لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

رحيل أحمد سعيد.. الإذاعي الذي لاحقته "النكسة" طويلًا

10:54 م الأربعاء 06 يونيو 2018

كتبت-رنا الجميعي:
في العاشرة صباح من يوم الخامس من يونيو 1967، كان الإذاعي أحمد سعيد أمام الميكروفون براديو صوت العرب، يُذيع البيان الأول العسكري بصوته الحماسي "صرح مصدر عسكري بأن إسرائيل بدأت عدوانها بغارات جوية على القاهرة وعلى جميع أنحاء الجمهورية العربية المتحدة، وقد تصدت لها طائراتنا وأسلحتنا المضادة للطائرات"، لم يعلم سعيد أن وصمة إذاعة بيانات الهزيمة المُرّة ستظل تُلاحقه طيلة حياته، فيُلقّبه البعض بـ"إذاعي النكسة"، حتى يرحل في ذكراها الواحد والخمسين.

لم يعمل سعيد كإذاعي منذ بداية مشوار حياته، حيث اشتغل بالصحافة في مؤسستي أخبار اليوم ودار الهلال، وذلك بعد حصوله على الثانوية العامة، فيما تخرّج في كلية الحقوق، والتحق بمكتب المحامي حامد زكي، الذي اختير سنة 1950 كوزير للدولة لشئون الإذاعة، ومن هُنا بدأت مسيرة سعيد بالإذاعة المصرية كسكرتير قانوني لأول مدير مصري بالإذاعة.

منذ البداية عُرف توجه سعيد الوطني، قدّم أول برنامج إذاعي سياسي، الذي دار حول استفتاء عن معاهدة 1936، وكان يُذاع بعنوان "تسقط معاهدة 36"، وأثناء العمليات الفدائية بقناة السويس في 25 يناير 1952، تحدّث بصوته من القناة، قبل شهور من ثورة 23 يوليو.

وبسبب وطنية سعيد أُبعد عن العمل بالإذاعة، بعد حريق القاهرة في الشهر ذاته، مع مجموعة من الإذاعيين، حيث اتهم بأنه أحد الذين قاموا بإثارة الجماهير ضد الاحتلال والملك.
مع إنشاء أول جهاز للمخابرات في مصر عام 1953، جاءت فكرة إنشاء إذاعة تتوجه للعالم العربي، بالفعل تم تأسيسها وتعيين سعيد مُديرًا لها. كان من حق الإذاعة مناقشة سياسات الحكومات العربية وانتقادها، يُشير سعيد في أحد الحوارات الصحفية أن عبد الناصر ذات مرة في مجلس الأمة (البرلمان) يُهاجم فيها قائلًا: أحمد سعيد بيذيع حاجات مش عاجباني، مع ذلك كان سعيد يعلم أهمية صوت العرب بالنسبة لعبد الناصر، فيتذكر له قول آخر هو "صوت العرب جيش مثل جيش المشير عامر".

ظلّ صوت سعيد مُدويًا خلال 14 عاما، تميّز صوته بالانفعال والحماس الشديد، حتى أن الشريط الصوتي لفيلم "جميلة"، إنتاج 1958، حمل اندفاعه الوطني وهو يقول "وطني.. وطنك.. وطن كل عربي.. الجزائر"، في ذلك الوقت كان صوت العرب يشحن طاقات المستمعين، كان الإعلام هو أداة للتماسك، وكانت القومية العربية حلمًا يتحقق مع الوحدة المعلنة بين مصر وسوريا عام 1958، لم تستمر تلك الأحلام سوى ثلاثة أعوام، حيث حملت سنة 1961 تاريخ الانفصال، وجاءت الهزيمة بعدها بستة سنوات.

وفي صباح اليوم الأول من النكسة كان صوت سعيد هو المؤشر الذي يضبط عليه العالم العربي انفعالاته، حيث خرج حينها يُعلن بتصدي القوات للعدوان الإسرائيلي، وأذاع وقتها سعيد حوالي 15 بيان عسكري، منها بيان عن إسقاط 70 طائرة إسرائيلية، بينما لم يخسر العدو سوى 26 طائرة فقط خلال اليومين الأولين.

مرارة الهزيمة أوقفت سعيد مع اليوم الثالث للحرب، فلم يستمر في إذاعة البيانات العسكرية، مع ذلك ظلّ اسمه ملحقًا بها، واستمر طيلة حياته يوضّح الملابسات التي تمنعه من وجوب الإذاعة، حيث أن عقوبتها الإعدام، وفي أحد الحوارات أعلن سعيد أنه لا يُبرئ نفسه مما حدث، وأضاف "هل كنت أستطيع رفض إذاعة البيانات العسكرية؟ أو أن أقول إنها بيانات كاذبة؟ ليس خوفًا، أنا كنت جنديًا، يُنفذ أوامر القيادة"، فيما استقال الإذاعي، وغادر إذاعة صوت العرب في سبتمبر من نفس العام.

لم يكن سعيد وحده في درب الكذب، كما أشار سابقًا، حيث كتبت جميع الصحف نفس ما قاله، إلا أن الوصمة لاحقته هو وحده.
في الفترة التي أعقبت هزيمة يونيو واستقال سعيد، صرّح بالحقائق بعدها بإذاعة صوت العرب، تحديدًا في 13 يونية، إلا أن ذلك لم يُعجب عبد الناصر، وكانت بداية الخلاف معه، حيث فُرض عليه الرقابة، لم يكن يستطيع إذاعة شئ دون الرجوع إلى الرئيس، لذا أُجبر على الاستقالة بعدها.

ظلّ سعيد يُردد نفس الحديث مع كل مرة تتاح له، لم ينسه أحد، تمكّن من رؤية ثورة 25 يناير 2011 التي كان نصيرًا لها، مُتحمسًا لمتابعتها، حيث رأى أنه من الصعب أن تثور الشعوب كل يوم، تمنّى نجاحها، وألا تكلل بالهزيمة كما في 67، حيث وصف شعوره أنه سيكون أقسى من إحساسه في الماضي.
رحل سعيد عن عمر يناهز 93 عام، وفي قرارة نفسه-بحسب إحدى حواراته- تمنّى ألا يكون عبد الناصر عسكريًا، أدرك أن الهزيمة لم تكن لتوجد مع رجل يتمكّن من خلع الكاكي، ويُحتمل وقتها لما حدثت الهزيمة، ولم يكن ليُلقّب بـ"إذاعي النكسة".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان