"مصر مخرجتش من كأس العالم".. "الجارحي وجدوع" مصريان في ملاعب مونديال روسيا
كتبت- رنا الجميعي وإشراق أحمد:
مرارة شعر بها الكثيرون، أعقبت خروج المنتخب المصري من مونديال 2018. مشوار طويل خاضه أجيال من اللاعبين حتى الوصول لتلك اللحظة التاريخية بعد مرور 28 سنة عن آخر بطولة، خرجت مصر فريقًا لكرة القدم، لكن ما زال اسمها يحمله البعض داخل ساحات ملاعب المونديال، بعدما تمكنوا من المشاركة في أهم حدث كروي عالمي، فبجانب الحكم المصري جهاد جريشة الذي قاد مباراة إنجلترا وبنما، هناك مصريون آخرون وراء الستار في كأس العالم.
لم يحسب أحمد الجارحي وحسام جدوع أنهما سيتمكنا ذات يوم من المشاركة في كأس العالم، إلا أن جدوع في إبريل الماضي كان يستعدّ بالفعل للذهاب إلى روسيا، العالم كُله يعدّ عدته للمشاهدة والتشجيع، أما هو فيستعدّ للعمل ضمن لجنة مكافحة المنشطات، وكذلك أحمد الجارحي الذي عايش تحقيق حلمه بالتواجد في "المونديال"، وما تمناه بأن يرى يومًا الفريق المصري ضمن الفرق المنافسة.
لم تكن المرة الأولى لسفر جدوع إلى روسيا، حيث درس الماجستير بالجامعة الأوليمبية الروسية، لكنها الأولى في عمله بالبطولة رقم 21 من كأس العالم، أما الجارحي فكانت أول زيارة له، وإن خاض سابقًا تجربة العمل في لجنة مكافحة المنشطات قبل عامين في بطولة الألعاب البارالمبية ريودي جانيرو 2016 –ذوي الإعاقة.
بدأ الجارحي طريقه مع الرياضة عام 2012، حينما علم بحاجة بطولة أوروبا إلى منظمين، فتقدم للمشاركة، إذ أهلته خبرته للجمع بين الحسنيين: الصيدلة والتسويق والإدارة، إذ غير الشاب الثلاثيني مجال عمله حتى وصل لتدريس التسويق في الجامعة الأمريكية.
فيما كان مشوار جدوع رياضيًا منذ خطواته الأولى، إذ تخرّج في كلية تربية رياضية بجامعة بنها عام 2007، ومنذ ذلك الوقت وقبلها يستثمر الشاب مهاراته بشكل جيد، فشارك في كأس الأمم الأفريقية الذي استضافته مصر عام 2006، وعدد من البطولات المهمة الأخرى منها أولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
مس الحلم الجارحي في طفولته "كنت عايز أبقى لعيب كورة عشان أروح كأس العالم وأقف مع اللاعيبة لحظة النشيد الوطني"، دار الزمان بما فيه، من سخرية الكثير وملل آخرين، من ترديده لحلمه على الأصدقاء كلما اجتمعوا لمشاهدة مباراة كرة القدم، لم يعرف الشاب طريقه لاعبًا فلازمه مشجعًا، وظلت لحظة اصطفاف اللاعبين بينما يتمتمون نشيد بلادهم، مقدسة عند الجارحي، يرتحل معها في دروب الأمل بأن يكون يومًا ما حاضرًا تلك اللقطة.
لم يكن التواجد في مونديال 2018 سهلًا "أي بطولة كبيرة بيكون فيها تقديم أونلاين لحد ما وصلت للقائمة القصيرة، بعدها بدخل اختبارات تانية وقايمة فيها عدد أقل لحد ما نجحت" يقول جدوع، بينما تقدم الجارحي قبل ثلاثة أعوام إلى الفيفا ليكون بين جمع المشاركين في التسويق لأكبر حدث كروي، توسم الشاب الخير لتأهل المنتخب المصري بعد 28 عامًا، وقبل أسبوع من بدء المسابقة الدولية، كان على أرض روسيا ضمن لجنة مكافحة المنشطات أيضًا.
في أول مباراة يحضرها الجارحي في المونديال، بين السويد وكوريا، في 18 يونيو الجاري، تغلغل الحماس في أوردة الشاب المصري. اليوم يقف بقدم ثابتة في قلب حلمه "ممكن يكون دوري أصغر دور في كأس العالم، بس إني موجود في أرض الملعب وشايف اللاعيبة ده شيء عظيم"، كبار النجوم يمرون أمام الجارحي، بل ويتبعون تعليماته في حالة إجرائهم اختبار المنشطات.
فيما كانت فرحة جدوع بالمشاركة لإدراكه جيدًا أن هناك أعدادًا كبيرة تقدّمت "ويقع عليا الاختيار بدون وسايط، ده بيزود ثقتي في نفسي"، وكونه جزءًا من الاحتفال بكرة القدم في العالم "أنا مش بس متفرج، إنما أنا من الناس اللي بتصنع الحدث".
صباح كل مباراة يعلم أعضاء لجنة المنشطات بمكان عملهم بأي الفريقين حسب قول جدوع "بنكون اتنين مع كل فريق، وبيبقى مكان في الاستاد جمب دكة اللاعبين"، يقول إن اختيار اللاعبين الذين يقع عليهم اختبار كشف المنشطات يتم عبر القرعة "في حضور واحد من المسئولين لكل فرقة"، حيث يذهب اللاعبون إلى غرفة المُنشطات بعد انتهاء المباراة "وقبل ما يدخلوا غرفة خلع الملابس"، وتؤخذ منهم العينات التي تتجه إلى المعامل لمعرفة النتيجة.
خاض الجارحي مهمة لجنة المنشطات من قبل لكنها في روسيا مختلفة "في كأس العالم الأمر أصعب لأننا بنتعامل مع اللاعيبة الكسبانة والخسرانة مش اللي بياخدوا ميداليات زي الأولمبياد"، مما يجعله مطالبًا للاستعداد للتعامل نفسيًا مع ردود فعل اللاعبين، وهو ما يقلقه قبل أي مباراة "ببقى خايف يتأثر اللاعبون مثلا بضغط الجمهور فيكون تعاملهم عنيفًا"، وهو ما لم يحدث إلى الآن حسب قوله.
عبر شاشة التليفزيون تابع جدوع مباراة مصر الأولى والثانية "أنا من الناس اللي بتشجع دون تعصب"، إلا أن المباراة الثالثة بين مصر والسعودية كان داخل الاستاد، أقيم "الماتش" في مدينة فولجوجراد التي يتواجد بها، ووقع الاختيار عليه ليجلس بجوار المنتخب المصري.
رغم صعوبة الموقف إلا أن جدوع يعرف جيدًا كيف يتعامل بشكل احترافي "بيكون فيه تعليمات ممنوع نظهر أي مظاهر للفرح أو الحزن بنتائج المباريات، لازم يبقى عندي ثبات انفعالي"، ذلك بالإضافة إلى عدم التقاط أي صورة مع لاعب "أو حتى نظهر في التليفزيون وقت الماتش لأن فيه فرق كبير بين إنك مشجع وإنك تشتغل".
أما الجارحي، فإقامته في مدينة نيجني نوفجورد –تبعد نحو 470 كيلو مترًا عن موسكو العاصمة الروسية- أبقت عليه مشجعًا في مباريات المنتخب المصري، التي لم يكن له نصيب إلا في حضور واحدة نظرًا لأن المسافة كبيرة بين المدن في روسيا "كأن الواحد بيسافر لدولة تانية".
52 ساعة بالقطار قطعها الجارحي ذهابًا وإيابًا، لحضور مباراة مصر مع أوروجواي، التي أقيمت في مدينة إيكاترينبورج، غرب روسيا، وتبعد عن مكانه بنحو 1800 كيلو متر "أخدت إذن من مديرتي، قلت لها الماتش بالنسبة لي حياة أو موت وعايز أحضره". يذكر الشاب حماسه في المدرجات، كما لا ينسى حالة الإحباط التي عاد بها "كنا بنلعب حلو على عكس ماتش روسيا اللي مزعلتش بعده".
ورغم الحزن الذي أصاب الجارحي بخسارة المنتخب المصري، غير أن الأجواء في الشوارع خففت عنه "كل لما حد يشوفني بعلم مصر ولابس "التي شيرت" ألاقي الناس تعتذر لي على الخسارة حسيت إني مش مضايق من كتر ما الناس محترمة، وبقيت أقول لنفسي والله مش خسارة فيكم الفرحة".
خسر المنتخب المصري، وفاز أعضاء لجنة المنشطات بحالة لا تتكرر كثيرًا، يذكر الجارحي كيف شاهد مباراة مصر وروسيا بين قرابة 15 ألف مشجع روسي، تواجدوا في ساحة تخصصها الفيفا بكل مدينة للمشجعين، ومجهزة بشاشات عرض ضخمة، تكاد تُشعر المتواجدين أنهم داخل المدرجات، ومع ذلك كانت الأجواء احتفالية، يستمتع فيها الحضور بلعب كرة القدم.
أن تتواجد في أرض الملعب مع نجوم العالم في كرة القدم، يعد أمرًا عاديًا لجدوع، يتقن الشاب أن ينفصل نفسياً في تلك اللحظات، كما يلتزم بالتعليمات لحساسية عمله، كما يعتبر اعتياده ذلك وراء رد فعله، فضلاً عن معرفته الشخصية بلاعبين مصريين، وكذلك يفعل الجارحي لكن هناك لحظات يتقلب فيها على الجمر "بتبقى قمة الذل إني شايف اللاعيبة اللي بحبها ونفسي أتصور معاها بيني وبينها خطوات ومش عارف أتصور معاها ولا أكلمها.
حضر الجارحي إلى الآن ثلاث مباريات، في كل مرة يلملم "تفصيلة" جديدة، ليحملها دفتر ذكرياته، ففي مباراة الأرجنتين وكرواتيا، يبتسم الملعب للجارحي، خسر الأرجنتينيون في أولى مبارياتهم، ولم يكن ليونيل ميسي، في أفضل حالاته. انتهت المباراة وخرج ميسي في حزن، فيما كانت الكاميرات تلاحقه، والجارحي في مكانه قرب باب الخروج من الملعب، ينظر بتأثر للاعبه المفضل "بالنسبة لي ده أفضل لاعب في التاريخ.. إله كرة القدم وكان نفسي يجيب جون"، لا يفكر الشاب في شيء سوى مواساته التي يعجز عن فعلها بحكم مهنته، لا يدرك أنه وميسي في "كادر" واحد سجلته الكاميرات، وأصبحت سبب شهرة له.
رسائل عديدة وصلت إليه بعد هذه المباراة، فضلًا عن ردود فعل تأتيه "وأنا مروّح لقيت سواق الباص بيقول لي أنا شوفتك مع ميسي"، يبتسم الجارحي فيما يمتن للصدفة التي احتفظت له بصورة مع لاعبه المفضل.
رغم خروج المنتخب المصري والخسارة التي نالها، إلا أن وجود مصريين آخرين يُهوّن من شعور الهزيمة، حيث يلازم جدوع ملعب "أرينا فولجوجراد" حتى اليوم، حيث المباراة الأخيرة التي سيحضرها بين اليابان وبولندا، بينما يستمر عمل الجارحي حتى دور الـ8، يواصل مشاهدة الفرق الكبرى، ينتشي بمهاراتهم الكروية المحببة لأي مشجع، لكنه ود لو استطاع أن يحظى بفرصة لرؤية منتخب البرازيل وألمانيا المفضلين له.
فيديو قد يعجبك: