فقط مع المتهم ووالدته "لأنها كانت مخبية البنت جوه وهي غرقانة في دمها، متقدرش تيجي تاني هنا لأن أهالي البلد يا كلوها، لكن الراجل وولاده ما أذوناش".
ويشير ابنها الأكبر "شادي" 15 عاما إلى أن المجني عليه كان يوجه سيلاً من السباب والألفاظ النابية قاصدا أهالي القرية بينما يدور بعربته حول منزله "يصَوت ويزَعق ويشتم في بلدنا عشان عايز يرجع بيته".
بينما تنفي "إلهام" وابنها وقوع أي مشاحنات طوال الفترة الماضية بين والد مغتصب الطفلة وأسرتها أو أهالي القرية "من يوم ما طلعوا من هنا ما اتخانقش مع حد"، وتوضح أن أهل "جني" لم يكن يصل إليهم صياح الرجل المسن لبعد المسافة "بينا وبين بيت جنى مسافة، والحتة اللي إحنا فيها مقطوعة، ورانا الأرض مزروعة ذرة والدنيا ساكتة".
كان المجني عليه يتردد بعض المرات على منزل عمدة دملاش ويواصل الإلحاح عليه لإقناع الأهالي بعودته لمنزله بالقرية: "يقوله روحني بيتي أنا ساكن ومتبهدل في ميت زنقر، أنا ابني راح مش عايزه ورجعني هنا أنا وولادي" وفق ما يذكر "صلاح توفيق" زوج "رجاء" الشاهدة الثانية بقضية اغتصاب الطفلة.
وتضيف "إلهام" أن العمدة كان يخبره أن رجوعه لمنزله مرتبط بتنفيذ حكم الإعدام في نجله "وكان يزهق منه فيركبه توك توك ويقوله روح بلدك" قاصداً قرية ميت زنقر.
وكانت أسرة "إبراهيم" انتقلت قبل 9 سنوات إلى "دملاش" بعد فترة من قتله طالبا بالمرحلة الإعدادية بميت زنقر، وحكم عليه بالسجن 14 سنة، خرج بعد نصف المدة "حسن سير وسلوك"، بحسب أوراق القضية رقم 34321 لسنة 2006 جنايات طلخا والتي تقول إن جريمته "ضرب أفضى إلى موت"، وبعد خروجه انتقل للعيش معهم.
أما عن تفاصيل يوم الحادث، تذكر "إلهام" أنها عادت إلى منزلها في حوالي العاشرة والنصف صباحًا، حيث كانت ترافق زوجها خلال إجرائه جلسة غسيل كلوي بأحد مستشفيات مركز بلقاس، لتسمع أصوات صراخ المجني عليه، فألقت نظرة من شباك منزلها المطل على منزله "كان هايج وعمال يزعق ويشتم في البلد".
استمر المجني عليه في الدوران حول منزله وهو يصيح غاضبًا، حتى قرابة الثالثة والنصف عصراً، بعدها كفٌ الرجل عن إطلاق الشتائم "وقعد يتشاهد على نفسه ويقول لا إله إلا الله أشهد أن محمد رسول الله"، قبل أن يصمت تمامًا "لقيت الراجل معدش له صوت".
تقول "إلهام" إن الفضول دفعها للنظر من شباك بيتها لاستكشاف ما إذا كان انصرف "لقيته حط الشال بتاعه على الأرض وجزمته وراء دماغه وقام نايم"، بينما لم يكن هناك أي آثار للدماء تسيل منه.
بعد حوالي ساعة، خرجت "إلهام" وطلبت من أحد جيرانهم أن يذهب للاطمئنان على الرجل، بينما رفض "قالي مليش دعوة أحسن يكون مات وأنا اتحط فيها مليش دعوة"، تصمت قليلاً قبل أن تكمل أنها تعجبت من طريقة رفض الرجل "معرفش ليه قال كده".
"كل شوية بعدها أبص على الراجل ألاقيه ما اتقلبش" ظلت إلهام تطل من شباك بيتها حتى بعد دقائق من موعد الإفطار "بعدها لقيت الدنيا اتقلبت والنيابة جت، قالوا لقوه جثة".
"إحنا عايشين في رعب من إمبارح" يقول "صلاح" حول وضع قرية دملاش بعد الحادث، وتشير إلهام أن الأحداث ربما تشتعل خلال الأيام المقبلة بين قريتي دملاش وميت زنقر "دول عايزين حق الطفلة المغتصبة، والتانيين مش هايهدوا غير ما يخدوا تار الراجل اللي اتقتل".
يذكر أن عددا من أهالي دملاش حاولوا مرارا إحراق منزل أسرة مغتصب الطفلة بعد وقوع الحادث، بينما عينت مديرية أمن الدقهلية خفيرين لحراسة المنزل خوفًا من غضب الأهالي، واستمروا حتى صدور حكم إحالة أوراق المتهم للمفتي، بينما تتمركز مدرعتان للشرطة إحداهما بميت زنقر والأخرى بدملاش لمنع وقوع مشاحنات بين أهالي القريتين.
كشف الجاني وملابسات الحادث
وأعلنت مديرية أمن الدقهلية، أمس الأحد، مُلابسات الحادث، حيث أسفرت تحريات ضباط فريق البحث أنه أثناء وجود المجني عليه أمام منزل مملوك له بقرية دملاش تصادف مرور عم الطفلة إبراهيم.ا. (38 عاما- فلاح) ومقيم بذات القرية والذي كان أخذ وذووه عهدًا على المجني عليه وأسرته بعدم الوجود بهذا المنزل تجنبًا لاستفزاز مشاعرهم، وإثر ذلك التقط فرع شجرة من الأرض وأوسعه ضربًا على رأسه وصدره وقدميه فأرداه قتيلا.
كما أكدت التحريات قيام جد الطفلة لأمها، بعد علمه بالواقعة بمحاولة تزييفها بادعائه أمام عمدة القرية أن المجني عليه ينوي إصابة نفسه واتهامهم باقتراف ذلك. وتمكن ضباط فريق البحث من ضبط المتهم، وبمواجهته بما توصلت إليه التحريات اعترف بصحتها.
وكشف تقرير الطب الشرعي أن سبب وفاة المجني عليه، هبوط حاد في الدورة الدموية نتيجة إصابته بكسر في الساق اليمني، وكسر آخر فى القفص الصدري، وجرح في الرأس أدى إلى وجود نزيف، ما أدى إلى الوفاة.
"مصراوي" ينشر قصة حياة المتهم باغتصاب "رضيعة البامبرز" (تحقيق)
فيديو قد يعجبك: