لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

إنقاذ على روح "أرنستو".. إيطالية وسوري يساعدان القطط والبشر في حلب

07:15 م الجمعة 03 أغسطس 2018

كتبت - دعاء الفولي:
عام 2016، كانت أليساندرا العابدين تمتلك قطا اسمه "ارنستو". اعتبرته كطفلها، قبل أن يُصاب بمرض السرطان ويموت، فيما لم تُفلح محاولات الأطباء لإنقاذه. مرّت السيدة اللبنانية باكتئاب شديد، أرادت التبرع بأي مبلغ "على روح القط"، وما هي أيام قليلة حتى وجدت صور محمد علاء الجليل منشورة في صحيفة التليجراف البريطانية.

"كان واقف بين عشرات القطط في حلب السورية.. عم يطعمهن بحب ورعاية"، أيقنت السيدة التي تعيش بإيطاليا أنه الشخص المناسب لتلقي التبرع البسيط وقتها "حوالي 200 يورو"، بحثت عنه ووجدته. مجموعة صغيرة عبر الانترنت بدأتها أليساندرا، جمعت فيها بعض أصدقائها الإيطاليين "كان بدنا نجمع 1000 يورو نرسلهم لسوريا نساعد بيهم علاء وهيك بدأت فكرة محمية القطط".

1

منذ صغره ربّى علاء القطط "كان معي اثنين ما بنام إلا وهم في حضني". علّمه والده العطف عليهم، عاش جوارهم في حلب الشرقية سنوات ما قبل الثورة، وحينما أزفت الحرب "كان الناس بيحاولوا ينجوا بنفسهم، بينما بعض القطط ماتت جوعا أمامي"، لم تكن الأزمة في نقص الغذاء فقط "بل فرار الناس أصلا.. الحي اللي كنت فيه كان فيه أكثر من 100 ألف شخص، لم يتبق منهم سوى 2000.. القطط ما كانت بتلاقي شي تاكله".

في عام 2014، وبينما يرتع الموت في أرجاء حلب الشرقية، كان الميكانيكي الثلاثيني يحاول إنقاذ القطط قدر المستطاع ومن قبلهم البشر.

2

"ببداية الحرب انا طردت ولادي وزوجتي عشان ما كان ينفع يعيشوا هون، وانا ما رضيت بنفس الوقت أترك الناس".. لم يكن القرار سهلا على علاء، لكن عمله بالإغاثة في الثورة السورية جعله أكثر شجاعة "شفت الموت 100 مرة.. حتى سيارات الإسعاف اللي بننقل فيها المرضى انقصفت".

3

قبل أن يتخذ علاء قراره، خطط جيدا "كنت محوش ما يُعادل 24 ألف دولار"، دبّر بهم أموره "اشتريت بعض المواد الأساسية للعيش من خارج حلب وخزنتها"، لم يعرف صاحب الخمسة وثلاثين عاما أنه سيحتاجها حين يضيق الحصار على حلب الشرقية في سبتمبر 2016.

في تلك الفترة كان علاء يرعى 60 قطة، لم يكن باستطاعته سوى إطعامها كلما أُتيحت الفرصة، حاول توفير أفضل بيئة لها فيما ساعده أصدقائه بالخارج "كانت أكبر مشكلة بتواجهنا هو نقل الأموال للداخل"، لكن أليساندرا حرصت على تحويلها بشكل قانوني "وبالتالي أخد وقت أطول"، تعين على السيدة اللبنانية نقل الأموال لفرنسا ومن هناك يتم إدخالها عبر إحدى منظمات المجتمع المدني الموجودة في سوريا.

4

يوما بعد الآخر كَبُرت الثقة بين أليساندرا وعلاء "ما يمر يوم إلا وعلاء منزل صور على الجروب للقطط.. حتى لما بيحصل شي صعب لحدا فيهم بنعرف"، شجّع ذلك المتبرعين على زيادة المساعدات "خاصة إنه شكل القطط كان عم يتحسن يوم بعد التاني" على حد قول أليساندرا، فيما لم يُبالِ علاء بالضغط الواقع عليه، عامل القطط كأبنائه تماما، غير أن القصف أفقده بعضهم أحيانا.

يذكر علاء ذلك اليوم كأنه أمس؛ فبينما اشتد القصف، حاول الرجل الثلاثيني إنقاذ أطفاله "بس الأزمة إنه غاز الكلور بيكون قريب من سطح الأرض، والقطط ما بتقدر تطلع على أماكن عالية"، فقد في ذلك اليوم 40 قطا، فقرر عدم البقاء في حلب الشرقية.

لم يعرف صاحب منزل القطط كيفية نقلهم بأقل الخسائر "بقيت أبعت مع كل مجموعة خارجة قطتين أو 3 في قفص"، وبعدما اطمئن على وصول أبنائه الـ22، ترك خلفه كل شيء ورحل "كان منزلي اللي بعيش فيه مع القطط نفسه اتدمر من القصف.. ما كان في شيء باقي لحتى ضل".

5

منذ اليوم الأول، فطنت أليساندرا وأصدقائها "إنه ما بينفع ببلد فيه حرب نساعد القطط من دون البشر". بشكل تلقائي، توزعت المعونات في حلب الشرقية بين القطط وحفر الآبار، تعليم الأطفال، وتخزين مواد غذائية وشراء سيارات الإسعاف المجهزة لنقل الضحايا، فيما اضطر علاء لتوثيق كل شيء بالصور والفيديو "لأنه دخول الأموال لسوريا ممكن يكون لدعم الإرهاب، بالتالي التوثيق بيرفع أي شبهة عننا".

حين وصل علاء لحلب الغربية، درس مع أصدقائه بالخارج بناء محمية للقطط، ومشروع للأطفال والكبار بالمنطقة "قدرنا نجمع حوالي 60 ألف يورو".. تقول أليساندرا، بينما خطط علاء لتفاصيل المشروع الجديد "مكنش في أي بنية تحتية"، لذا تم بناء مستوصف طبي، ملعب أطفال، دار للأيتام ومتحدي الإعاقة، بالإضافة لمحمية أكبر للقطط "أنجزنا المشروع وباقي فقط دار الأيتام راح ننتهي منه في أغسطس المقبل".

6

في حلب الغربية، اختلف شكل محمية القطط "صار هناك مواعيد محددة للطعام، حديقة، وطبيب بيطري يُشرف على حالتهم"، مازال علاء وأليساندرا يعانيان بسبب نقص الأدوية واللقاحات "دخولها هو أصعب شيء إلى الآن"، حتى أن بعض القطط هلكت لذلك السبب.

"انا بيهمني أستهدف شريحة الأطفال هون".. يفتح علاء الباب يوميا لصغار المنطقة ليشاركونه إطعام القطط، يُعلمهم أن أذى الحيوان ليس أهون من أذى البشر "هؤلاء الصغار شافوا موت كتير بسبب الحرب.. هادا الوقت اللي نعلمهم فيه يحبوا الحياة حتى لو الوضع بسوريا سيء".

مع كل طفل يساعده علاء، يتذكر أبناءه القابعين في تركيا "بعد ما روحت على حلب الغربية قدرت أخرج أقابلهم هناك وقابلت بعض أصدقائي ياللي بيساعدوني"، لكنه عاد لسوريا مرة أخرى بإرادته "وجودي هون بسوريا أهم لأولادي.. هون في كتير زيهم محتاجين مساعدة".

7

على مدار عامين، لم تتوقف المساعدات لعلاء رغم انحسارها أحيانا، وبينما تبحث أليساندرا سُبُل إدخالها مع أصدقائها، يظل قلبها مُعلق بقطط المحمية، تعرفهم بالاسم "بعضهم أنا اللي عطيته اسمه"، تُحبهم كأنما تعيش بجوارهم، تنشر مغامراتهم بمرح عبر مواقع التواصل "زي القط ماكسي ياللي بنحكي عنه بالصور".

8

الحياة مستمرّة رغم الحرب بسوريا. يحاول صاحب المحمية خلق الأِشياء الجميلة "بنعمل أعياد ميلاد للقطط بشكل يومي.. عم نجيب تورتة وهدايا للأطفال ونحتفل".

ما يفعله علاء لقي دعم الكبار أيضا "المشروع احيانا يتعرض للصوص لكن أهل المنطقة هم من يدافعون عنه". كما لم يعد الإنقاذ مختصا بالقطط والبشر فقط "عالجنا أربع قرود، خيل، ماعز وغيرها"، فالكشف على حيوانات أهل حلب يتم بالمجان.

9

تفخر أليساندرا بما وصل إليه المشروع، صارت المجموعة الصغيرة التي بدأتها عبر فيسبوك، تحوي ما يزيد عن 24 ألف شخص "كلهم بيتبرعوا لحلب، سواء للقطط أو البشر"، لم تقابل أليساندرا علاء إلى الآن، غير أن المشروع الذي يجمعهما أكبر من أي صداقة، باتت مساعدة الآخرين ممكنة لكليهما، حتى وإن لم تضع الحرب أوزارها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان