بعد قصة "مصراوي".. صاحب شعار "لما نقول الفراعنة" يتحدث: لماذا خاف من كشف شخصيته؟
كتبت - مها صلاح الدين:
تصوير- منعم سامي:
بعد أن تحركت أمنيات "أشرف فيجو" أمام عينيه، وأغرته بمرافقة محمد صلاح وعصام الحضري وغيرهما من نجوم المنتخب الوطني، داخل حافلة مكتوب عليها شعار منسوب إليه في روسيا، لم تكن مفاجأة بالنسبة إليه أنه ليس الفائز الحقيقي، لكن السؤال ما زال يبحث عن إجابة، من هو الفائز الذي وضع شعار المنتخب المصري في مسابقة Be there؟ وهل حقًا هناك فائز؟
كانت هذه الفقرة هي نهاية مفتوحة لقصتنا المنشورة في 18 يونيو الماضي، قبيل ساعات من مباراة مصر وروسيا بكأس العالم، التي وثقنا خلالها رحلة البحث عن الفائز بمسابقة BE THERE التي نظمها الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا"، وإحدى الشركات الراعية، لاختيار شعارات 32 دولة مشاركة في البطولة من ضمنها مصر.
أسبوعان من البحث والتقصي المعلوماتي والميداني، والمخاطبات الدولية، دفعت الفائز بالمسابقة بعد أن آثر الصمت وعدم الظهور، خاصة بعد الكم الهائل من الجدل والانتقادات، على الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي حوله وحول شعاره، أن يعلن عن نفسه، ويروي لنا قصة هذا الشعار منذ البداية وحتى هذه اللحظة، في السطور التالية.
لقراءة القصة>>هل "فيجو" مغني المهرجانات صاحب شعار مصر في كأس العالم؟
"الأحلام على جناح Face book"
مثل جميع الشباب في جيله، كانت حياة أحمد أشرف، الطالب في كلية الفنون التطبيقية في العالم الافتراضي، أكثر رحابة من الحياة على أرض الواقع بمحل إقامته في العاشر من رمضان، هناك، لا تفوته دبة النملة، الأحداث كلها في بث مباشر أمام عينيه، والفرص تتناثر، وإن كان يراها في البداية مجرد مزحة.
كانت علاقته بالواقع الافتراضي تزداد قربا، طالما اقتربت مواقيت الامتحانات، وشارفت ساعة المذاكرة، وهناك، التقى بدعوة الشركة الراعية بكأس العالم على صفحتها الرسمية، على موقع التواصل الاجتماعي face book، للوقوف خلف المنتخب على طريقته الخاصة في التشجيع، تحت اسم مسابقة be there.
في البداية، لم يكن على الشاب الذي كانت آخر مشاركة لمصر بكأس العالم، قبل مولده بـ6 سنوات، سوى أن يضع شعارًا في تعليق على منشور المسابقة المعلن على الصفحة، ولكنه على سبيل الفضول قرر أن يتصفح أكثر من 200 تعليق، لم يجد فيها ما يؤخذ على محمل الجد، وفقًا لقوله، لم يخطر بباله شيء وقتها سوى تلك العبارة البسيطة "لما نقول الفراعنة.. الدنيا تقوم تسمعنا"، لا يعرف الغرب عن مصر الآن سوى الفراعنة، ومحمد صلاح، هكذا يقول الشاب، لذا كتب أحمد تلك الكلمات، في تعليق، وشعار آخر لا يتذكره في تعليق آخر، على سبيل الدعابة.
بعد ثوان، وجد ردًا على تعليقه من إدارة الصفحة، فيه رابط تسجيل على موقع نادي الفيفا، ليس عليه سوى أن يقيد به بريده الإلكتروني، واسم مستعار، بحسب شرط نادي الفيفا المذكور في الرابط، كي يسهل فيما بعد التواصل معه إذا كان فائزًا، أو إعلامه بأي نشاط آخر يتم عبر الموقع، في الحالات العادية.
"فتش عن لويس فيجو"
وخلال دقائق، استطاع أن يستقر أحمد على اسمه المستعار، أصدقاء الجامعة عادة ما ينادونه بأشرف، أما أصدقاء الطفولة، فكانوا ينادونه بفيجو، من فرط ولعه بلاعب كرة القدم البرتغالي لويس فيجو، وارتدائه قميصه دومًا، وفقًا لروايته.
ووفقًا، للبند التاسع، في شروط وأحكام المسابقة، "تحتفظ FIFA بحقها في رفض قبول أسماء تعتبرها وفق تقديرها الخاص غير ملائمة ومؤذية. ولها حق حذف الأسماء غير الملائمة، وأن تظهر الطلب تحت اسم افتراضي تختاره.
كان أحمد قد نسي أمر المسابقة، ولكن بعد شهور، وتحديدًا يوم الخميس الموافق 3 مايو الماضي، فوجئ برسالة وصلته عبر بريده الإلكتروني، من الشركة الراعية للمسابقة، تخبره فيها أن شعاره هو الأقرب إلى الفوز، وأن عليه تعبئة استمارة أخرى فيها بياناته الشخصية بخط اليد، وفيها إقرار بأن فوزه بالمسابقة، وبياناته الشخصية أمر لا بد أن يظل سريًا، حفاظًا على حقه في الفوز بالمسابقة، ونصت الشروط والأحكام المنشورة على موقع الاتحاد الدولي لكرة القدم، أنه يتمّ إخطار كل الفائزين عبر رسائل البريد الإلكتروني وفي حال عجزت الـ FIFA عن الاتصال بالفائز من خلال البريد الإلكتروني خلال فترة خمسة (5) أيام، يحقّ لـFIFA اختيار مشارك بديل.
ومن هنا توالت المراسلات من الشركة الراعية للمسابقة والفيفا، وبدأ أحمد وأخوه، الذي اختاره كمرافق، في تجهيز أوراقهما للسفر بالتزامن مع امتحانات الجامعة، وباتت أحلامهما في حضور كأس العالم بروسيا، التي كادت تكون مستحيلة، على مرمى البصر وتقترب كل يوم.
"عاصفة ما بعد الهدوء"
حتى جاء الرابع والعشرون من مايو، بموجة حارة صيفية عنيفة، مع الإعلان الرسمي عن نتيجة المسابقة، أصبح أحمد وعائلته على مرمى النيران والانتقاد، بداية من سخرية خفيفة الظل من الأصدقاء المقربين، وحتى السباب واللعان القادم من كل حدب وصوب في الواقع الافتراضي. الأمر الذي جعل الأسرة تنصح نجلها بالاستمرار في التكتم على ذلك الفوز، وعدم الظهور أو الرد على أي انتقاد.
اقتنع أحمد بوجهة النظر السابقة، فوفقه، لم يسلم أي شيء جد منذ تأهل مصر لكأس العالم من النقد، فكان الأمر يثير الضحك تارة، وتارة أخرى يثير الغضب ويستفزهم للرد، خاصة حينما شاهدوا النقد اللاذع للإعلامي الرياضي ابراهيم فايق للشعار، واصفًا إياه بالركاكة، لكن حلم الشقيقين بإتمام الرحلة كان بمثابة صوت يوصي بالسكوت والتكتم، وكان دائمًا الأرجح.
على شاشة التلفاز نفسها، وجد أحمد عضو اتحاد الكرة، مجدي عبدالغني يقول إن اختيار شعاره، شر لابد منه، لأنه بمثابة "أحسن الوحشين"، بين الشعارات المقدمة، في ذلك الوقت كان أحمد قد علم أن الفيفا أرسلت 10 شعارات لاتحاد الكرة المصري، ليختاروا من بينها 3 شعارات، يتم طرحها للتصويت، على موقع نادي الفيفا، وكان الاتحاد قد اختار ثلاثة شعارات معلنة، من بينها شعار أحمد.
في مراسلة سابقة لنا مع الفيفا، عن آلية اختيار الفائزين في المسابقة، كان ردهم، إذا كنتم تسألون عن شعار منتخب مصر، فعليكم الرجوع لاتحاد الكرة المصري، على الرغم من أن تفاصيل المسابقة منشورة على موقعهم، وبالرجوع إلى إيناس مظهر عضو اتحاد الكرة، والمتحدث باسم المنتخب الوطني، أكدت أن الاتحاد ليس له علاقة أو علم بتلك المسابقة، وأنه ليس لديهم علم حتى باسم الفائز.
"اقتباس أم توارد أفكار"
بعد أن علم الأصدقاء والدائرة المقربة لأحمد بالشعار وبفوزه، بدأوا يشيرون له في روابط لأغنية "لما نقول الفراعنة" للمطرب حلمي عبدالباقي التي صدرت في 2010 بعد فوز المنتخب بكأس الأمم الأفريقية، والتي تتشابه في كلماتها مع شعاره في مطلعها حيث تقول "لما نقول الفراعنة.. يبقى لازم تسمعنا"، أما وجود مغني شعبي لديه أغنية تتطابق كلماتها مع شعاره، ويتطابق اسمه مع الاسم المستعار الذي اختاره، فأمر لم يكن يعلم به كما يقول، وأنه درب من دروب الصدفة وتوارد الأفكار.
وعلى الرغم من أن الشروط والأحكام المدونة على موقع الفيفا تقضي بأن المتقدم بالشعار، يكون قد ساهم بعمله الخاص، وليس مقتبسًا، لم يشعر أحمد بأن هناك مشكلة، لم يخطط أحمد للفوز بالمسابقة وفقًا لقوله، فالأمر برمته صدفة، وفي النهاية كان هو الفائز.
"على درب المنتخب"
قبل يوم واحد من مباراة مصر وروسيا، وصل الأخوان إلى مدينة سانت بطرسبرج، بعد رحلة عبر الجو قاربت على نصف يوم، تخللها "ترانزيت" في مطار ألمانيا، كان في انتظارهم مندوب من الشركة الراعية للمسابقة ومترجم وسيارة، انتقلوا معهم إلى الفندق، نصحوهم بالنوم مبكرًا، فاليوم الثاني برنامجه طويل.
وفي الصباح الباكر، انتظرهم في باحة الفندق مندوب الشركة، والمترجم، ومصور فوتوغرافي، تناولوا الإفطار معًا، وبدأوا رحلة سياحية في معالم المدينة، وقبل موعد مباراة مصر وروسيا بـ4 ساعات، انتقلوا إلى مكتب الفيفا، وحصلوا على شارات لا يحصل عليها سوى اللاعبين وأعضاء اتحاد الكرة المصري، والتي مكنتهم من الدخول إلى فندق اللاعبين، داخل منطقتهم الخاصة.
لكن التعليمات كانت واضحة من قبل ممثلي الفيفا، "لا تتحدثوا مع اللاعبين، ولا تلوحون إليهم، ولا تطلبوا منهم التصوير معكم، فقط رافقوهم في صمت"، وبالفعل التزم الأخوان، وبدأوا في التقاط الصور ومقاطع الفيديو للاعبي المنتخب، كي يخلدوا تلك اللحظات.
وعلى الرغم من أن الجائزة كانت السفر إلى روسيا، وحضور مباراة، ومرافقة الفريق في الأتوبيس المدون عليه الشعار الفائز، إلا أن أحمد وشقيقه خُصصت لهما سيارة أخرى، خرجت خلف حافلة اللاعبين نحو الاستاد.
وهناك، شاهدا وابلا من الفنانين، وأعضاء اتحاد الكرة، وحشدًا كبيرًا من الجماهير المصرية ترفع الصوت لتشجيعهم، ما أوحى بأنهم أكثر بكثير من الجمهور الروسي، ظل الأمر هكذا طوال الشوط الأول، ولكن مع الهدف الأول للمنتخب الروسي تبدل الحال، تعالت أصوات المشجعين الروس، وخفت شيئًا فشيئًا صوت المصريين.
وبرغم أحزان الهزيمة، انطلقت الحشود المصرية في شوارع روسيا بعد المباراة، في أجواء مصرية الطابع، تبادلوا التعليقات على أداء اللاعبين في البداية، ومن ثم بدأوا في المزاح والغناء.
أما في اليوم الثالث من الرحلة، كان أحمد وشقيقه على موعد مع جولة في أسواق المدينة لشراء بعض المقتنيات الصغيرة والهدايا الرمزية التي تخلد تلك الذكرى، واستقلوا طائرتهما العائدة إلى مصر، وما إن وطأت أقدامهم أرض الوطن فوجئ أحمد بوالده يخبره بأن أصدقاءه يقولون إنه لم يكن الفائز بالمسابقة، بنبرة يغلب عليها الشك، في تلك اللحظة فقط قرر أحمد أن يعلن عن نفسه دون خوف.
فيديو قد يعجبك: