بعد زيادة أسعار الدواء.. رحلة معاناة "حسنة" وزوجها من أجل روشتة دواء
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
-
عرض 3 صورة
كتب : عبدالرحمن سيد
أمام شباك قطع تذكر العيادات الخارجية بمستشفى القصر العيني، ومع سطوع ضوء نهار يوم الخميس الماضي ـ 26 يونيوـ سحب رفعت عباس، الذي يعمل بأحد المساجد بمحافظة الفيوم، قطعة كرتون لتجلس عليها زوجته المريضة، مترقباً فتح الشباك وظهور الموظف، حتى يحصل على تذكرة كشف طبي مقابل 5 جنيهات.
جاء دور الزوجين القادمين من الفيوم، بعد 4 حالات مرضية أخرى، كانوا ينتظرون بجوارهما، وفي التاسعة صباحاً ـ الموعد المحدد لاستقبال المرضي ـ ظهر الموظف الذي يطلب من الجميع الاصطفاف في طابورين الأول للرجل والآخر للسيدات.
الزوجة حسنة عباس، التي جلست تنظر حصول زوجها على تذكرة الكشف الطبي، تأتي مرة أو مرتين كل شهر من محافظة الفيوم برفقة زوجها ـ بحسب توافر كميات العلاج الذي تحصل عليه ـ وتعاني ربة المنزل من عدة أمراض مزمنة، أبرزها الضغط والالتهاب الرئوي، كما خضعت منذ 6 أشهر لفحص طبي كشف إصابتها بتضخم في القلب.
الحصول على العلاج المجاني، هو السبب الأساسي الذي يدفع حسنة وزوجها لقطع مسافة تتجاوز 100 كليو متر، مرة أو اثنين شهريًا، وربما أكثر من ذلك - في حالة غياب الطبيب أو لم يتوافر العلاج المجاني بصيدلية المستشفى - فرغم مشقة السفر وتكاليفه، لكنها تهون في مقابل ثمن العلاج، يقول الزوج: السفر والبهدلة نقدر عليها لكن نشتري دواء 500 أو 700 جنيه في الشهر منين" هكذا برر الرجل الخمسيني بلهجته الريفية، اللجوء إلى مستشفيات القاهرة بدلا من الفيوم.
تكررت زيادة الأسعار على مدار العامين الماضين ثلاثة مرات، وكانت البداية بقرار من مجلس الوزراء في مايو 2016 بنسبة تصل إلي 20% للمستحضرات الطبية التي لا يتجاوز سعرها ثلاثون جنيهاً، وبعد مرور 8 أشهر صدر القرار الوزاري الثاني الخاص بإعادة تسعير 15% منها الأدوية المحلية و20% من الأدوية المستوردة (3010 مستحضر طبي).
وتباينت الزيادة بالقرار المسلسل برقم 23 لسنة 2017، بنسب متفاوتة، حيث جاءت الشريحة الأولى للأدوية المحلية التي يتراوح سعرها من 1 إلى 50 جنيهًا بنسبة 50%، وبينما الأدوية من 50 إلى 100 جنيهًا وصلت نسبة الزيارة إلى 40%، والأدوية أغلى من 100 جنيه زادت بنسبة 30%.
وبالنسبة لزيادة الأدوية المستوردة، فشملت قائمة الزيادة 50% للأدوية من 1 إلى 50 جنيها، و40% للأدوية فوق 50 جنيهًا، وبينما الزيارة الثلاثة كانت فى يناير 2018، حيث وافقت وزارة الصحة على رفع أسعار 30 صنفًا دوائيًا بنسب تتراوح من 10 الى 50 %. شمل القرار بعض أدوية الأمراض المزمنة التي تشهد نقصا، مثل أدوية أمراض السكر والضغط والقلب والمخ والأعصاب.
وقبل أيام، وتحديدا 15 يونيو الماضي، وافقت وزارة الصحة والسكان على زيادة أسعار ستة أصناف من إنتاج شركة "سانوفي" للأدوية بنسب تتراوح بين 25 إلى 30 %، وذلك بعد تقديم الشركة طلبًا للوزارة بإعادة تسعير بعض منتجاتها، أبرزها أصناف "كلكسان" من 20 إلى 80 مجم، الذي يستعمل في زيادة سيولة الدم وعلاج الجلطات والإجهاض المتكرر، وكذلك مستحضر "لازيلاكتون" 50 ، 100مجم، الذي يستخدم كمُدر للبول وخافض لضغط الدم.
لا يقتصر انتظار المرضى بمستشفى القصر العيني على الوقوف أمام شباك التذاكر، وإنما يتبعه انتظار آخر داخل العيادات الخارجية، وتحديدا أمام غرفة الكشف في انتظار وصول الطبيب وبدايته توقيع الكشف على المرضى، وتطول مدة الانتظار كلما تأخر الطبيب أو زاد عدد المتنظرين.
رحلة علاج "حسنة" السيدة الخمسينية، بدأت قبل 10 أعوام عندما أصيبت بالالتهاب الرئوي وآلت بها إلى تضخم في القلب، بحسب توصيف الطبيب المعالج، ولم تتوقف الزوجة طوال هذه السنوات عن تناول الدواء، مما دفع الأسرة إلي تقليل نفقات المنزل من أجل توفير ثمن الدواء، بحسب زوجها رفعت عباس.
وقال الزوج، إن تقليل النفقات كان أحد الحلول المحدودة لمواجهة ارتفاع الأسعار: "الدواء غالي علينا وبعض الأدوية تضاعف سعرها، بس هعمل أيه لو مأ خدتشي الدواء هتتعب"، وأمام هذه الزيارات المتلاحقة كان القصر العيني هو الملجأ الوحيد لحسنة وزوجها، كما تقول السيدة الخمسينية: "بيدونى في القصر العيني نفس العلاج اللي بشتريه من بره، جينا نكشف النهاردة عشان الدكتور يصرف لنا الدواء في الروشتة".
"لكل مواطن الحق في الصحة والرعاية الصحية المتكاملة وفقاً لمعايير الجودة، وتكفل الدولة الحفاظ على مرافق الخدمات الصحية العامة التي تقدم خدماتها للشعب ودعمها والعمل على رفع كفاءتها وانتشارها الجغرافي العادل. وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للصحة لا تقل عن 3 % من الناتج القومي الاجمالي تتصاعد تدريجيًا حتى تتفق مع المعدلات العالمية.
وتلتزم الدولة بإقامة نظام تأمين صحي شامل لجميع المصريين يغطى كل الأمراض، وفقًا لما تنص عليه المادة الثامنة عشر من الدستور المصري.
وتنفق الأسرة المصرية سنويًا 10% من دخلها، على الخدمات والرعاية الصحية، بينما تستحوذ الأدوية والأجهزة الطبية على 51% من هذه النسبة، وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، التي تقدر عدد المستفدين من منظومة التأمين الصحي بـ 54% من عدد السكان على مستوي محافظات الجمهورية.
غياب الرؤية الحكومية حول سياسة تصنيع الدواء، وعدم وجود سياسة واضحة لوزارة الصحة تستهدف عدد السكان وسجل المرضي للمصريين، وجشع الشركات، يراها محمود فؤاد، مدير مدير المركز المصري للحق في الدواء، الأسباب الحقيقية وراء رفع أسعار الدواء بشكل دوري، موضحًا أن شركات الأدوية ليست في حاجة لرفع الأسعار، لأن الأسعار الدواء في مصر ليست عادلة، حيث ترتفع بعدها بنسب مبالغ فيها تصل إلى 50%.
وفى المقابل، تري وزارة الصحة الزيارة أمر طبيعي، "زيادات لابد منها" هكذا برر المتحدث الرسمي لوزارة الصحة، الدكتور خالد مجاهد، سلسلة الزيادات المتكررة على مدار العامين الماضين في أسعار الدواء، فالشركات بحسب قوله، لم تعد قادرة على الإنتاج، كما أن تلك الزيادات عادة ما تضاف بنسبة وصفها بـ"البسيطة"، لضمان وجود وتوافر الأدوية بالسوق المصري، حيث لا يوجد ثمة طريقة أخري لضمان توافر الأدوية للمريض في سوق الدواء المصري، دون أن يُترك فريسة لجشع السوق السوداء، كما يقول "مجاهد".
المشكلة الأكثر تعقيدًا لـ "حسنة وزوجها"، أن تفاجأ الزوجة بعد مجيئها من الفيوم إلى القاهرة والانتظار ساعات من أجل الحصول على تأشيرة الطبيب بصرف الدواء المعتاد، وعدم تواجد الدواء بالصيدلية، واضطرار الأسرة إلى شراء دواء يكفي هذه المدة المؤجلة حتي تحصل على علاجها المجاني، وتحمل زوجها مشقة ومصروفات السفر مرة أخري بعد أسبوع، أو وفقا للموعد الذي يحدده العاملون بالصيدلية.
فيديو قد يعجبك: