"الصحافة ليست حرة تمامًا".. قصة رسائل "مصطفى أمين" لقارئ أسواني (صورة)
كتب- محمد زكريا:
قبل أكثر من 25 عامًا، وقف بوسطجي، أمام منزل في أسوان، ينادي على السيد راغب، يستعجله، ليُخبره بوصول رسالة. كان عنوان المرسِل 6 شارع الصحافة بالقاهرة.
لم يكن راغب إلا قارئًا عاديًا لأخبار اليوم، يشتري الصحيفة كل صباح، باتت له وجبة مُفضلة يوميًا، حتى أنه راسلها عبر البريد مرات ومرات، ليُفاجئ ذات يوم بوصوله رسالة منها، يُخاطبه فيها الكاتب الصحفي مصطفى أمين، مؤسس الجريدة بنفسه، كان هذا استثنائي في اعتقاد ابن الجنوب.
أما أن يُكرر الصحفي الكبير مراسلاته للرجل، كان في مصاف الخيال بالنسبة لراغب، لكنه تحقق، ليحفظ لصاحب الـ55 عامًا ذكريات، يقول إنه لم ينس أي من تفاصيلها حتى الآن، رغم مرور ما يزيد عن ربع قرن.
القصة طويلة. بدأت في أوائل الثمانينات، عندما أتم راغب تعليمه، وحصل على دبلوم الثانوية الصناعية، كأي شاب يبحث عن هواية ينجذب إليها، وجد شغفه في القراءة، اهتم بالجرائد، قبل أن يُفكر في أن يكتب ما يُشبه قصص الدراما.
في ذلك الزمان، كان راغب يُتابع كل صباح ما يُكتب بصحيفتي الأهرام وأخبار اليوم، ليتعرف على ما يجري بمحافظات مصر من أحداث، أسعده الاهتمام بقضايا الصعيد في وقتها، بينما كان يُدقق في قراءة ما تحمله مقالات الرأي، فمنذ البداية يغوى الرجل قراءة التحليلات عن السياسة، كما يقول، "الجرايد كان لها قيمة ساعتها.. ترفع من الواحد وتفهمه".
لم ينقطع راغب عن شراء الأخبار يوميًا لأكثر من 10 سنوات، باتت صحيفته الأولى على الإطلاق، ومؤسسها مصطفى أمين كاتبه المُفضل، "راجل مخه عالي وهايل" كما يصفه.
لسنوات طويلة، يواظب راغب قراءة عمود أمين اليومي، لكنه يهيم بما يكتبه مؤسس الأخبار في عدد السبت الأسبوعي، كذا لم يتوقف ابن أسوان عن كتابة القصص الإنسانية، لكن من يقرأها؟ سؤال ظل يطرحه على نفسه لسنوات، ولا إجابة، حتى جاءته الفكرة أخيرًا.
أرسل قصصه إلى أخبار اليوم، عبر البريد، وانتظر لشهور، عله يأتيه رد من أحد كتاب المؤسسة، كان ذلك في أوائل التسعينات، إلا أنه استيقظ يومًا على جواب يَخرج عن شارع الصحافة بالقاهرة، هو عنوان جريدة أخبار اليوم، لم يتمالك راغب نفسه من الفرحة لحظتها، تسارع في فتح الظرف، ليجد الرد من مؤسس الأخبار نفسه، مفاجأة لم يتوقعها رغم أنه تمناها، جعلته يُردد في ذهول: "مصطفى أمين بيراسلني؟".
كانت القصة التي أرسلها راغب وأطلع عليها أمين "درامية.. كل اللي فيها ماتوا"، بينما جاء تعليق مؤسس الأخبار مُشجعًا: "قالي أنت ناقصك خبرة"، لا يزال الرجل الخمسيني يتذكر كلمات الصحافي جيدًا، يقول إن أغلبها انصب على إبداء الملاحظات، كذا بها من النصح ما يساعده على تطوير مهاراته في الكتابة.
لكن الحياة شغلت ابن أسوان عن الكتابة؛ موظفًا في الصباح بمديرية الطرق والكباري، ويزيد دخله بالعمل ليلًا على سيارة أجرة "تاكسي"، لكن لم يُنسيه هذا قراءة صحيفة الأخبار، وكذا التواصل مع مؤسسها.
كأن راغب اعتبر أمين صديقًا له، يسأله وهو الخبير في نظره عن كل ما يخص الكتابة، ثلاثة جوابات عدد ما استلمه من الصحافي في حياته، تاه اثنان منها بين أوراقه بمرور الزمن.
كان أحدهم عندما سأله سائق الأجرة: "ما هو وضع الصحافة العربية؟"، فجاء جواب مؤسس أخبار اليوم، بتاريخ التاسع عشر من مايو لعام 1993، مطبوعًا على ورقة عليها شعار المؤسسة، وموقعة باسمه الملحوق بـ"المُخلص"، كالتالي: "اشكرك على سؤالك.. والواقع أن الصحافة ليست حرة تمامًا، فنحن لا نزال في سنة أولى حرية".
في العام 1997، توفى مصطفى أمين، كان هذا خبرًا حزينًا على نفس راغب، الذي قل اهتمامه بما تنقله جريدة الأخبار، "العملية بقت مكررة، مبقتش أشوف صحافة زمان" بحسب تعبيره، إلى أن انقطع عن الصحف تمامًا بحلول الألفية الجديدة.
"زمان كان في حرية.. عندنا أسوان، نوبيين وصعايدة، دي فئات مهمشة، ويوم ما الصحافة بتدخل محافظتنا بتتكلم عن السياحة، لكن مش مُصرح تتكلم في المشاكل"، هذا رأي صاحب الـ50 عامًا، الذي أصبح يستقبل أخباره من الفضاء الإلكتروني، باتت أكثر مصداقية في رأيه، بعدما أصبحت "الجرائد بتستخف بالناس، في زمن بتدوس على التليفون تروح أمريكا".
فيديو قد يعجبك: