إعلان

رحلة تصوير بدأت ببشار الأسد وانتهت بوسام فرنسي رفيع.. مصراوي يحاور عمار عبد ربه

02:27 م الخميس 19 يوليو 2018

حوار-دعاء الفولي:

مازالت عين عمار عبد ربه تتسع للكثير من الصور. يده تنتظر الفرصة لاقتناص اللحظة. وقلبه مُحمّل بحكايات عن التصوير، اللجوء، والوطن المُبتلى بالحرب.

لثلاثين عاما امتدت رحلة المصور السوري الحُر، عايش الكثير من الأحداث، دخل قصور بشار الأسد، وبات أحد مصوري الرئيس، لكن ما أن اندلعت ثورة سوريا، تمرّد على الوضع، وأبى الوقوف في صف القاتل.

بين لبنان حيث وُلد، ليبيا، فرنسا، وسوريا قضى عبد ربه حياته. يعتبر نفسه لاجئا؛ أُجبرت أسرته على مغادرة لبنان في السبعينيات بعد الحرب الأهلية. تقاطعت الطرق عند قدم صاحب الـ52 عاما. أراد العمل كصحفي استقصائي، غير أن شهوة التصوير جذبته، صار بارعا؛ يتنقل بين البوسنة، العراق، وليبيا ليصور الحروب ومآسيها، تصدرت صوره صفحات مجلات عالمية، كالتايم. حفر مكانته حين صوّر المشاهير؛ نقل حال ملكة إنجلترا، إذ تتلصص من خلف الباب بأحد اللقاءات الرسمية، وكيف احتفل الرئيس الفرنسي ماكرون بأول أيام رئاسته، وروى قصة الحب بين ملك الأردن وزوجته رانيا.

في الثاني والعشرين من يونيو الماضي، حصل عبد ربه على وسام "الفنون والآداب" بدرجة فارس، من وزير التربية الفرنسي جان بلانكر، تكريما لمسيرته الفنية. مصراوي حاور المصور السوري؛ عن التكريم الذي لا يُعطى لكثيرين في فرنسا. عن ذكرياته مع تصوير الأسد، وزيارته لحلب بعد الحرب لتسجيل الواقع الأليم، وتفاصيل مبعثرة عن علاقته بمهنته المُرهقة، ومتى يزهد فيها.

حدثنا عن الوسام الذي حصلت عليه مؤخرا.

في سبتمبر الماضي، تم تبليغي بحصولي على وسام "الفنون والآداب" الذي وقّعت عليه وزيرة الثقافة الفرنسية فرنسواز نيسن، لكن مراسم التسليم لم تحدث إلا يونيو الماضي، في حفل أُقيم بباريس، حيث سلّمني إياه وزير التربية الفرنسي.

1

ماذا يعني لك الحصول على الوسام برتبة فارس؟

الوسام له مكانة مميزة، فالمصورين الصحفيين الذين حصلوا عليه قلائل "كما أرى فيه تقديرا لأحد من يمثلون المجتمع المدني السوري، أي الفنانين أو الناس البسطاء الذين لا علاقة لهم بالجيش أو بالميليشيات ولا بالنظام ولا بداعش، فقط يحلمون بمستقبل أفضل ومجتمع مدني وببلد ينعم بالحرية والكرامة".

كما أن الحفل سمح لي بالحديث عن الصور المستعملة لتزوير الحقائق والترويج للشائعات. وعن سوريا، حيث قلت "لقد نسينا الحقائق البسيطة. على سبيل المثال، قتل الأسد عشرة أضعاف، وحتى مئة ضعف من السوريين أكثر من داعش. ويأتي اليوم من يقول لنا: إنه شر لا بد منه، أو أنه شر أقل من الآخر، ولكن علينا ألا ننسى أن نظامه هو أصل مأساة السوريين. وإذا هو جزءً من المشكلة، فلا يمكن أن يكون جزءً من الحل".

1

رُبما ذلك التكريم هو الأكثر أهمية، لكنه ليس الأول.. حدثنا عن استقبال الرئيس الفرنسي لك في نوفمبر الماضي.

بعد تولي الرئيس إيمانويل ماكرون السلطة، في مايو 2017، التقطت له صورة يوم استلام الحكم بباريس، ثم أرسلتها له وأحبّها كثيرا "فأرسلت له طبعة بحجم كبير". ثم فاجأني فيما بعد بدعوتي إلى قصر الإليزيه، ليشكرني على الصورة ويتعرّف على عملي أكثر "وطبعا أطلعني على المكان في أحد صالونات القصر حيث تم تعليق الصورة".

2

نعود بالزمن للوراء؛ كيف بدأت علاقتك بالرئيس بشار الأسد لتصبح أحد مصوريه؟

في البداية يجب القول إن حافظ الأسد كان يفضل دائما تصدير صورة "جادة" عنه، لا مساحة فيها للجانب الإنساني، وهو ما ركّز عليه مصوروه أيضا، أما الأسد الابن، فكان يحب الكاميرا ولا يخشاها، ويعرف عن فن التصوير، لذا كان هُناك لغة مشتركة بيننا.

ما الصورة التي أراد الأسد الابن نقلها عنه؟

صورة مزدوجة. ابتغى تصدير فكرة "الأب ورب الأسرة والإنسان" للخارج، من خلال لقطات اللعب مع أطفاله أو زياراته الخارجية رفقة أسماء الأسد، فيما مُنعت بعض تلك الصور داخل سوريا، خوفا من ضياع هيبته كرئيس للجمهورية. الداخل كان له البدلة العسكرية والحزم فقط. أذكر مثلا أنه في براتيسلافا عاصمة سلوفاكيا، زار الأسد وزوجته مكتبة قديرة ومتحف، وكانت هذه الصور "غير صالحة للنشر" في سوريا.

3

هل التعامل مع الأسد على مدار 17 عاما، كان مُرهقا لك كمصور؟

لم يكن مرهقا ولم يكن له متطلبات معينة. أحيانا كان التعاطي صعبا مع محيطه، أي الاشخاص العاملين في رئاسة الجمهورية أو الاعلام الرسمي السوري، كما أن هناك فكرة ازدواجية المعايير كما حكيت آنفا.

ماذا عن قرار التوقف عن تصوير الرئيس.. كيف حدث؟

أخلاقيا، كان مستحيل عدم الدفاع عن عشرات آلاف السوريين الذين قُتلوا أو اعُتقلوا فقط لأنهم أرادوا الحياة بحرية وكرامة، وعبّروا عن رأيهم في الساحات. وطبعا فور دعم الثورة والمظاهرات، يُصبح المرء هدفا لآلة العنف الرسمية أو لآلات العنف التي لا تكتفي بالتوقيف والقتل، بل وتعمل على التشهير وتشويه السمعة وهذا يجعل تصوير رئيس هذه الآلة أو المسؤول عنها صعب بعض الشيء.

4

إذًا.. هل عانيت من أي مضايقات بسبب التوقف عن تصوير الأسد؟

من الصعب الكلام عن خطر على حياتي أو مضايقات، فأنا لم اتعرض لأي شيء لأنني خارج سوريا، معظم الوقت، بينما من في الداخل تعرضوا لشتى أنواع القتل والتعذيب والتوقيف والقصف، فينبغي الوقوف احتراما لتضحيتهم، كما أنني غادرت سوريا في مايو 2011، أي بعد اندلاع التظاهرات بشهرين.

4 تاني

لكنّك عُدت مرة أخرى لحلب عام 2014.. لماذا؟

حلب من أقدم المدن المأهولة في العالم وأجملها. وكانت مركزا للمعارك ومختبرا للحياة بدون نظام البعث، فكان من الضروري زيارتها ومتابعة ما يجري فيها ونقله للإعلام. ولم يكن ذلك يسيرا؛ لأن الطرق لم تكن آمنة. تم خطف أو قتل عدد من الإعلاميين على هذه الطرقات.

لأي مدى كان التقاط صور لحلب مُزعجا، لاسيما عقب الدمار الذي أصابها؟

صعب وضروري جدا.. وإذا تصوير أي مدينة مدمرة وفي حالة حرب هو مزعج، فكيف الحال مع مدينة عزيزة على القلب والعين ولدي فيها الاصدقاء الاعزاء وأجمل الذكريات؟.. لا أذكر عن الفترة التي قضيتها هُناك، سوى الاستنكار والحزن والغضب.

5

هل ذلك كان دافعا لعمل كتاب عام 2017 عن زيارتك لحلب؟

الكتاب أتى بعد طلبات ملحة من بعض الاصدقاء والمحبين الذين أرادوا جمع الصور، لئلا ننسى. وكلنا نعرف كم هي كبيرة حروب الذاكرة والحروب الإعلامية التي تنفي الحقائق.

وُجّهت لك انتقادات بسبب صورك التي التقطها للأسد.. ما رأيك؟

لا يهمني الإجابة على من ينتقد أو لا يحب الصور التي أنجزتها. أردد أنها ليست صور ترويجية، وليست مُركّبة؛ أي أني التقطت صورا تظهر الشخصيات مثل ما هم في حياتهم الخاصة، مع زوجاتهم أو أولادهم وهم بامتياز "ناس"، وقراراتهم فقط هي الإجرامية والعنيفة "وما فينا نعاملهم إنهم وحوش، لأنه ما فينا نحاسب الوحش، أما الإنسان فنقدر نحاكمه".

ولعل الكثيرون يعلمون أنني قمت بتصوير الرئيس الليبي معمر القذافي، والتونسي زين العابدين بن علي وغيرهم؛ وكان ذلك جزءً من عملي الإعلامي، والصور اُلتقطت في مناسبات متفاوتة.

6

تخرّجت في معهد الدراسات السياسية بباريس، فكيف جاء حُبك للتصوير؟

حدث ذلك بعد لقاءات وظروف حدثت ببداية عملي الصحفي. وتعلمت شيئا من التصوير ومتطلباته وأعجبني أن التصوير هو لغة بحد ذاته. لا داعي لترجمة العمل الذي ينفذه المصور. هذا المُنتج يسافر تلقائيا وقد يحبه الناس أو يكرهونه مهما كانت لغتهم وثقافتهم، من المكسيك إلى الصين مرورا بمصر وبأوروبا.

وما الذي أدخلك في آتون تصوير الحروب؟

أنا لا أحب تغطية الحروب وليس لدي إدمان بالحرب نفسها. لكن عندما أغطي تغير هذه المواقف داخلي شيئا؛ تجعلني أحب الحياة أكثر وأكثر.

7

بداية التغطية كانت في حرب البوسنة عام 1994.. احكِ لنا عن المرة الأولى.

أذكر هذه الأيام تماما. كنت قد أمضيت عدة أسابيع في البوسنة قبل الحرب، تحديدا في 1987، حيث كنت طالبا في باريس وحصلت على منحة للسفر للبوسنة، وإنجاز تقرير حولها، لذلك عندما اندلعت الحرب كان لدي اهتمام كبير، فزرت ساراييفو وغطيت ما يجري، وتجولت فيها، لأسجل لحظات الدمار. والحقيقة أنه لولا حُبي للبوسنة لما ذهبت إليها خلال الحرب أبدا، وهو نفس ما فعلته مع ليبيا والعراق وغيرهم. فالمدن "الغالية على قلبي" يُصبح تصويرها وقت الحرب واجبا.

ألم يمنعك شعور الخوف أحيانا عن تأدية عملك كمصور في الحروب؟

الإنسان لديه طاقات عجيبة للتأقلم. مع الوقت نعتاد على القصف. وتستمر مفردات الحياة تحت الحصار فنأكل ونشرب وننام. التوتر موجود ولكن الحياة أقوى من كل شيء. ربما ما تتركه الحرب في قلبي ليس الخوف وإنما الحزن على حال المدنيين؛ من فُرضت عليهم سياسات أصحاب القوة، وعليهم التعامل مع الموت كل يوم.

8

هل قابلت بعض هؤلاء المدنيين وقت الحرب وعلقوا في ذاكرتك؟

طبعا. الكثير منهم. التقينا في أوقات خطيرة ومؤثرة وبقينا على اتصال والتقيت ببعضهم بعد فترة في أماكن "سلام" في أوروبا واسترجعنا مع بعض ذكريات بغداد أو حلب. وصدّقي أو لا تصدّقي؛ في كثير من هذه الجلسات يوجد نوع من حنين لأيام الحرب لأنها أيضا أيام تضامن ومساعدة وأخوة.

كيف تُشفى من آثار الحرب بعد تغطيتها؟

العلاج الوحيد هو تغطية موضوعات مختلفة جدا؛ مهرجانات الموضة وعروض الأزياء. فمثلا غطّيت مهرجان كان السينمائي هذا العام. وأظن أن هذا يشبه حياتنا التي يُغلّفها عدد من المشاعر المتناقضة.

9 copy

بعيدا عن الحروب.. التقطت صورا حققت صدى واسعا، فما أقربها لك؟

"كلهم أقراب على قلبي". نشرت في أماكن عديدة؛ كمجلة "التايم"، "لاكسبريس" الفرنسية، الفارس، لها، والمجلة وغيرهم، ولا أستطيع اختيار صورة بعينها، لكن ثمة صور لها مواقف لطيفة معي.

اروِ لنا بعضا منها.

أتذكر خلال لقاء بين الرئيس الفرنسي الأسبق، جاك شيراك، والملكة، وكنت ضمن المصورين مع الوفد الفرنسي، ومع تأخر قدوم شيراك، أطلّت إليزابيث الثانية من خلف الباب، كمن يريد معرفة ما يحدث بالخارج، فالتقطت لها صورة أصبحت شهيرة فيما بعد، غير أن المصورين الإنجليز الموجودين وقتها لم يعجبهم الأمر "بعضهم قال لي لا تنشرها ولا يصح الملكة تظهر هكذا، لكن لم يكن هناك بروتوكول أو شيء يمنع نشرها".

10

رُبما من المواقف التي أذكرها أيضا هو لقاء عالم الفيزياء الراحل، ستيفن هوكينج.

في عام 2001 ذهبت لعمل جلسة تصوير "حذّرني البعض من عدم حُبه للمصورين كثيرا"، وكان الوقت المُتاح لدي عشر دقائق، لكني فوجئت به ودودا للغاية. استمرت الجلسة حوالي ساعة، ولاحظت أنه يُعلق صورة للممثلة مارلين مونرو خلفه، وعرفت منه أنه يُحبها، فالتقطت صورة لهما سويا وأحبّها وأحببتها أنا أيضا.

11

هل تشعر أحيانا بالاكتفاء.. أو أنك تُريد التوقف عن التصوير؟

بصراحة الشعور أني اكتفيت لا يأتي إلا نادرا. يبقى دائما لدي شغف للتصوير وغالبا ما أشعر أنني لم ألتقط الصورة المناسبة ومازال عليّ البحث عنها. أما بالنسبة لعدم الرغبة بالتصوير، فهذا الإحساس جرّبته في بعض المناسبات الخاصة جدا والتي أفضل أن أعيشها وأحفظ كل ذكرى في ذهني.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان