مهندسون ومديرون.. لماذا يجذب "النقل الذكي" أصحاب المهن العليا؟
كتب ـ أحمد شعبان ومحمود عبدالرحمن:
طيلة 6 أشهر، ظلّ "محمد فتحي" يبحث عن عمل بإحدى توكيلات صيانة السيارات بمصر، بعد 5 أعوام قضاها في العمل بالخارج. لكن خاب مسعاه، لم يجد فرصة عمل تناسبه، ليقرر خريج كلية الهندسة جامعة حلوان، قبل نصف شهر، أن يعمل بمجال آخر بعيداً عن تخصصه، ويلتحق بشركة "أوبر" للنقل الذكي سائقًا.
لم يكن القرار سهلاً على صاحب الـ43 عاماً، الذي قضى 15 عاماً يعمل في "هندسة السيارات" متنقلاً بين شركات مصرية ذائعة الصيت مثل "غبّور" وغيرها، قبل سفره للسعودية، لكن ضيق ذات اليد وندرة فرص التوظيف، دفعه ليترك مجال تخصصه، ويبدأ البحث عن أي عمل يدر عليه دخلاً "عندي التزامات ومصاريف كتير لازم أوفيها، أختي مريضة وزوجتي عندها سكر وعندي 4 أولاد".
نصحه أحد أصدقائه بالعمل مع شركة أوبر "قالي إنها شغلة كويسة وفيه ناس كتير دكاترة ومهندسين ومحامين شغالين فيها، منهم اللي بيحسّن دخله أو أوبر هي مصدر دخله الوحيد"، يقول فتحي.
على مستوى الأسرة، لم يكن القرار هيّناً، أبدوا اعتراضهم "كانوا زعلانين، وقالولي إزاي تبقى خريج هندسة وتشتغل سوّاق؟!"، وناقشهم فتحي وأقنعهم بأنه لا يجد فرصة عمل أخرى، كما أن هناك التزامات أسرية، ومصروفات دراسية، يجب أن يفي بها، "كمان الشغل مش عيب ما دام حلال ومرتاح فيه".
أقنعهم بأن العمل مع شركات النقل الذكي مختلف عن غيره في مجالات النقل والقيادة، المستوى الاجتماعي أفضل "فبترفع معنوياتك شوية"، وقرر مهندس السيارات خوض التجربة، استأجر سيارة ملاكي مقابل 200 جنيه يوميا، وبدأ العمل عليها، لينضم إلى حوالي 150 ألف سائق استقطبتهم شركات النقل الذكي في مصر.
التجربة نفسها، بظروف مختلفة، خاضها "أشرف السعيد"، مدير عام الحماية المدنية بشركة النقل والهندسة بالإسكندرية. أُعجب بفكرة النقل الذكي، قبل عامين، ورآها أفضل من غيرها، تعينه على تحسين دخله "أولادي كلهم في مدارس خاصة والمرتب مش هيكفي أي مصاريف".
توجه إلى أحد وكلاء "أوبر" بالإسكندرية، لكنه وجد أن موديل سيارته القديم يمنعه من العمل كـ"كابتن أوبر"، ليقترح عليه صديق العمل معه على سيارته مساءً، وقد كان.
راق العمل الجديد لصاحب الـ50 عاماً، خاصة أنه "غير مرتبط بوقت معين وموعد محدد للتواجد في مقر شركة مثلاً"، فما إن ينتهي من عمله الحكومي في تمام الساعة الرابعة عصراً، يرتاح قليلاً ويتناول غداءه في بيته، ثم يستلم سيارة صديقه ويعمل بها حتى الساعة الثانية بعد منتصف الليل، يقول "كنت بطلع من الشغل أروح وبقعد في البيت أما دلوقتي بحاول أحسن الدخل وده مش عيب".
25 عاما قضاها الرجل في العمل الحكومي تدرج خلالها في السلم الوظيفي، ومع ذلك لم يتردد في البحث عن مصدر دخل إضافي، مع غلاء المعيشة، والزيادات المتتابعة التي شهدتها أسعار الخدمات والسلع منذ تحرير سعر صرف الجنيه في نوفمبر 2016. قرر العمل مع "أوبر" دون أن يهتم ما إذا كان قراره سيلقى قبولاً لدى أسرته والمقربين منه، أم لا؟!، "المسألة ملهاش علاقة بإني شغال مدير عام ولا حتى أي وظيفة أخرى، الفكرة إن أولادك بيطلبوا مستلزمات ومحتاجين مصاريف، وما دام فيه فرصة عمل مناسبة لزيادة الدخل أرفضها ليه؟!".
منغصات العمل
لا يسير عمل خريجي كليات القمة مثل "محمد فتحي"، أو أصحاب الدرجات الوظيفية العالية مثل "أشرف السعيد"، مثل غيرهم من سائقي شركات النقل الذكي، ممن كانوا يعملون أصلاً سائقين، أو خريجي الدبلومات الفنّية، فالأول يخوض صراعاً يومياً، يؤرقه كلما تذكّر أنه خريج إحدى كليات القمة في مصر "كنت شغال في السعودية مدير مركز صيانة فجيت هنا لقيت نفسي نزلت لمهنة أقل، لكن الحمد لله كل حال"، يقولها فتحي.
بينما يتعرّض "أشرف السعيد" لمواقف مع بعض العملاء، تدفعه "للندم إني اشتغلت الشغلانة دي، ولكن بييجي شخص آخر وبيغيّر الفكرة، والمجتمع اتغير والنظرة للشغل اتغيرت".
حين علم "محمد صديق"، مهندس إلكترونيات بإحدى الشركات الخاصة، بشركات النقل الذكي قبل 3 سنوات، لم يتردد بالتسجيل بأحد المكاتب للعمل سائقًا بسيارته، يريد صاحب الـ45 عاماً تحسين مستوى دخله، خاصة أن لديه قناعة بأن تحمل مصاريف أسرة وأولاد لا بد له من دخل آخر بجانب الوظيفة بالمؤهل الدراسي يقول: "أي حاجة تساعد في تحسين العيشة وكمان وقت ما تحب تشتغل تشتغل".
يقدر محمد الحاصل على بكالوريوس الهندسة في جامعة دمياط، وأب لثلاثة أولاد بمراحل التعليم المختلفة، نسبة الدخل اليومية من عمله الإضافي بشركة أوبر، بـ250 جنيها يوميًا، بداية من انتهاء عمله الأساسي بالساعة الثانية ظهرًا، وحتى الساعة الحادية عشرة مساءً، ورغم زيادة دخل عمله سائقًا مقارنة بعمله الأساسي، إلا أنه يسعى دائماً لئلا يوثر ذلك على طبيعة عمله مهندسًا، "أوبر وكريم فيها فلوس بس مينفعش أسيب شغلي كمهندس وأروح أشتغل سواق".
"كريم محمد"، 28 عاماً، بدأ قبل 4 سنوات العمل مع "أوبر"، إلى جانب عمله في أحد مكاتب المحاماة، يتقاضى منه 1500 جنيه شهرياً "بقالي 12 سنة من وأنا طالب كنت شغال سواق على عربية تمناية بتاعتي، لكن بعد ما اشتغلت في المحاماة قلت لازم أشوف حاجة تناسبها"، فكانت شركات النقل الذكي، خاصة أنها الأنسب بالنسبة له، لعدم ارتباطها بمواعيد عمل محددة.
في السادسة صباحاً يتحرك "كريم" من بيته بمدينة بدر، يفتح تطبيق "أوبر" بحثاً عن عميل يقله إلى وجهته، قبل أن يتجه إلى إحدى المحاكم عند التاسعة صباحاً "وبكمل شغل المحاماة لغاية 6 المغرب، وأرجع أكمّل شغل أوبر لـ12 بالليل"، أملاً في زيادة دخل يعينه على الإنفاق على إخوته، بعدما صار عائلهم، بعد وفاة والديهم.
لا يعوّل الشاب العشريني كثيراً على العمل مع شركات النقل الذكي، خاصة أنه لا يدر عائداً يناسبه "شركة أوبر مبقتش زي الأول، وبتيجي في صف العميل على حساب الكابتن، وفلوسها قليلة"، يقول "أشرف"، والرأي نفسه لدى "محمد فتحي"، خريج هندسة السيارات، الذي يأمل أن يجد فرصة عمل ملائمة وفقاً لتخصصه "أوبر حتى وإن كانت كويسة لكن في النهاية أنا عايز أحس بكياني وذاتي وأشتغل بشهادتي"، على ما يقول.
فيديو قد يعجبك: