في ماراثون الثانوية العامة.. مُوظفو التنسيق يُعانون أيضًا
كتبت - إشراق أحمد:
تصوير - محمود بكار:
رغم إتاحة استمارة رغبات الالتحاق بالجامعات على الإنترنت، لكن هناك مَن يفضل الذهاب بنفسه إلى مقرات التنسيق، ولمثل هؤلاء يُسخر أفراد لمساعدتهم على إتمام عملية التسجيل، ففي كل مرة تنتهي رحلة الطلاب بعبور الخطوة قبل النهائية لبلوغ الجامعات، يبدأ مدخلي بيانات الطلبة رحلتهم حتى بدء العام الجامعي الجديد.
داخل المعمل المركزي لجامعة حلوان، جلس عمرو ماجد ووالده أمام إحدى أجهزة الكمبيوتر، أخذا يُمليان فعلى حنان أبو اليزيد أسماء الكليات التي كتبوها مُسبقًا في تتابع، وما أن انتهت إجراءات التسجيل حتى قالت السيدة "ياريت كل الطلاب محددة وعارفة عايزة ايه أكيد عمرو هيبقى مهندس كويس زي ما هو عايز".
حرص والد عمرو على معايشة لحظة التحاق ابنه البكري بالجامعة، كما رغب أن يفعلا ذلك في مقر التنسيق وليس عبر الإنترنت "ابن صديق ليا جرب قبل كده وحصل مشكلة مش كل الأجهزة بتبقى النسخة عليها مظبوطة". خشي الأب أن يحدث شيئًا ربما يعرقل مسار ولده، فقرر أن يكتبا معا الرغبات مرتبة في مدونة صحبوها معهما.
تهنأ حنان وزملائها بلقاء طالب مثل عمرو، وفي الوقت ذاته لا مجال للتذمر ممن هم خلافه، فتلك وظيفتهم "نساعد الطلبة عشان يسجلوا رغباتهم صح" كما يقول رفيق الدين توفيق المهندس المنسق للمقر الرئيس لتنسيق جامعة حلوان.
شارك رفيق في التنسيق لأول مرة عام 2008، اختلف الواقع كثيرًا "مكنش حد عنده وعي زي دلوقت كنا مضطرين ندخل لكل واحد 48 رغبة وقتها إنما النهاردة بساعده مرة واتنين واسيبه يكمل وارجع له في الآخر أراجع معاه". تحرك رتم التسجيل شيئًا عن السابق، لكن ظلت المرحلة الثالثة من تسجيل رغبات الطلاب الأكثر إرهاقًا.
يُشير رفيق إلى المكان الخالي إلا من خمسة طلاب رفقة ذويهم بينما يقول، إن العدد في المرحلة الثالثة للتنسيق ربما يبلغ المائة طالبًا، فضلاً عن المنتظرين بالخارج. ليس العدد وحده العقبة بل التعامل "في طلبة بتبقى مش عارفة الماوس من الكيبورد بنضطر نكون معاهم خطوة بخطوة وكمان اصرارهم على كتابة كل الرغبات حتى لو مش هتنفع تحسبا إن يكون في فرصة" مما يطيل من وقت التسجيل.
ثمانية موظفين يعملون في المعمل المركزي لجامعة حلوان بحسب رفيق، اثنين منهم رسمياً يُدخلون البيانات لكن الواقع يفرض على الجميع العمل، يواصلون مهمتهم قرابة ثلاثة أشهر، يتواجدون في المكان ذاته سواء قل أو كثُر عدد الوافدين.
طيلة فترة التنسيق تتوقف الإجازات "مفيش حاجة اسمها جمعة أو سبت ولو في أعياد بنشتغل برضه" تقول حنان، بينما توضح أن الفرصة الوحيدة لأبنائها الثلاثة في إجازة صيفية تكون بين الوقت المتاح قبل بدء كل مرحلة.
تعمل المهندسة الثلاثينية العمر في جامعة حلوان، تتولى تدريب الطلاب والعالمين في قطاع التدريس على آليات التكنولوجيا، وحال غيرها من مدخلي بيانات طلبة الثانوية العامة، من حقها الاعتذار عن المشاركة في التنسيق، لكنها ترى في عملها "خدمة"، تستشعر أن الوافدين مثل أبنائها "ولادي في إعدادي يعني قربوا يدخلوا ثانوي"، لهذا تحرص على التعامل بود قدر المستطاع، بل والتعرف على التفاصيل حتى يتثنى لها المساعدة.
ليس هناك أصعب من لحظة فرض الأهل اختيارهم على الأبناء وقت التسجيل كما تحكي حنان، تتذكر الفتاة التي التقتها قبل سنوات. أرادت الطالبة الالتحاق بالصيدلة بينما مرر والدها رغبته في دخولها الطب وكان مجموعها يتوافق مع الحالتين، في مثل هذه المواقف تحاول السيدة إقناع أولياء الأمور بأن يتركوا الخيار للطالب "عشان يدرس الحاجة اللي بيحبها ويتحمل مسؤولية قراره".
خبرة حنان مع التنسيق، اكسبتها مهارة قراءة الطلاب، فأصبحت مهمتها تتجاوز تلقينها الرغبات وكتابتها، لذا قررت سؤال الفتاة القادمة من أبو النمرس، والمصرة على الالتحاق بكلية التجارة، الشعبة الإنجليزية تحديدًا، عن درجاتها في اللغة الإنجليزية، لتخبرها أنها 37 من 50، حينها تولت حنان دورها في إعلام الطالبة بأبعاد قرارها.
بين قدوم طالب ورحيل آخر، يتولى المهندس رفيق مهمته في تنظيم العمل بين رفاقه، ويتدخل للمساعدة في حال انشغالهم، كما لا ينفك عن إجابة السائلين وإبداء النصح إن لزم الأمر، وتستمر المهمة إلى ما بعد التنسيق، إذ تبدأ الجامعات تنسيقها الداخلي، مما يلزم تواجدهم.
مع دقات التاسعة حتى الخامسة مساءً يعمل موظفو التنسيق، يلزم محمود الجنيدي الخروج من منزله قبل ثلاث ساعات حتى يستطيع الحضور في الميعاد. يأتي الشاب الثلاثيني من كرداسة حيث يقيم إلى جامعة حلوان، أصبح ينفق الآن نحو 25 جنيهًا في المواصلات، ومع ذلك لا يتوقف الجنيدي عن الطموح "أنا خريج تاريخ ودرست تربية إنجليزي وحاليا بدرس إعلام مفتوح".
يتمنى الجنيدي التعيين بإدارة شؤون الجامعات، حتى يتاح له الانتقال إلى جامعة القاهرة، ومن ثم تتوفر نفقات التنقل. ما يتحصل عليه مُدخلي بيانات الجامعيين الجدد طيلة فترة التنسيق لا يتجاوز 900 جنيهًا وفق العاملين داخل المعمل المركزي، فيما تقول حنان إن معاملتهم تكون على الساعات بعد الثالثة عصرًا، موعد انقضاء العمل الرسمي، وليس لأنهم يقدمون مهمة مختلفة عن وظيفتهم في الجامعة "الساعة بـ 4 جنيه ونص" بحسب قولها.
ليس بين مُدخلي بيانات طلاب الثانوية، مَن أجرى التنسيق الإلكتروني للالتحاق بالجامعة، جميعهم تعاملوا بالأسلوب الورقي القديم "أيام ما كانت كبونات ونلزقها على الاستمارة" بابتسامة تقول حنان، فيما يستعيد رفيق المشهد عند مقر مدينة الطلاب لجامعة القاهرة "آلاف بيروحوا في وقت واحد كنت حاسس أن مصر كلها هناك وقتها"، فيما يعود للحاضر بالإشارة إلى أربع فتيات قمن معًا بتجربة التسجيل "كل واحدة وقفت تشوف التانية بتعمل ايه وتنقل لها الخبرة".
يتذكر العاملون في جامعة حلوان حالهم وقت الثانوية العامة، فحين التحق رفيق بكلية الحاسبات والمعلومات عام 2000، لم يتصور أن بيانات طلاب الجمهورية يومًا ما تُخزن ويتم استحضارها في سلاسة.
حتى القلق لم يكن من نصيب الطلاب وأسرهم وحدهم، بين حين وآخر تنزوي إيمان محمد. هذا اليوم الأول لها في مهمة التنسيق الجامعي "كنت متوترة جدا قبل ما أجي خايفة حد يسألني حاجة معرفش أرد"، تحرص موظفة قطاع الشبكات في الجامعة على التواجد قرب زملائها، الود فيما بينهم يشد أزرها في طلب المساعدة "على طول بخلي حد من زمايلي يتدخل" فيما تنصت وتراقب السيدة الثانية في المكان ما يجري لاكتساب الخبرة.
ما تحمله ساعات التنسيق من راحة للطلاب لتخطيهم المرحلة الثانوية، تحمل في طياتها مشقة على نفس مُدخلي البيانات، جراء العمل في أجواء حارة لا تقوى المراوح على تخفيفها ولا تنصفها أجهزة التكيف المعطلة، ومع ذلك يجدون في تبدل أحوال الوافدين وكلماتهم الطيبة عزاء لهم كما يقول رفيق "لما طالب وأهله يدخلوا زي التايهين وكأن مستقبلهم هيضيع ويخرجوا فرحانين ودعوة أم كفيلة تهون أي حاجة صعبة".
فيديو قد يعجبك: