إعلان

بـ"جلبية" وجيتار.. طارق الحاوي يواصل "ثورته" في السودان

11:35 ص الثلاثاء 26 نوفمبر 2019

طارق الحاوي عازف جيتار وموزع موسيقى في السودان

كتبت-إشراق أحمد:

لم يكن الفن بعيدًا عن المشهد في السودان؛ بساحة اعتصام القيادة العامة يتلاحم أصحاب المواهب ضمن المتظاهرين، يمسك طارق الحاوي الجيتار ويضرب على أوتاره بأعذب ما تمنى أن يعزف للموسيقى وبلاده. تصاعدت الأوضاع طيلة نحو 10 أشهر منذ بدأ الحراك الشعبي في ديسمبر 2018، وخمدت مع تولي مجلس انتقالي إدارة شؤون البلاد في أغسطس الماضي. انتهى المشهد في الشارع، لكن "الحاوي" استمر في العزف ونشر موسيقاه على الإنترنت وبين الجمهور، مواصلًا ثورته.

بجلباب أهل السودان وطاقية رأس، وملامح رجل يبلغ من العمر 55 عامًا، يطل الحاوي على متابعيه، يمسك "جيتار" حديثًا، ويسجل في دقائق عزفًا جديدًا بنمط موسيقى "البلوز" –موسيقى تعود أصولها لأفريقيا وانتشرت في أمريكا، فيما لا ينقطع عن التواصل مع العازفين داخل السودان وخارجها، لاسيما الشباب عبر تطبيقات واتس آب وموقع فيسبوك.

وجد الحاوي في الفضاء الإلكتروني وسيلة لنشر موسيقاه، خاصة مع تعذر إقامة حفلًا خاصًا به "لأن كل الحفلات مع المطربين" كما يقول لمصراوي، لكن حين هب السودانيون معلنين "الثورة"، كانت بالنسبة له أذان تلاقي مع "انتفاضته" التي بدأها منذ قرر أن يتخذ الموسيقى سبيلا.

منذ عام 1984 ويحترف الحاوي العزف على الجيتار ومهنة التوزيع الموسيقي، تعامل مع العديد من المطربين في السودان، لم تكن موسيقى"البلوز" غريبة عن نشأته، درسها حبًا وليس أكاديميا، كما فعل مع التعلق بالجيتار "كان في حارتي عازفين معروفين بالاسم".

داخل منزله في حارة بحري الدناقلة جنوب، يتذكر الحاوي وقت أن كان يدير مؤشر الإذاعة وينتظر عرض التلفاز لعزف نجوم البلوز أمثال عمر جيري، صلاح خليل، والسر مختار، فمنهم انجذبت نفسه للآلة الوترية، وتعلمت أذناه التذوق فصار على الطريق، وعرفت يداه مهارتها على الأوتار عبر السمع والتمرين.

1

اجتهد الحاوي بالتعليم الذاتي، ومع مرور الوقت علم أن التكنولوجيا وسيلته، لكنه لم يعلم أنها ستمكنه من الانتشار خاصة بالتزامن مع الثورة، إذ تداول له مقطع في شهر مايو المنصرف، حاز على مشاهدة نحو نصف مليون شخصًا.

انتشر المقطع المصور لعازف الجيتار على فيسبوك، دار دون معرفة هوية صاحبه غير أنه سوداني، وراح الظن، خاصة في مصر، إلى أن أحدهم يعبر عن الانتفاضة بطريقته، فأحدهم يعلق "شعب مبهج" وآخر يصفه ساخرًا "البواب بيلعب بلوز" أو "يا حاج بدل ما تروح المسجد تلعب بلوز".

تقبل الحاوي، صاحب الفيديو، ردود الفعل كلها، إلا أنه اندهش من إعادة نشر ذلك المقطع بعد 3 سنوات من تصويره، لكنه أدرك أن ما سعى إليه منذ أعوام من نشر موسيقاه عبر وسائل التواصل الاجتماعي باتت تحقق جدواها مع أجواء التغيير والثورة.

لم يقصد الحاوي التصوير بالرداء السوداني "الموضوع كان تلقائي. دايما في البيت وفي الطريق ببقى لابس الزي"، امتد انتشار المقطع لأنحاء بعيدة عن تخيل عازف الجيتار "انتشر الفيديو في مسيسيبي وهي منطقة بلوز في أمريكا والبعض قدموا لي دعوة ازور أمريكا وكندا"، فكان لمثل ردود الفعل هذه دافعًا للحاوي كي يواصل المسير.

2

يستمر الحاوي في نشر الفديوهات بين الحين والآخر، فيما تطوف به أوقات الثورة، فتلك أيام لا تُنسى؛ تحت أشعة الشمس الحارقة، وحرارة تصل لـ50 درجة، حتى في شهر رمضان وقت الصيام، تواجد الحاوي بين المتظاهرين، في الصباح يؤدي السياسيون دورهم في التوعية وإرشاد الجماهير، أما المساء فهو "لحشد الهمهم بالموسيقى والغناء" كما يتذكر عازف الجيتار، إذ كانت تقام المسارح والحلقات الفنية بالنشاط، يتولون الترفيه والتخفيف عن المعتصمين.

غيرت الثورة من حال الحاوي وأرباب الفن، أبصر عازف الجيتار للمرة الأولى اتفاق لم يشهده بالسابق، خاصة وأنه شارك في انتفاضة السودان عام 1985، حينها كان يحمل بين يديه فرعًا من شجرة النيم المشهور زراعتها بالسودان –شجرة معمرة، فيما بعد نحو انقضاء 35 عامًا، عاد الرجل الخمسيني إلى ساحة التظاهر، لكن هذه المرة بين راحتيه جيتار ينشد منه ثقافة موسيقيه تمنح النفوس شعورًا طيبًا "الثورة أثرت فينا. شجعتنا نقدم ونعطي. في السابق ما كان في حرية. الثورة موسيقية فنية. ثورة شاملة لكل الأشياء".

3

دعمت الثورة من مسعى الحاوي، تمسك أكثر باهتمامه بالتراث السوداني وتنوع القبائل واللهجات في السودان، وزاد تشبثه بالجيتار وموسيقى البلوز. يتذكر تاريخ انتشارها في أمريكا فترة تجارة الرقيق قبل أكثر من مائة عام، فيما ينظر للحراك الثقافي الذي أخرجه من مخبأه بعد الانتفاضة، فيتنامى أمله أنه "سوف يكون هناك إنتاج فني سوداني مواكب للتطور العالمي".

فيديو قد يعجبك: