لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

حكايات المصريين مع الخوف.. كيف تكون الحياة بـ"فوبيا"؟

03:41 م الأربعاء 09 يناير 2019

رسوم سحر عيسى

كتب- نانيس البيلي ومحمد زكريا:

لم يكن تعدى عمرها خمس سنوات، عندما سمعت "أماني" صرخة عالية، لتلتفت إلى مصدر الصوت، وتكتشف أن سيارة داست أقدام قطة صغيرة، رعب تلبسها؛ صرخت، بكت، وتكورت داخل حضن أبيها، ورغم أن القطة لاذت بالفرار، واستمرت في الركض، تبدل شيئًا ما بتكوين الطفلة، ارتبطت القطة في عقلها بـ"كائن خرافي"، باتت تخشى التعرض لها، رؤيتها، حتى سماع أي ما يخصها، ليتحول خوفها إلى رهاب، تُلازم تفاصيله حياتها، صارت البنت مريضة: "فوبيا".

الفوبيا، هو مرض نفسي، يُصنف ضمن اضطرابات القلق، ويُعرفه الطب بأنه الخوف الشديد والرهاب غير العقلاني من كائن معين أو وضع معين.

ليلة امتحان الثانوية العامة، توجهت أماني إلى بيت زميلاتها، قبل موعد بدء المراجعة النهائية للمادة الدراسية، غير أنها تفاجأت بنوام قطة على الباب، لحظتها تجمدت البنت مكانها، ارتعبت، قبل أن تفر إلى الشارع، وتتواصل مع والدتها، التي اتصلت بأهل البيت، لتلحق البنت بالمُراجعة متأخرة، وتستقبل سيل من سخرية مُعلمها وزملائها، فما كان منها إلا البكاء، غادرت الدرس دامعة، وفشلت في استذكار المادة الدراسية يومها.

لم يكن هذا موقفًا عابرًا في حياة أماني، تقول إن أيامها صارت تفاصيلها تدور حول رهابها. في العام 2016، كانت سلالم منزلها على موعد مع مولود جديد، انجبت القطة وحاوطت صغارها بركن أمام الشقة، وداخلها تملك الرعب صاحبة الـ26 عامًا، اعتذرت عن الذهاب إلى العمل، ولم تُغادر المنزل طوال فترة حضانة القطة لصغارها، تُعبر أن حياتها كأنها توقفت تمامًا.

ذلك المرض، يمنع أماني من التواجد في الأماكن المفتوحة، المطاعم والمقاهي، وأي شبر تُصادف فيه القطط. وكان لهذا الفضل في تعرضها لأكثر المواقف الصعبة. تتذكر منها، تلك الجلسة التي جمعتها باثنين من زملائها، وقت الغداء، عندما تقدمت قطة نحوها، لتتخذ الشابة قرارًا غير معتادًا بالصمود، بغير إرادتها تصلبت أعصابها، أحست وخزة في الصدر، زادت ضربات قلبها وضاق بها النفس، ليزرق وجهها وأطرافها، وينتهي الأمر بها تستفرغ على الأرض.

ليلتها، استقبلت أماني من أصحابها تفهمًا لمرضها، لا تلقاه طوال الوقت. في أحد المرات، كانت أماني تسير على رصيف أحد الطرقات، قبل أن تُلاقي قطة تُجالس سيدة مسنة، ليدفعها الخوف إلى الجري وسط العربات في الشارع، ويعرض الهلع حياتها إلى الخطر، لكن أكثر ما أحزنها في يومها، هي تلك الكلمات، التي استقبلتها، ولا تزال تتذكرها بوضوح، "هتموتي نفسك عشان قطة؟" قالتها سيدة وسط ضحكات من أطفال.

ذهبت أماني إلى الطبيب النفسي، فيما لم يُساعدها العلاج كثيرًا، يُخيل لها أن مُعافي "فوبيا القطط" أبطال خارقين، لكن تأمل أن تُشفى من المرض نهائيًا، تعتقد أن الحياة دونه لها شكل آخر، بينما تتمنى أن يُلقي المجتمع تفهمًا أكبر لمُصابي الرهاب.

لا توجد إحصائيات تقيس عدد مرضى "الفوبيا" في مصر. لكن تُشير نتائج المسح القومي للصحة النفسية لمصر عام 2018، إلى أن 25% من المصريين يعانون من الأعراض والاضطرابات النفسية، بمعنى أن 1 من كل 4 أشخاص لديه عرض أو اضطراب نفسي، بين الشباب والبالغين وكبار السن.

رهاب القطط (الحيوان)، الذي تُعاني منه أماني، ليس النوع الوحيد، فهناك أنواع عديدة للـ"فوبيا":

1

"فوبيا ليلة الدخلة"، هو ما تعاني منه "ريهام". بعُمر الـ22 عامًا، خُطبت البنت، لأسابيع ظلت السعادة تملأ قلبها، حتى علمت بما حدث لصديقتها ليلة الزفاف، كان زوجها عنيفًا معها بالعلاقة الزوجية، فأحدث لها نزيفًا، نُقلت على إثره إلى المستشفى، ولأكثر من شهر مكثت داخل العناية المركزة، مما أدخلها في حالة اكتئاب، بات يسكنها شعورًا بالهلع "بقيت أحس إني لو اتجوزت أي شخص، هيغتصبني".

طوال عامين خُطبت ريهام 4 مرات، لكن تفسخ خطبتها بمجرد تحديد موعد كتب الكتاب "كنت بقول لأهلي مش عايزة أكمل يا إما هموت نفسي".

تستعيد ذاكرة ابنة محافظة الإسماعيلية ذلك التحول الذي طرأ على علاقتها بخطيبها الأول، والذي تزامن مع معايشتها لمأساة صديقتها، تبدل شعورها تجاهه من الطمأنينة إلى الرهبة "أول ما أشوفه يجيلي رعشة"، قَصَت على والدتها حكاية تلك الفتاة، طمأنتها الأم، لكن دون جدوى، يمُر أمامها في النهار شريط من الذكريات الأليمة "تخيلت إن أنا اللي اتجوزت وحصلي نزيف"، فيما تلاحقها الكوابيس خلال نومها، لذا امتنعت عن مقابلة خطيبها حتى انفصلا للأبد.

لكن بعد إصرارها على فسخ الخطبة الثالثة، تَشَككَ أهلها في سلوكها، اصطحبوها رغمًا عنها إلى طبيبة نساء وتوليد، وبينما تذرف الفتاة الدموع، كُشف على عذريتها، "ولقوني بنت زي ما أنا"، فيما لا تنسى الشعور الذي تملكها وقتها "كنت خايفة ومش واثقة في نفسي مع إن محدش لمسني"، لفترة قاطعت أهلها، التزمت حجرتها رغم محاولات أسرتها لإرضائها "بعدين رجعنا نتكلم، بس مش كل اللي اتكسر يتصلح .. أنا قاسيت والله".

ذهبت ريهام إلى طبيب نفسي بنصيحة من أهلها، بعد أسبوع من خطبتها الرابعة، حَكَت له ما مرت به، فشخص مرضها بـ"فوبيا ليلة الدُخلة".

طوال 3 أشهر، ظلت العروس تتابع جلساتها مع الطبيب، وصف لها أدوية مهدئة، بينما أسهب في شرح طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، طمأنها، قبل أن ينصحها بالزواج من خطيبها، وهو ما تم بالفعل، تزوجت صاحبة الـ32 عامًا، ورزقت بطفل عمره الآن 6 سنوات.

ورغم تفوق النساء على الرجال في الإصابة بمرض الرهاب، وفقا للمعهد الوطني للصحة العقلية "NIMH"، تُصيب "فوبيا ليلة الدخلة" الجنسين على السواء، والسبب هو ضعف الثقافة الجنسية، حسبما يقول الطبيب النفسي، جميل صبحي.

لكن الإصابة بمرض الرهاب لا تقتصر على فئة أو مجتمع بعينه أو حتى على بلد نامي أو متقدم، فوفقًا لإحصاءات حديثة صدرت عن "NIMH"، حوالي 10% من الناس في الولايات المتحدة لديهم رهاب محدد، و7.1% يعانون من الرهاب الاجتماعي، و9.0% لديهم خوف من الأماكن المكشوفة، سواء كان خوفًا من العناكب أو الارتفاعات أو التحدث في الأماكن العامة..

أيضًا هناك مشاهير عانوا من الفوبيا.. في الانفوجراف التالي:

2

بتردد، تَخطُو "سمية" لعبور الطريق، ترتعد أوصالها، تتسارع أنفاسها وهي تلتفت يمينًا ويسارًا، بينما تنطق الشهادتين تحسبًا لموت بات يَلوح أمامها.. منذ 4 سنوات، تَبدلت حياة الشابة العشرينية، اصطدمت بها سيارة، أطاحت بها من عرض الشارع، إلى الرصيف مُضرجة في دمائها، فيما كُتب لها عمرًا جديدًا، لكنها أصبحت مُصابة "فوبيا".

منذ وقوع الحادث، لم تعد سمية تعبر الطريق بمفردها، إما أن تُقدم على ذلك بمحاذاة أحد المارة، وإذ لم تلحقهم بذات الخطوات تعود أدراجها حتى معاودة الكَرَة، أو تطلب المساعدة من الآخرين "مبتكسفش لما ألاقي راجل معدي أقوله استنى أعدي معاك، أو أنادي على عسكري المرور عشان يعديني"، فيما تمر مثل تلك الأوقات عليها عصيبة، يلوح الموت أمامها في كل مرة تعبر الطريق.

مواقف مُحرجة تتعرض لها الشابة العشرينية. فبخلاف انزعاجها شخصيًا، "لأني بفضل واقفة كتير جدًا عشان أعدي الطريق". أحيانًا يزجرها سائقي المركبات بغضب، إذا تعثرت وتوقفت في المنتصف "بيقولولي إيه الغباء اللي انتي فيه ده؟!". وكثيراً ما تُلاحقها نظرات الدهشة من الواقفين في الشارع، ولا تسلم من كلماتهم: "واقفة ليه كل ده؟ ما الناس كلها بتعدي!".

لم تعرف سمية، أن ما تعانيه هي حالة مرضية، لكن جميل صبحي، أستاذ الطب النفسي، يُشخص حالتها بـفوبيا، لذا تنوي الذهاب إلى الطبيب.

فيديو جراف: كل ما تريد معرفته عن الفوبيا

شاب تخطى عمره الثلاثين، يقود سياراته الفارهة للذهاب لمقابلة خطيبته بأحد المقاهي، لتنتابه نوبة هلع خلال صعوده أحد الكباري.. كانت تلك إحدى حالات الفوبيا التي يعالجها الطبيب النفسي جميل صبحي، منذ 7 أشهر.

جلسات نفسية استمع خلالها الطبيب، الذي يمارس المهنة منذ أكثر من 40 عامًا، إلى حالته المريضة، ليشخص الأمر بـ"فوبيا الخيانة"، حيث كان الشاب يشك في سلوك فتاته، لكثرة علاقاته النسائية قبل خطبتها، لذا كان ينتابه الفزع قبل كل لقاء بينهما.

رغم ما هو متعارف عليه في الطب النفسي أنواعًا للفوبيا، فهو مرض يُّوصف حالة كل شخص يتملكه خوف من كائن معين أو وضع معين لا خوف منه، بحسب كلام سعيد عبد العظيم، أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة.

لذا يتزامن مع روشتة الدواء، الذي يصفها أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة، لمريضه، هو إيصاله لما يفيد بأن مرضه لا صلة له بمنطق، إلى جانب مساعدته للتعرض لما يخافه تدريجيًا.

لكن على الرغم من مرور أكثر من 10 سنوات، لا يزال "لؤي" يتذكر تلك المشاهد جيدًا. كان عمره وقتها 9 سنوات، عندما جلس أمام التلفاز يُشاهد فيلمًا مات واحد من أبطاله داخل مصعد، تلقائيًا استحضر عقله أحداث سينمائية مشابهة، كذا نسج عقله حكايات أكثر خيالية ورعبًا، ليجرب الطفل بنفسه إصابته بالرهاب وهو ابن 14 عامًا.

داخل عقار عمه، دلف لؤي إلى "الأسانسير"، لكن تعطله في منتصف الطريق، دفع إلى تفكيره خيالات، زادت الرعب داخل قلبه، أسالت عرقه، وأشعرته بوجع في بطنه، بينما أكثرت على لسانه كلمة: "هموت"، فمن بعدها باتت السلالم وسيلته الآمنة للصعود، لكن لم يكن هذا أبدًا باليسير، في أحد الأيام تخلى صاحب الـ23 عامًا عن الدراسة في إحدى الأكاديميات، والسبب أنه يضطر إلى صعود سلم لثماني أدوار.

داخل مدرج الجامعة، كان الحديث يدور حول "الفوبيا"، أنواعها وسبل معالجتها، شد الحديث لؤي، تخيل لو أنه تغلب على مخاوفه؟ لذا قرر خوض تجربة العلاج، بات يُجرب الصعود في "أسانسير" يعرفه جيدًا، وشاهده يعمل دون أي مشكلات، فيما بدأ التنفيذ بصحبة زملائه، ولأدوار قصيرة فقط، لكن لا يُغامر ولو لمرة باستقلال آخر لم يعتاد، يقول إنه لم يتخلص تمامًا من مخاوفه، لكنه ماضي في المحاولة.

*الأسماء الواردة بالقصة مستعارة بناءً على طلب أصحابها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان