لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

من المحبة إلى الاحتراف.. كيف تحول مسار سيناريست "أبو عمر المصري"؟ (حوار)

07:38 م الأحد 05 أغسطس 2018

محمد المصري

حوار- رنا الجميعي ومحمد مهدي:

تصوير- محمود عبد الناصر:

محبة الشيء لا تمنحنا حق امتلاكه، لكن الجهد المتواصل يُمرر الفُرصة أحيانًا، لذا حين ظهر اسم السيناريست محمد المصري في مسلسل "أبو عمر المصري" مجاورًا لمريم نعوم، كاتبة السيناريو ذات الأعمال الممتعة في عالم الدراما، ثمة توقعات طفت على السطح بأنه رهان فائز، إذ يمتلك المصري رصيد متماسك من التجارب ومحاولات التعلم والاستغراق فيما يُحب، وهو الفن.

مصراوي التقى بالمصري، أردنا الحديث عن المسلسل الرمضاني، كواليس صناعته، العمل مع مريم، وقبل كل ذلك التجول رفقته في الماضي القريب، متى أسس لموهبته التي بدت جلية في عمله الدرامي الأول، وعيناه التي تلمع حين يتحدث عن شخوص "أبو عمر المصري"، وأحداث المسلسل و"محاولة العناية بالتفاصيل" كما يصف رؤيته للتجربة.

ثمّة لحظات مهمة في حياة الإنسان، تُساعد في تكوينه، يتذّكر المصري-الشاب ذو الـ 28 عام-في حوار لمصراوي، لحظة حددت مساره، داخل السينما وطأت قدما المصري بُصحبة والده للمرة الأولى، في القاعة المُظلمة وقعت عيناه الدَهِشة على الممثل نور الشريف في ثوب الفيلسوف الأندلسي ابن رشد، لم ينْس أبدًا تلك اللحظة الأولى في غواية السينما له.

1

كانت الأفلام بالنسبة للمصري هي مدخله للعالم، يتعرّف على ألوانه وشكله عبرها، فيقوم بتجربة دخول قاعة السينما بمفرده لأول مرة ليُشاهد فيلم للممثل الأمريكي ليوناردو ديكابريو، ويعتبر دخول الإنترنت وسيلة ليتسع بها هذا العالم "بقى عندي قايمة من 200 فيلم عايز أشوفهم"، فتتشكّل هوايته وهي الكتابة عن الأفلام "كان عندي وقتها 14 سنة، واتعرفت على منتديات للأفلام"، ويُكوّن صداقاته حول محبّة الفن السابع "كُنّا بنكتشف سوا ونعمل عرض وتحليل للأفلام".

تظلّ الكتابة عن الأفلام هي الهواية ثم المهنة التي يؤديها المصري، يصير أي شيء آخر بجوار الكتابة وهمًا، حتى دراسته الجامعية للتاريخ بكلية الآداب، من التدوينات إلى الصحافة الفنية ومنها إلى كتابة الأفلام طريق سار به المصري بخطوات متأنية رغبة في التعلم، وإدراك التفاصيل والاستمتاع في الوقت نفسه بالتجربة، كتب فيلمه القصير "إعادة فتح التحقيق في قضية مقتل الأمير والد هاملت " الذي حصل على المركز الأول في منحة مقدمة من مكتبة الإسكندرية، كما وصل إلى القائمة القصيرة في مسابقة نجيب ساويرس عن فيلمه " تحقيق في اختفاء سيد جابر"، وعمل في أفلام مستقلة كمساعد مخرج.

2

بحلول عام 2016 طرأ تغيير في حياة المصري، خاصة حين التقى بمريم نعوم، لكي تُشرف على ورشة تطوير أفلام طويلة تقدم إليها السيناريست الشاب بمعالجة لجزء من سيناريو فيلم "تحقيق في اختفاء سيد جابر"، في نظر المصري فورشة السيناريو أنتجت ثمارًا، علاقته بمريم جعلتها تُرشّحه لأن يتعاون معها في مسلسل "أبو عمر المصري".

تعلّم المصري الكثير على يد مريم "هي شخص كريم جدًا عمرها ما بتبخل بوقت ولا بمعرفة"، منحت السيناريست كل خبرتها لمشاركيها الأربعة "محمد حديدي ومي زايد وجنيفر باترسون"، كرمها ذاك ظهر في مدّ زمن الورشة المتفق عليها من مايو حتى ديسمبر "لكنها استمرت أكتر من سنة"، درست مريم في معهد السينما، مما مكنها معرفة أصول الفن السابع "الخطوات الكلاسيكية لكتابة السيناريو كانت مفيدة جدًا"، كما تمكّن المصري من العمل على قصته، داخل الورشة كانت فُرصة ليرى الكاتب قصته وهي تنضج يومًا بعد يوم.

لم يعتقد المصري أن علاقته بمريم ستتعدى تلميذ بأستاذ، في أكتوبر 2016 عرضت السيناريست تعاونهما معًا في روايتي الكاتب عز الدين شكري فشير "أبو عمر المصري" و"مقتل فخر الدين"، لم يكن في ظنّه أن أول ما سيظهر اسمه عليه للجمهور هو عمل تليفزيوني، لكنه وافق لأن المسلسل "تجربة كتابة مع مريم"، في نظر المصري فإن هناك أسماء قلائل في عالم الدراما يعنون شئ مُختلف عن التقليدي من بينهم مريم.

3

بعد ذلك بستة أشهر بعد العمل الفعلي على المسلسل، في الأعمال السابقة لمريم لا يتدخل أحد في المعالجة الدرامية والسيناريو الذي تكتبهما، غير أن الأمر تغيّر هذه المرة "بلسان مريم قالت إن دي أول مرة حد يكتب معايا السيناريو"، صُنع المسلسل بروح مريم والمصري معًا "المرة دي كنا بنشتغل سوا، بنتكلم يوميًا على بُنا كل حلقة، ازاي تتبني وتنتهي فين، مفيش حلقة كاملة بتكون لحد فينا".

التجربة مُرهقة وممتعة في آن واحد، لكن الرواية ساعدت كثيرًا في كيفية تقسم مراحل العمل "الرواية كان فيها شيء مريح إن هي بتتقسم لمراحل مكانية"، البداية في بين السرايات ثم الانتقال إلى فرنسا ومنها إلى السودان وأفغانستان والعودة في النهاية إلى القاهرة.

لم ينقل المصري برفقة مريم الرواية نصًا، هناك تغيرات عدة جرت في تكوين الشخصيات ومسار علاقاتهم وحكاياتهم، وهو أمر بديهي لأن دورهم ليس النسخ "فخر كان مثالي جدًا في الرواية خاصة الجزء الأول، كنبي منزه عن كل الخطايا، وكل الشخصيات التانية منبهرة بيه"، لذا اختلف فخر-الممثل أحمد عز- في المسلسل مقارنة بالرواية "هو عنده مثالية جواه لكن تصرفاته فيها تعقيدات أخلاقية"، لم يمنع المصري نفسه من إضافة ما يراه صائبًا في حق النصّ، كذلك تغيّرت شخصية الصحفي ناصر صديق فخر -الممثل محمد سلام، كما أضافت الرسائل المتبادلة بين فخر وناصر أثر قوي للعمل الدرامي.

4

هذا أمر يستهويه وأيضًا مريم "الحاجات المركبة جدًا وهو إن البطل يعمل تصرف وعنده مبرر قوي من ناحيته لكن بيكون له أثر سلبي على اللي حواليه"، يُشير المصري إلى مشهد فخر داخل المحكمة أثناء مرافعته عن سمير العبد "بالنسباله تصرفه مثالي لكن في الوقت نفسه مكنش شايف شيرين حبيبته تمامًا"، وهو ما ظهر في حوار مباشر من صديقه "ناصر كمان في الرواية شخصية أحادية فيها مزيج من العدمية والاكتئاب لكن في المسلسل مختلف".

كيف يُمكن أن يخلق الكاتب روح للنص؟ هذا ما فعله المصري مؤمنًا بأهمية التفاصيل، يتم تعشيقها بشكل يربط المُشاهد بالمسلسل، تجد فخر الدين -الممثل أحمد عز- في الحلقات الأولى يُشاهد مباراة للإسماعيلي التي فاز فيها بالدوري المصري عام 1991 "أنا منشغل طول الوقت إن فيه حكاية بتحصل وليها زمن محدد، فلازم يبقى فيه إشارات زمنية، وبحس إن الكورة بتخلق علاقة قوية مع الزمن"، كذلك تجد أسامة بن لادن -الممثل صبري فواز- يُشاهد مباراة للأرسنال عام 2001، فمعروف عنه حُبه للنادي الإنجليزي.

5

كانت روح الشاعر فؤاد حداد حاضرة في المسلسل، رغم عدم وجود ذلك في الرواية، في الحلقة السادسة بمكتب الصحفي حضر فخر ولم يجد صديقه، كتب له على ورقة "بنقولكم عيشوا، لا يخيل عليكوا الموت وتهويشه"، يقول المصري "إحنا بنحكي عن محامي يساري في التسعينيات عنده قدر من الثقافة، فمش غريب إنه يستشهد بجملة لفؤاد حداد".

نَفْحة الشعر تلك لم تكن الوحيدة، على لسان الخالة مريم -الممثلة عارفة عبد الرسول- كانت تحكي لفخر عن الحُلم البشع التي تنبأت فيه بموت ابنها عيسى -الممثل محمد الشرنوبي "أمّا يامّا شفت حلم.. حلم غريب يخوّف".. تعلّق المصري منذ زمن بتلك القصيدة -هي مشهد من مسرحية ياسين وبهية لنجيب سرور: "كنت مهووس بالقصيدة والأغنية بصوت تامر كان اكتشاف، وفجأة حسيت إن الحلم بيوصف لحظة اغتيال عيسى، لحظات زي دي بحس إني مش أنا اللي خلقتها، هي موجودة بس قدرت أكتشفها".

6

أحد الخيوط الدرامية الهامة بـ "أبوعمرو المصري" هو الجزء الخاص برحلة فخر وابنه في الصحراء والمطاردة من قِبل الجماعة المتطرفة "إحنا عملناها كأنها فيلم لوحده"، بُذل مجهود كبير من أجل خروجه بأفضل صورة داخل السيناريو "شوفنا أفلام وثائقية كتيرة عشان نعرف كل حاجة عن حياة الصحراء"، شاهدا أفلام روائية مشابهة للحالة ذاتها من بينها فيلم "ذيب" الأردني "وكان فيه طموح كبير خلانا نكتب أماكن معينة نفضل التصوير فيها".

الإلمام بالقانون كان ضروري أيضًا؛ لاسيما أن البطل محامي، استند المصري خلال العمل على الشق القانوني إلى صديقه المحامي محمود عثمان "اتكلمنا في كل حاجة عشان تطلع صادقة، بعتلي مرافعات كانت مفيدة"، شعر أن الحالة التي خُلقت لدائرة فخر وأصدقائه المحامين خرجت بصورة جيدة "شوفت محامين على السوشيال بينزلوا المشاهد بين فخر وأصحابه، وبيمنشنوا بعض وبيقولوا دا مش بيفكركم بحاجة".

7

حين شرع المصري في بناء الحلقات الأولى في العمل رفقة نعوم، كانت هناك رغبة في استمداد روح فترة الثمانينيات والتسعينيات "ويبقى فيه بنا كلاسيكي عن الشخص مقابل السلطة اللي هي رجل الأعمال، من النقطة دي كان مهمّ الفُرجة مرة تانية على أفلام وحيد حامد وحبيته أكتر". "كان فيه شيء مدهش في أعماله، إزاي بيبني أفلامه بعيدًا عن الشكل المعتاد في زمنه، وبيحط أبطاله في مواجهة السلطة خاصة في فيلم الغول"، على لسان "علي" صديق فخر -الممثل عمرو القاضي-في مرافعته ضد فساد بعض رجال الأعمال، واحدًا منهم اسمه "فهمي الكاشف"، وهو الدور الذي قام به "فريد شوقي" في فيلم الغول، أحبّ المصري أن يُحيّي وحيد حامد بطريقته.

العودة للسيناريست الكبير ساعد المصري في سرد علاقة فخر بالنظام من حوله، "كمان حبينا إننا نقيس الزمن في المسلسل بالخماسية اللي حصلت بين وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام، كل فيلم يظهر في الأحداث بشكل مختلف بس محصلتش لأسباب إنتاجية".

بعد تجربة العمل الرمضاني، حصل المصري على هدنة، يلتقط أنفاسه قليلًا، يضبط إيقاعه من جديد، يقرأ كثيرًا، يلتهم أعمال فنية لتغذية روحه مرة آخرى، قبل أن يعاود إلى دربه المُفضل، الكتابة للسينما "بشتغل على فيلم جديد في مرحلة التحضير، وبالتوازي بتحرك في فيلم تحقيق في اختفاء سيد جابر مع المخرج محمد علي ومتحمس للعمل، ودا أهم شيء".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان