لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

30 عاما بين الشرقية والقاهرة... سليمان يرسم التراث على أوراق البردي

06:41 م الثلاثاء 29 أكتوبر 2019

عاطف سليمان يرسم على أوراق البردي

كتبت-دعاء الفولي:

مازالت أنامل عاطف سليمان تُلون رسومات أوراق البردي؛ يستمتع بـ"الشغل"، يتذكر. حين كان يحمل أعواد "البردي" على كتفه من الحقل والمصنع، يُتابع بحماس كيف تُقطعها الفتيات، ثم تمر بعدة مراحل لتكون ورقة يسهل الكتابة أو الطباعة عليها. 30 عاما مرت وما فترت عزيمته تجاه المهنة التي يُحب، يصنع كل لوحة كأنها المرة الأولى، يحزن أحيانا حين تُباع "عشان بحسها زي ولادي".

في متحف محمود مختار، كان سليمان يستكمل عمله، ضمن مهرجان الحرف التراثية الذي افتتحته وزيرة الثقافة قبل عدة أيام، حيث يستقبل العديد من أصحاب الحرف اليدوية من محافظات مصرية مختلفة.

1كان سليمان قد أنهى تعليمه عام 1988، حين سمع عن ورق البردي؛ يتذكر المهندس أنس أحمد الذي أدخل زراعة النبات إلى قرية القراموص بالشرقية "كنا أول قرية في مصر تزرعه"، قصة دخول الفكرة لمصر يذكرها سليمان بالتفاصيل "المهندس أنس كان عارف سفير مصر في السودان وهو اللي حكاله عن موضوع البردي وزراعته هناك".

حينما أدخل المهندس أنس الفكرة إلى القرية "أخد قيراطين مستخبيين ورا الجامع وزرع فيهم شتلة واحدة"، خلال أشهر معدودة نبتت الأرض "الشتلة الواحدة بقت شتلات كتيرة"، في تلك الفترة أعلن المهندس عن حاجته لشباب من القرية يعملون في جمع البردي ونقله والبدء في تصنيعه "كنا بنتقسم 3 مجموعات.. شوية بينقلوا النبات من الحقل وحبة بيصنعوه وحبة بيلونوا"، لم يقتصر الأمر على الرجال فقط "البنات كانوا هما اللي بيصنعوا بنفسهم".

3 مراحل يمر بها النبات كي يُصبح ورقة يمكن الرسم عليها؛ فبعد قطع الأعواد الطويلة من الحقل، يتم شقها وتقشيرها "عشان ناخد اللُب الأبيض اللي جوه"، تقوم الفتيات بنقع العيدان في دلو ضخم مليء بالمياه "عشان النبات يلين شوية"، ثم يتم تجفيفه ونقعه في مادة الكلور لتثبيت اللون "ومن خلال الكلور بنقدر نتحكم في درجة لون الورقة"، ثم أخيرا يتم نقع المحصول في مادة البوتاس "بتدي لزوجة للنبات وبتبقى مكان الصمغ".

2

فيما بعد يتم تصنيع الأوراق عن طريق تقطيع الأعواد ولصقها بطريقة معينة "وبعدين تدخل مكبس عشان نصفيها من أي مياه وبنسيبها يوم تنشف بالكامل".. يحكي سليمان.

في الثمانينات، لم تكن القرية تمتلك سوى غرفتين "دول المصنع اللي بقينا نصدر منه للشرق الأوسط كله"، ذاب قلب سليمان في المهنة "محدش في عيلتي اشتغل فيها قبلي بس أول ما بدأتها حبيتها"، في بداية الألفينات، استقل سليمان عن الشرقية، بات له مصنع صغير خاص "كنت بجيب الورق من القرية بس بنرسم ونلون عندنا في القاهرة"، غير أن أزمات عدة اعترضت طريقه.

عام 2011 ومع تراجع وضع السياحة في مصر بات على سليمان التعامل مع الأزمة؛ فبدلا من 45 رجل وسيدة يعملون معه "خفضت العدد لتمانية"، كانت الأوراق تنتظر بيعها داخل المخازن "وبقينا بنخسر بعد ما كنا بنوزع لبازارت كتيرة في كل حتة"، لم يضرب الأثر السلبي تجارة سليمان فقط، فمعظم الأماكن التي تخصصت في الرسم على البردي بمحافظة القاهرة أغلقت أبوابها.

تعتمد الصناعة على رسم الأشكال الفرعونية بالأساس "فيه كتالوج بينزل من المتحف المصري لشخصيات وقصص قديمة ودي اللي بنرسمها"، كما يتم رسم بعض الآيات القرآنية أيضا واللوحات القبطية كالرحلة المقدسة وغيرهم "وأحيانا بنعمل شغل حُر حسب الطلب".

رغم اعتماد البردي حاليا على الطباعة بشكل أساسي، لكن سليمان يجد متعة خالصة في الرسم ثم التلوين "الموضوع عامل زي عيالي اللي بيكبروا قصاد عنيا"، ينسى الرجل الذي قارب على الستين عاما ما يحدث ما يحدث حوله حين يندمج "ممكن أقعد سبع ساعات في عالم تاني خالص".

3

خبرة سليمان لم تمكنه فقط من الصمود بعد ركود المهنة، بل فتحت له آفاقا أخرى، بات اسمه معروفا في أوساط الحرف اليدوية، يُطلب لإعطاء محاضرات وورش في كليات الفنون الجميلة والتطبيقية، فيما يعرض فنه بمعارض كثيرة، وصل عددها لـ80.

منذ عامين، بدأت تجارة سليمان في التعافي "السياحة رجعت شوية وبدأنا نوزع تاني"، زاد عدد العُمال معه، لكنه لم يتوقف عن الرسم والتلوين بيده، لم يُعلّم سليمان أبنائه الحرفة "عشان مش غاويينها"، غير أنه لقّن الصنعة لتلاميذ كثيرين "عندي أمل إن هما دول اللي يكملوا.. عشان انا لو مُت حاسس إن المهنة هتنقرض".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان