"10 جنيه" مكافأة.. حين عايش ياسر رزق ولادة أول طفل أنابيب مصري
حوار- أحمد جمعة وإشراق أحمد:
تصوير- فريد قطب:
31 عامًا مرّت على هذا اليوم، ولا يزال الكاتب الصحفي ياسر رزق يتذكر الصباح الذي أَسرّ في نفسه خبر ولادة أول طفل أنابيب في مصر. جمع أوراقه وذهب حيث تضع سكينة شحاتة طفلتها "هبة".
في السابع من يوليو 1987، ساد التكتم المشهد، علم رزق بخبر الولادة قبل 24 ساعة من مصدره المباشر، الدكتور محمد أبو الغار وجمال أبو السرور المتوليان إجراء العملية إلى جانب الطبيبة رجاء منصور، فيما لم يخبر الصحفي الشاب أحدًا بقصته الصحفية الجديدة سوى الأستاذ جلال عيسى، مدير تحرير الأخبار حينذاك.
لم يذق محرر قسم الديسك المركزي وقتها طعم النوم، أخذ يفكر بما ينتظره في الغد الباكر. يبتسم رزق بينما يذكر أنه كان في أيام عطلته من الخدمة العسكرية.
في الثامنة صباح اليوم التالي، حضر "رزق" إلى مستشفى دمشق بالمهندسين. اتخذ إجراءات التعقيم، ارتدى زي غرف العمليات، ووقف راصدًا من خلف الزجاج عملية الولادة، يقول رزق "مكنتش دخلت أوضة العمليات إلا مرة وكنت أنا المريض"، لكن التواجد كصحفي مختلف.
دارت عينا رزق في حدود المكان، سجل كل التفاصيل، استدعى السيناريو الذي احتفظ به في مخيلته: "أكون مركز مع الأم ومشاعرها؛ لأنها زوجة حُرمت من الأمومة بشكل طبيعي، وكانت على شفا أن تكون عاقرًا لولا تقدم العلم، وربنا كرمها وساعدها الأطباء أن تكون أمًا".
تحدث إلى الزوجين قبل وبعد العملية، رصد قلق الأب الذي ظلّ 18 سنة حتى يسمع صراخ طفله، واشتياق الأم لوليدها، وانتظار الأطباء الثلاثة لحصاد نجاح التجربة الأولى التي ستقلب حياة أزواج عدة فقدوا الأمل في ذرية تشد عضدهم.
بعد دقائق من وصول "هبة" أول طفلة أنابيب في مصر، في الثامنة و24 دقيقة، سارع رزق بالعودة إلى مقر جريدة الأخبار لكتابة قصته "كنت مركز إنه يكون موضوع إنساني من زاوية الأم أكتر ومشاعرها بعد ما ولدت ومسكت الطفل"، سجّل مشاعر الأبوين والطاقم الطبي والظروف الاستثنائية التي أحاطت بهذا الحدث المتفرد، لكن مساحة الجرنال لم تفعل ذلك.
قبل وصله إلى مقر أخبار اليوم بوسط القاهرة، كانت إدارة الجريدة قد أعدت عدد يوم التاسع من يوليو 87 كاملاً، لاسيما وقد أخذ التجديد الأول للرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بعد 6 أعوام من التنصيب اهتمام جميع الجرائد حينها، لكن بعد قراءة مدير تحرير الأخبار لقصة "هبة"، التفت إليه وقال "ده هيبقى أحسن موضوع في الجرنال بكرة"، وكان القرار بحجب صفحة الرأي لأول مرة في تاريخ الأخبار، ونُشرت المعايشة في صدر الصفحة الرابعة كما يحكي رزق.
نجح الصحفي الشاب في تغطية الحدث الذي التفتت إليه وسائل الإعلام المحلية والدولية، تأكد من انفراد الأخبار بمعايشة لحظات الولادة دون غيرها من الجرائد المنافسة التي كانت تتقدمها الأهرام في ذلك الوقت. يتذكر رزق أن وكالات الأنباء نقلت ما كتبته الأخبار حينها.
يجلس رزق في مكتب أعلى منصب بمؤسسة أخبار اليوم، السنوات الثلاثين في عمر الكاتب الصحفي جعلت الحدث عاديًا في خضم حياته المهنية، لكنه لم ينس ردود الفعل، يبتسم بينما يتذكر كيف كان الموضوع حديث مجلس تحرير الجريدة في اليوم التالي، فيما صرفت له مكافأة "10 جنيه وكان يعتبر وقتها حاجة كبيرة."
يتذكر "رزق" إشادة الاستاذ جلال دويدار بقصته: "قالي برافو عليك الموضوع مكتوب كويس وانفراد الناس هتنقله عننا"، فيما كان حريصًا ألا يتابع القصة : "لم أتواصل مع هبة أو أسرتها مرة أخرى بعد ذلك وكنت حريصًا على ذلك في الفترة الأولى، علشان منعملش وصمة للبنت الصغيرة".
بعد أيام عاد رزق لاستكمال أداء الخدمة العسكرية، احتفظ بالمكافأة التي ضاعفت ما يتحصل عليه بشكل اعتيادي إلى 60 جنيهًا، إذ لم يكن الكاتب الصحفي في زمرة المُعينين بالجريدة بعد.
في نظر رئيس مجلس إدارة أخبار اليوم، قصة "هبة" كانت أخف وطأة من تغطياته للحروب والنزاعات في دول عدة "حضرت أغلب معارك الشرق الأوسط؛ رحت البوسنة والهرسك مرتين وحرب البلقان ورحت جنوب لبنان ودارفور، ودخلت مع عرفات قطاع غزة لأول مرة، وتغطية حرب الخليج الأولى، وتحرير الكويت"، يقولها بينما تحيطه الجوائز وشهادات التكريم، لتاريخ حافل يمضيه بين جريدة الأخبار.
تابع باقي موضوعات الملف:
"لا تذرني فردًا".. مصريون في رحلة البحث عن طفل (ملف خاص)
بالصور- مصراوي داخل أول مركز مصري لأطفال الأنابيب (معايشة)
فرح من 7 ليالي.. زوجان يستقبلان مولودتهما الأولى بعد 18 عامًا
"في انتظار لُطف ربنا".. مشاهد من مأساة الإجهاض المتكرر في مصر
تعرف على أبرز أسباب منع الانجاب (فيديوجرافيك)
حكايات الدور الخامس.. أزواج يبحثون عن الإنجاب داخل قصر العيني بـ"سعر حنين" (معايشة)
ساعة ميلاد القدر.. رحلة زوجين لإنجاح عملية الحقن المجهري "في اللحظات الأخيرة"
"أول طفلة أنابيب مصرية".. كيف وثّقت الصحف ولادة "هبة"؟
رئيس وحدة "تأخر الإنجاب": نُجري 600 عملية سنوياً.. و70% من الرجال يعانون ضعف الخصوبة (حوار)
"سابوا البيت وفكروا في الزواج التاني".. حكايات من "مرارة" تأخر الإنجاب
فيديو قد يعجبك: