4 أطباء يتحولون لساعي بريد: "عايزين نسيب أثر في الناس"
كتبت - إشراق أحمد:
قابضًا على جواب وعنوان أملاه عليه صاحب الرسالة، قطع محمد فوزي وصديقه محمد كمال نحو الساعة من المنصورة، لإيصال الخطاب إلى وجهته في قرية قرب السنبلاوين –جنوب شرق الدقهلية، بالوصول إلى المكان استقبلتهما الفتاة، المرسل إليها المظروف، فتحته ثم بكت. كانت الكلمات من أبيها، الذي قرر إسعادها بشيء مختلف يقدمه إليها الغريبان، فكان لهما من الفرحة نصيب "ده أول جواب نبعته وزود إيماننا بالفكرة أوي" قال فوزي.
في لحظة تمخضت فيها فكرة؛ قرر فوزي وصديقه كمال واثنان آخرون، أن يتحولوا من طلاب طب أسنان المنصورة إلى ساعي بريد. أسس الشباب الأربعة ما اسموه "شركة للجوابات".
طالما دار الحديث في محيط فوزي ورفاقه عن الرسائل المكتوبة المتبادلة بين الأحبة، من أصدقاء وأقارب ومعارف، شغلهم وقع تأثيرها على النفوس رغم مرور السنين حتى مسهم ذلك الحنين، وزاد شغفهم بمتابعة مسلسل الخيال الأجنبي "صراع العروش Game of the thrones"، إذ كانت الممالك تراسل بعضها البعض عبر غراب، ومن هذا جاء اسم المشروع "Raven Ink" أو حبر الغراب.
ليس بريدًا عادياً، حاول رفاق الطب تقديم الخدمة بشكل مختلف، لا يكتفي باعتبار الخطاب ورقة يستلمها صاحبها ويوقع بذلك. وضعوا لمسة خاصة بداية من الورق المستخدم، تبعه الحبر المكتوب به الكلمات، وأخيرًا تهيئة الجواب بشريط وختم خاص يغلقه، وما يصاحب ذلك من وردة، وأخيرًا إعلام المرسل إليه بمن أرسله له والسبب كما يوضح فوزي، صاحب فكرة الشركة.
ثلاثة خيارات يضعها القائمون على الشركة أمام المستخدمين، كلُ حسب رغبته، من أراد حصل فقط على المواد وأكمل المهمة بنفسه، ولمفضلي الخصوصية، إذا شاءوا كتبوا الرسالة وتركت للشركة مهمة الإرسال، أما الوسيلة الثالثة، ترك الأمر برمته إلى طلاب الطب، وما على صاحب الجواب إلا ابلاغ الرسالة "البعض مبيعرفش يعبر عن اللي جواه بالكتابة فأحنا بنساعدهم في ده"، يوضح فوزي أن أحدهم يتولى ذلك، ويقوم بسؤال المرسل عدة أسئلة قبل الشروع من إتمام الجواب.
قبل عام وثلاثة أشهر، تحديدًا في يونيو 2017 خرجت الفكرة بين فوزي واثنين "محمد كمال وعبد الرحمن حسين"، قبل أن ينضم إليهم الخطاط مصطفى ياسر، هو زميل لهم لكنه يجيد الكتابة بأنواع مختلفة من الخطوط، مما أهله لمهمة تدوين كلمات الخطابات.
تأخر بدء المشروع لظروف دراسة الطلاب، وفي يوليو 2018 بدأت الدعاية الفعلية للشركة لكن في حدود ضيقة "جوه الكلية بتاعتنا، علمنا مسح لقينا 500 واحد قابل الفكرة و20 عايزين يشاركوا".
إلى جانب الخيال، اتبع فوزي ما تعلم من مهارات التجارة والتسويق، ليغلف الأمر بالجدية، وفي الثامن من سبتمبر حدث ما لم يتوقعه الرفاق الأربعة "لقينا الفكرة بتنتشر بشكل كبير على السوشيال ميديا"، خلال يومين وصل 210 طلب كتابة جواب، 80 منهم في حدود المنصورة وما جوارها، و100 في محافظات بعيدة عنهم، و30 آخرين يرغبون في توصيلها للخارج، فيما كان في مخططهم إرسال 100 خطابًا خلال شهر.
سعد الرفاق الأربعة بالانطلاقة الأولى لمشروعهم، لم يتوقعوا ردود الفعل "كل اللي بعت لنا قال لنا الرسالة عشان احنا نكتبها بخطنا"، ما وصلهم من انتقاد لا يذكر بالمقارنة لكنهم منحوه الاهتمام "ناس اتكلمت عن الأسعار وناس عن الخصوصية"، فيما حرصوا على الرد بأنه سعر الخدمة المقدمة مرتفع نظرًا لنوعية الورق والخامات المستخدمة، أما الخصوصية فطالما منحوا المراسلين الخيارات الثلاثة حسب قول فوزي.
رغم الفرحة الإلكترونية، لكن على أرض الواقع حصل طلاب الطب على ما نشدوا من عملهم، أوصل الرفاق خمسة خطابات إلى الآن، يحكي فوزي عن تلك اللحظات وما يليها، فإحدى الجوابات أرسلتها ابنة لوالدتها التي كانت على خصام معها، ذهب الشاب إلى السيدة، وشهد لحظة الاحتفال المقام لها، فيما استقبل تعليق ابنتها "بعتت لنا أن والدتها انبسطت جدا وحضنتها".
خطابان يذكر فوزي أسباب ارسالهما، من زوجة لرب أسرتها المنهك في عمله لأجلهم، وآخر يمر بظروف عصيبة، أرادتا الزوجتان أن تجبر بخاطر زوجيهما في عيد ارتباطهما، وتشارك القائمون هالة السعادة والمحبة.
ذاق فوزي تأثير الرسائل على مستقبليها؛ في فبراير المنصرف، تلقى الشاب أول جواب له في حياته، كان طالب الفرقة الخامسة لكلية الطب يختتم قيادته لأسرة تطوعية، فأهداه رفاقه رسائل مكتوبة بخط اليد، كما استهل الرفاق الأربعة مشروعهم بجواب مكتوب، أعطاه رفيقهم الخطاط لكل منهم.
"لو عملنا المشروع وحتى لو مكسبناش فيه، المكسب الأول بالنسبة لنا أننا نسيب أثر مع الناس" ذلك ما يؤمن به الرفاق الأربعة منذ البداية، ويرضون له أي نتيجة يصلون إليها، ولأجلها يسعون ليكون بكل محافظة مندوب يوصل الخطابات، وآخر خطاط، فيما يتمنون أن تنتهي مهمة العشرين جوابًا التي بدأت رحلة توصيلهم اليوم.
فيديو قد يعجبك: