حرفة من روح البيئة.. سيدات يتعلمن صناعة الخوص في البرلس
كتبت- شروق غنيم:
تصوير- روجيه أنيس:
لم تعتد أيادي سناء شعبان على صنعة غير الصيد، منذ كانت في العاشرة من عمرها وتذهب برفقة والدها إلى بحيرة البرلس باستخدام الغزل (شِباك) لتجميع السمك، وّدت السيدة الخمسينية لو أن تلك الأيادي أتقنت أيضًا استخدام القلم للكتابة "لكن مكنش في علام للبنات في عيلتنا"، لذا باتت أي فرصة لتعلم أي حرفة فرصة ذهبية بالنسبة لها، خاصة بعدما ألمت بها أزمة صحية قبل سنوات منعتها من "الصيادة".
فتحت الفرصة أبوابها للسيدة الخمسينية خلال ملتقى البرلس السادس، والذي أقيم في الفترة من الأول من أكتوبر حتى 14 أكتوبر هذا العام، إذ نُظمت ورشة لتعلم سلسلة من الحرف اليدوية النابعة من بيئة البرلس، كما يقول رامي شهاب، سكرتير عام مؤسسة الدكتور عبدالوهاب عبدالمحسن والمدير التنفيذي للملتقى لمصراوي.
خلال النسخة السادسة للملتقى لم يكن الأمر مقتصرًا على الرسم على جداريات أهالي البرلس، وبالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان هذا العام، كان للأهالي أنشطة كما الفنانين المشاركين "إحنا مهتمين بالتنمية مش بس شكل المدينة، لكن كمان السيدات اللي هنا بإنهم يتعلموا حرفة بديلة تعينهم على الحياة".
كانت أفكار ورش العمل نابعة من محيط السيدات، خامات يستطعن الحصول عليها بسهولة من منازلهن، مثل ورشة مرج الخيط لتعلم صناعة الخيامية أي حياكة الأقمشة الملونة "بس على منخل بلدي من اللي بيستخدموه عادي، وبنعلمهم إزاي ممكن حاجة فنية بيها تتباع"، كذلك ورشة الزراعة المنزلية واستغلال المساحات الموجود في الشرفة أو أعلى المنزل، وآخرهم صناعة أشكال مختلفة من الخوص.
في منطقة تحتضن قرابة 5 ملايين نخلة، جاءت فكرة ورشة الخوص، والتي جذبت سناء للمشاركة بها "لإن سهل أجيبه ومن غير فلوس". داخل قصر الثقافة في البرلس بدأ الحدث، على الأرض جلست السيدات في دائرة حول اثنين من المدربات، بتركيز شديد تابعت السيدة الخمسينية أياديهن بينما تلتف سريعًا وتغزل الخوص لكي يُصبح وعاء، تقاطع أحاديثهن وتقول "ده على كدة الصيد أسهل، إنما دي محتاجة تفتيح دماغ".
لم تكن تعليقات السيدات تشتت من انتباه مروة البنا، تستقبل الأسئلة برحابة، ترد عليهن بينما تريهن بشكل عملي وهي تصنع وعاء من الخوص. أتت الفتاة الثلاثينية من رشيد خصيصًا لتعليم الفتيات فنون صناعة الخوص، أتقنته وهي في العاشرة من عمرها "لإن عندنا في رشيد نخيل ياما، فدي كانت لعبتنا ناخد الخوص بتاعه ونعمل أشكال"، غير أنها قبل عام قررت أن تمرر خبرتها للآخريات.
لأول مرة تأتي البنا إلى البرلس، بعدما تم دعوتها من قِبل الملتقى لتدرب سيدات المدينة "هي أول مرة أصلًا أعلم حد برة رشيد"، من بلدتها أتت بالخامات، تشرح للسيدات كيف يمكن إنتاج قطعة فنية من "حاجات بتترمي زي قش الرز والخوص"، أحيانًا تحول من ألوانهم "بصبغهم عشان يبقى شكله أحلى".
تنتبه السيدات لكل خطوة تأخذها البنا، فيما هي تكمل عملها بروتينية اعتادتها، تطلب أم السيد منها إبطاء حركتها قليلًا، لأول مرة تُجرب الأعمال اليدوية "أنا بشتغل في بيتنا، في البيت بربي فراخ وبط وأبيعهم بس طول عمري نفسي يبقى عندي حرفة تانية أزود بيها دخلي"، جاءت الورشة كطوق نجاة لصاحبة الـ46 عامًا "جوزي تعبان وبطّل شغلي، وعندي بنت على وش جواز".
اتسعت الحلقة الصغيرة بمرور الوقت، تأتي سيدات أخريات للحاق بما تقدمه مدربات رشيد، تتعلّق أم السيد بأمل تعلم حرفة يمكن ممارستها ببسطاة في المنزل، فيما تشعر سناء بأن سنوات عمرها لم تمر هباءً، إمكانها حتى لو بلغت الخمسين تدبر شئ جديد "لإن أنا مليش ولا عيل ولا حاجة تشغلني، نفسي بس اتعلم القراية والكتابة، ويبقالي صنعة".
تابع موضوعات الملف:
في ملتقى البرلس.. حين تحول منزل عائلة لـ"بيت البحر" - صور
"عندي 15 سنة وعايزين يجوزوني".. حدوتة مريم على مسرح البرلس
تاج الألم.. من البرلس رسامة "بنجلاديش" تحمل رسالة لنساء العالم
"مش للرسم وبس".. كيف أثر صندوق الأمم المتحدة للسكان على ملتقى البرلس؟
ملتقى البرلس للفنون.. "ونس" العزبي ورفاقه بعد الخروج على المعاش
فيديو قد يعجبك: