لم يتم العثور على نتائج البحث

إعلان

"الفرح تحوّل إلى مأتم".. مصراوي داخل منازل ضحايا حادث قطار الدقهلية

05:54 م الثلاثاء 24 ديسمبر 2019

عزاء ضحايا قطار الدقهلية

كتب ـ محمود عبد الرحمن:

في شارع فرعي بعزبة حجازي التابعة لميت غمر في محافظة الدقهلية، كان سواد الليل فاصلًا بين مشهدين متناقضين لأسرة "شقيطة"، التي كانت تقيم مراسم فرح أحد أبنائها، مساء الخميس الماضي. تجمع العشرات من أبناء العائلة، لتنقلهم سيارات فان صغيرة إلى قاعة الأفراح بالبر الغربي من العزبة التي تطغى عليها الرقعة الزراعية ويقسمها خط السكة الحديد.

في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء، تحرّكت السيارة المحملة بـ11 راكبًا من أهل العريس (أطفال ورجال وسيدات)، حتى وصلت إلى مزلقان السكة الحديد، وتزامنت لحظة عبورها للمزلقان مع قدوم قطار قادم من مدينة طنطا في اتجاه مدينة الزقازيق؛ لتنتهي حياة 9 من ركابها ويصاب اثنان بجراح خطرة.

في لحظة من الزمن تحوّل الفرح إلى مأتم. استبدلت النساء الملابس الملونة والمزخرفة بالسوداء، وساد الحزن، واستبدل الأهل والأصدقاء و"المعازيم" الذين أتوا لتقديم التهاني، مكان تجمّعهم؛ من قاعة الأفراح إلى العزاء المنصوب أمام البيت، لتقديم واجب العزاء.

صورة 1

لايزال مشهد الحادث الأليم عالقًا بذهن "شروق سليمان"، واحدة من اثنين نجيا من الموت، تتذكر صراخ وأصوات استغاثة أسرتها لحظة وقوع الحادث "شوفتهم بيموتوا قدامي على الطريق"، كان الظلام دامسًا. استمرت صاحبة الـ14 عامًا في البحث عنهم "كنت سامعة صوت أختي وهي بتنادي على ماما بس بعدها الصوت راح"، لتطغى بعد دقائق أصوات سيارات الإسعاف على ذلك المشهد "يارتني كنت معهم" تقولها الفتاة والدموع تغالبها، قبل أن تدخل في فاصل صمت طويل.

بداخل أحد شوارع القرية، تجمع أقارب الضحايا في أماكن متفرقة، كل واحد منهم يجلس أمام منزله لاستقبال العزاء فيمن فقد، فيما جلست "فايزة محمد"، والدة "حسانين"، أمام منزلها، يلتف حولها مجموعة من النساء، متشحات بالسواد من أهالي القرى المجاورة الذين جاءوا لمواساتها، في رحيل ابنها الذي فارق الحياة برفقة زوجته وابنته، تظهر على ملامح السيدة الخمسينية علامات الحزن، ومن حين لآخر يعلو صوتها مردده "كل حاجة راحت كلهم ماتوا".

كانت الأم بين الحضور في قاعة الأفراح حين هرول أحد الأهالي ليخبر الحاضرين باصطدام القطار بالسيارة التي كان بها ابنها واسرته، لم تكن تدري حينها ماذا تفعل إلا أن تهرول برفقة الأهالي إلى مكان الحادث الذي لا يبعد عن القاعة، تقول الأم "خمس دقائق ووصلنا، رحنا فضلنا ندور عليهم في الضلمة على القضبان"، لم تتمالك أعصابها من هول ما رأت، تتذكر اللحظات العصيبة التي عايشتها، منها مشهد حفيدتها التي لم تتعدى الـ4 سنوات وهي ملقاة على الرصيف جثة غارقة في دمائها "عمري ما هنسى منظرهم وهما مقطعين قدامي"، تقول بأسى.

"كان لسه بيكلمني بيقولي عاوز يروح يكشف لمراته علشان عندها فشل كلوي" قالها محمد مصطفى مدير تموين ميت غمر، شقيق "هشام" سائق السيارة وأحد المتوفين بالحادث. يتذكر المكالمة الهاتفية من أحد أصدقاء شقيقه حينما كان جالسًا بمنزله يخبره بما حدث ونقل شقيقه إلى مشرحة مستشفى دقادوس العام، نزل الخبر عليه كالصاعقة، لم يكن يعلم الرجل المسنّ ماذا يفعل، استقل سيارة من محل إقامته بالمركز متجهًا إلى المستشفى، وطوال طريقه يتمنى أن يكون أخوه لايزال على قيد الحياة، وحين وصل إلى المستشفى استقبله أحد الأقارب مؤكدًا الخبر "وجعني بموته وفراقه ربنا يرحمه" يقولها الرجل بحزن.

قبل ثلاثة أشهر، اشترى هشام -الذي يعمل عامل نظافة بمدرسة القرية-، السيارة الفان، أرد أن يوفر دخلًا إضافي بجانب الوظيفة يساعده على مصاريف الحياة الصعبة وعلاج زوجته التي تعاني من فشل كلوي وتحتاج إلى عملية زرع كلى، يقول شقيقه "كان بيشتغل مشاوير لأهل المنطقة في الأفراح والمناسبات أهي حاجة تساعد في المصاريف بس خلاص مات".

"أخويا ملهوش ذنب في حاجة" يلقى الرجل، المسؤولية على هيئة السكة الحديد التي لم تغلق المزلقان، واكتفت بذراع قصير على كل اتجاه، يسمح للسيارات بالعبور، يقول: "ليه ميكنش دراع كبير يمنع المرور".

صورة 4

وأكد أن العديد من أهالي القرية يمرون من الناحية المعاكسة حين يغلق المزلقان ويتأخر القطار لمدة لا تقل عن 10 دقائق "المزلقان بيتقفل قبل القطار بكتير والناس بتعدي عادي".

على بعد أمتار من منزل أسرة شقيطة، التي فقدت خمسة أشخاص، كانت عطيات علي والدة عوض محمد، أحد الضحايا، تجلس في منزلها المكون من غرفتين وصالة، تكسو حوائطه التشققات، تقول "مات وساب لي العيال". تسترجع السيدة الستينية مشهد ابنها الأخير حين كان ممددًا على أحد الأسرة بغرفة العناية المركزة بالمستشفى تقول "قالوا كويس وهيخف"، قبل أن يأتيها خبر الرحيل على لسان أحد الأطباء "ابنك توفّي البقاء لله" تقولها وهي تحاول التقاط أنفاسها.

لا يقتصر حزنها على فقد ابنها فقط "أولاده كلهم صغيرين مين هيصرف عليهم بعده" تستكمل السيدة، متسائلة عن مصير أولاده التي يتراوح أعمارهم من 5 إلى 17 سنة، وليس لهم مصدر دخل بعد أبيهم. فيما تتمنى أن يتم توفير مصدر دخل شهري لهم "كلهم في مدارس وعاوزين مصاريف وأنا على قد حالي".

صورة 2

في منزل يبعد عن القرية نصف ساعة، كانت الطفلة "بيان" الفتاة الثانية التي نجت من الحادث وتعاني من اشتباه في كسر في الجمجمة وكدمات وجروح متفرقة استدعت تدخلًا جراحيًا بسيطًا، ممددة على أحد الأسرة.

بملامح ساكنة تحكى الفتاة صاحبة الـ 12 عامًا، تفاصيل ما حدث "كنا بنهزر وبنضحك كلنا في العربية وإحنا رايحين الفرح" لتتفاجأ الفتاة حين مرور السيارة من فوق المزلقان بصوت ارتطام أعقبه صراخ وعويل، "لقيت نفسي مرمية على الطريق والدنيا كلها ضلمة"، بعدها تم نقلها إلى المستشفى.

"أنا عاوزه أشوف أمي وأخويا".. لا تعلم الفتاة -حتى لحظة لقائنا بها-، بخبر وفاة أمها وشقيقها، تتساءل من وقت إلى آخر على حالتهما الصحية ولماذا لما يأتيا للاطمئنان عليها، يخبرها الحاضرون أنهم يخضعون للعلاج بالمستشفى، يقول عمها ياسر محمد، "مش عارفين هنقولها خبر وفاتهم إزاي ملهاش غيرهم في البيت".

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان